هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "النظام السياسي للاتحاد الأوروبي"
الكاتب: جان لوي كرمون، ترجمة د. محمد عرب صاصيلا
الناشر: "الهيئة العامة السورية للكتاب (وزارة الثقافة) ـ الطبعة الأولى 2020
(عدد الصفحات: 270 من القطع الكبير)
يؤكد الخبراء أنَّ البناء الأوروبي بدأ غداة الحرب العالمية الثانية بغية تعزيز السلام من خلال عدم تكرار الأخطاء المرتكبة في أعقاب الحرب العالمية الأولى.
ولعلَّ أهم مصدرين في عملية البناء هذه، هما:
أولاً ـ مؤتمر لاهاي، المنعقد، عام 1948، بمبادرة من الحركات السياسية الداعية إلى الاتحاد والوحدة، برئاسة ونستون تشيرتشل، حيث أنشأ هذا المؤتمر مجلس أوروبا الذي ضمّ على أساس حكومي سبعاً وأربعين دولة عضواً، وأعدَّ عام 1950 الإعلان الأوروبي لحقوق الإنسان وللحريات الأساسية، الذي أقرته المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، التي تتخذ من ستراسبورغ مقراً لها.
ثانيًا ـ تصريح شومان، في 9 أيار/ مايو 1950 الذي أوحى به جان مونيه وفريقه في مفوضية التخطيط، ونص على أنَّ أوروبا لن تُبنى دفعة واحدة، ولن تحظى ببناء يضم الجميع، بل ستُبنى عبر إنجازات ملموسة تخلق تضامناً واقعياً، كما أوحى بإنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والفولاذ، لكنه فشل في تأسيس جماعة الدفاع الأوروبية.
بينما بقي مجلس أوروبا منظمة دولية من النمط الكلاسيكي، ضمت الجماعة الأوروبية للفحم والفولاذ، والجماعتان اللتان نشأتا بعدها (الجماعة الاقتصادية الأوروبية، والجماعة الأوروبية للطاقة الذرية) مؤسسات فوق قومية وبين حكومية، وابتكرت، تحت مسمى "منهج جماعي عملية تكامل أصبحت في إطار الاتحاد الأوروبي أسلوب التشريع العادي، تتالت في غضون نصف قرن، سلسلة معاهدات لتوسيع ميدان عمل الجماعة الأوروبية المشتركة ، ثم الاتحاد الأوروبي، ولزيادة عدد الدول الأعضاء.
وجمعت هذه المعاهدات، تدريجاً، بين المسار الجماعي الناظم للسوق المشتركة والتعاون بين الحكومات المطبق على الاتحاد السياسي، وأدت إلى قيام اتحاد نقدي بين عدد محدود من الدول الأعضاء. تولّت معاهدة لشبونة، بصفتها آخر هذه المعاهدات، عمل التدوين الذي شرع به المؤتمر المنعقد، عام 2002، لمناقشة موضوع مستقبل أوروبا، وكان يطمح إلى تزويد الاتحاد الأوروبي بدستور، لكن الاستفتاءين اللذين نُظما، عام 2005 في فرنسا وهولندا، أوقفا هذه المبادرة، الأمر الذي أدى إلى عدم تضمين المعاهدة الرموز ـ العلم والنشيد والشعار ـ التي كان ينبغي أن تتزين بها.
في هذا الكتاب ، الذي يحمل العنوان التالي: "النظام السياسي للاتحاد الأوروبي"، المتكون من مقدمة وثلاثة عشر فصلاً، يعالج الكاتب جان لوي كرمون فيه تاريخ نشأة الاتحاد الأوروبي وتطوره خلال نصف قرن كامل، والمعاهدات التي أصبحت تحكمه، ومؤسساته، وطرائق اتخاذ القرار فيه، وبعده السياسي. كما يطمح هذا الكتاب، إلى جانب وظيفته الأكاديمية، إلى وضع الحد الأدنى من المعطيات تحت تصرف الأجيال الجديدة، بما يسمح بفهم المسعى الأصلي للآباء المؤسسين الذين كانوا يريدون، منذ البداية، التشجيع على إقامة مؤسسة قادرة على أن تصبح في النهاية، أكثر من سوق مشتركة، فاعلاً فريدًا من نوعه على المسرح الدولي.
هل أصبح الاتحاد حكومة اقتصادية أوروبية؟
فيما كان القانون الأوروبي الموحّد يكتفي بحثّ الدول على التعاون "بهدف تأمين تقارب السياسات الاقتصادية والنقدية"، شكلت معاهدة ماستريخت قفزة نوعية في هذا الاتجاه، إذ نصت أحكامها على أنَّ الاتحاد الاقتصادي ـ النقدي أصبح موضوعًا لسياسة مشتركة، خاضعة للاختصاص الحصري للاتحاد. فقد جعلت المادة 3، والبند 4، من معاهدة الاتحاد الأوروبي من " الاتحاد الاقتصادي ـ النقدي، الذي يتخذ من اليورو عملة له"، هدفًا للاتحاد. وقد خضعت الدول الأخرى كلها، أو ينبغي لها أن تخضع، لهذه السياسة حين تحقق الشروط الموضوعية لتكون عضوًا فيها، الأمر الذي رفع عددها، عام 2015، إلى 19 دولة بعد انضمام ليتونيا في ذلك العام.
يقول الكاتب جان لوي كرمون: "أخذ على واضعي المعاهدة تأسيسهم "سلطة تكنوقراطية" إضافية لإدارة السياسة النقدية المشتركة. إلاّ أن من الصحيح، بالنسبة إلى الأصناف القائمة، أنّ المصرف المركزي الأوروبي يَظْهَر كسلطة إدارية مستقلة. كما أن فرنسا، الراغبة منذ أمد طويل في الوصول إلى "حكومة اقتصادية أوروبية" لتشكّل وزناً مقابلاً للمصرف المركزي الأوروبي، حصلت على إحداث سلطة سُميت بـ "مجموعة اليورو" التي يجتمع فيها قبل انعقاد كل مجلس لوزراء الاقتصاد والمالية، وزراء اقتصاد ومالية البلدان التي تتكون منها هذه "الحلقة الأولى". وقد ترأس هذه السلطة، التي اعترفت بها معاهدة لشبونة (البروتوكول رقم 14) في البداية، الوزير الأول لدوقية لوكسمبورغ جان كلود جنكر، ثم وزير المالية الهولندي جيروين ديجسلبلوم" (ص 144 من الكتاب).
إنَّ مجلس وزراء الاقتصاد والمالية، الذي يصوَّت بإجماع الدول الأعضاء، غير المستفيدة من أي استثناء، هو الذي يعود إليه أن يقرّر، بناءً على اقتراح المفوضية، وبعد استشارة المصرف المركزي الأوروبي، معدلات تبديل الصرف المحددة للعملات بشكل نهائي، والمعدل الذي يُستبدل فيه اليورو بهذه العملات (المادة 140 ، البند 3 من المعاهدة الخاصة بعمل الاتحاد الأوروبي).
إنَّ مجموعة اليورو، بموجب المادة 137 من المعاهدة الخاصة بعمل الاتحاد الأوروبي، ليست إلا سلطة غير رسمية. فالقرارات المتعلقة بالاقتصادات الكلية يجب أن تُتخذ في مجلس وزراء الاقتصاد والمالية، المفتوح لكل الحكومات، حتى وإن كان حق التصويت محفوظاً للدول الأعضاء في منطقة اليورو وحدها (المادة 136 من المعاهدة الخاصة بعمل الاتحاد الأوروبي). إنما، إذا كان قبول دولة جديدة يبقى من اختصاص المجلس، فإنَّ القرار لا يمكن اتخاذه إلا بناء على توصية من الدول الأعضاء في هذه المنطقة، التي تبين رأيها بالغالبية الموصوفة (المادة 140 من المعاهدة الخاصة بعمل الاتحاد الأوروبي). وقد فتحت معاهدة لشبونة الطريق لتمثيل موحد لمنطقة اليورو داخل المؤسسات والمؤتمرات المالية الدولية (المادة 138 من المعاهدة الخاصة بعمل الاتحاد الأوروبي). وأخيراً، فإنَّ اجتماعات للدول الأعضاء في مجموعة اليورو عقدّت على مستوى رؤساء الدول والحكومات في إثر الأزمة الاقتصادية ـ المالية التي بلغت أوروبا بدءاً من عام 2008.
السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي
في رسالة موجهة، في كانون الأول (ديسمبر) 1958، إلى بول رينو كتب الجنرال ديغول أنَّ "من الممكن رؤية أوروبا، وربما صنعها، بطريقتين: التكامل عبر المبدأ فوق القومي، أو التعاون بين الدول والأمم". وأضاف: "إنَّ الطريقة الثانية هي التي ألتزم بها من جهتي".
إلاّ أن "المنهج الجماعي" إذا كان قد أحدث في غضون ستين سنة فضاءً اقتصادياً ونقدياً متكاملاً، فإنَّ بناءه التدريجي لم يُبْعِد حكومات الدول عن المسرح السياسي. فقبل معاهدة ماستريخت، كان تعاونها قد نما على هامش المعاهدات في موضوع السياسة الخارجية. وهكذا صقلت الدول الأعضاء طريقةً في التعاون ستجسدها المعاهدات المتعاقبة في الاتحاد الأوروبي. الأمر الذي سيُسْهِم، بدءاً من كانون الأول (ديسمبر) 1974، في تحويل الممارسة غير الرسمية والمتقطعة "لقمم" رؤساء الدول والحكومات إلى مؤسسة سُميت بالمجلس الأوروبي، بحيث إنَّ الفصل الذي كان الجنرال ديغول يعتزم إقامته بين البناء الجمّاعي والتعاون السياسي تلاشى تدريجياً ليصل إلى حدِّ إلغاء معاهدة لشبونة للأركان.
وبعد فشل الجماعة الأوروبية الدفاعية والجماعة السياسية التي كانت مُنسقة معها، كان على انطلاقة البناء الجماعي الاكتفاء بالميدان الاقتصادي. وجرى التخلي، كذلك، عن المبادرة السياسية للجنرال ديغول، المعروفة باسم "خطة فوشيه". وكان من الواجب، إذاً، انتظار نحو عشرين سنة ليكون ثمّة حديث جديد عن التعاون السياسي، في قمة لاهاي التي عُقِدّت بمبادرة من جورج بومبيدو، في كانون الأول 1969.
يقول الكاتب جان لوي كرمون: "لم تضع معاهدتا أمستردام ونيس موضع الاتهام الفصل الذي أقيم في ماستريخت بين السياسة الخارجية الأمنية المتعلقة ب"الركن الثاني"، و العمل الجماعي الخارجي المتعلق بالتجارة الدولية، و التعاون في التنمية و المساعدة الإنسانية المتعلقة بالركن الأول.. فتم إحداث وظيفة الممثل الأسمى للاتحاد للسياسة الخارجية و الأمنية، التي جُمِعَتْ إلى وظيفة الأمين العام للمجلس الوزاري، التي كانت قد أُسْنِدَتْ حتى يناير/ كانون الثاني 2010، إلى خافير سولانا وزير الخارجية الإسباني السابق، و الأمين العابق السابق للحلف الأطلسي" (ص159 من الكتاب).
إنَّ مجموعة اليورو، بموجب المادة 137 من المعاهدة الخاصة بعمل الاتحاد الأوروبي، ليست إلا سلطة غير رسمية. فالقرارات المتعلقة بالاقتصادات الكلية يجب أن تُتخذ في مجلس وزراء الاقتصاد والمالية، المفتوح لكل الحكومات، حتى وإن كان حق التصويت محفوظاً للدول الأعضاء في منطقة اليورو وحدها (المادة 136 من المعاهدة الخاصة بعمل الاتحاد الأوروبي).
وردًّا على توقعات المواطنين الأوروبيين الذين يتمنّون في غالبيتهم، بحسب تحقيقات سبر الآراء، أن يصبح الاتحاد الأوروبي فاعلاً من المستوى الأول على المسرح الدولي، اقترح المؤتمر حول مستقبل أوروبا، على الرغم من التوترات التي أحدثتها الأزمة العراقية، تدابير عدة في هذا الاتجاه. واتخذت معاهدة لشبونة غالبيتها.
عملت معاهدة لشبونة على إضفاء الطابع المؤسسي للسياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي، من خلال البناء القانوني للاتحاد الأوروبي ككيان سيادي، وتعيين دبلوماسيين أوروبيين في دائرة العمل الخارجي الأوروبي، ووضع استراتيجية أوروبية كبرى، (وإن كان متداخلاً دائماً ضمن بعثات الناتو وبعثات الأمم المتحدة). وتشير معاهدة لشبونة أنَّ المعاني الناتجة عن السياسة الخارجية الأوروبية تشكل جزءاً أساسياً من إنشاء مجتمع أوروبي متخيّل بشكل أوسع،لكنَّها تظهرأيضاً أنَّه مجتمع يعاني قيوداً ونواقص مضمنة بشكل كبير.
على الرغم من أنَّ تطبيق معاهدة لشبونة يبدو أكثر قربًا من حلم أباء الوحدة الأوروبية الطامحين إلى بناء "الولايات المتحدة الأوروبية"، فَإِنَّ رموز وممارسات الحياة اليومية قد خلقت نوعاً من الشرعية للاتحاد الأوروبي، إلا أنَّه يتم التعامل مع سلطتها بشكل متسامح، وليس بدافعِ حُبِ الأوروبيين له. وقد أظهر فشل الدستورِ الأوروبيِّ في عام 2005 قيود السلطة الضعيفة للاتحادِ الأوروبيِّ،وهشاشة المظهر الزائف للتكامل لديها مع الدولة القومية. كما أنَّ أزمة منطقة اليورو ومشاعر الإقصاء الاجتماعي الأوسع، تفرضان تسييساً جديداً للاتحاد الأوروبي.
وأخيرًا، جاءت معاهدة الاتحاد الأوروبي، فأسندت إلى الرئيس الدائم الجديد للمجلس الأوروبي، "بصفته هذه، وعلى مستوى الرؤساء"، مهمة التمثيل الخارجي للاتحاد في الموضوعات المتعلقة بالسياستين الخارجية والأمنية، من دون يضرّ ذلك باختصاصات الممثل الأسمى للاتحاد للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية". وبرغم ذلك فإن عملية صهر الأركان التي أجرتها معاهدة لشبونة لم تذهب إلى حدّ إلغاء ما يتفرد به العمل الخارجي الأوروبي والسياستان الخارجية والدفاعية فيما يتعلق بعمليات اتخاذ القرار في هذه المجالات.
يقول الكاتب جان لوي كرمون: "تتطلع السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى متابعة أهداف سياسته الداخلية بوسائل أخرى. وهي تقوم، بحسب المادة 21 من معاهدة الاتحاد الأوروبي، "على المبادئ التي أشرفت على إحداثه وتطويره وتوسيعه، وتهدف إلى أن تشجع في بقية أنحاء العالم" الديمقراطية، دولة القانون، للطابع العام غير القابل للتجزئة لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، احترام الكرامة الإنسانية، مبادئ المساواة والتضامن واحترام مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي".
ويضيف نصّ هذه المادة أن "الاتحاد يسعى جاهداً إلى تنمية شراكات مع البلدان الأخرى، وبنائها، ومع المنظمات الدولية، الإقليمية أو العالمية التي تشاطره المبادئ المُشار إليها في الفقرة الأولى. ويشجع الحلول متعددة الأطراف للمشكلات المشتركة، ولاسيما في إطار الأمم المتحدة".
ولهذه الغاية، يحدد الاتحاد ويقود سياسات مولّدة لمواقف وأعمال مشتركة تهدف إلى بلوغ سلسلة من الأهداف المنصوص عليها في المادة نفسها، وهي بالخصوص: حماية القيم المشار إليها أعلاه، مصالحه الأساسية، أمنه، استقلاله، وسلامة أراضيه، حفظ السلام وتجنب النزاعات طبقاً لميثاق الأمم المتحدة، والوثيقة النهائية للأمن والتعاون الموقعة في هلسنكي، وميثاق باريس، دعم التنمية المستدامة في البلدان السائرة في طريق النمو، دمج البلدان كلها في الاقتصاد العالمي عبر التجارة الدولية، تحسين نوعية البيئة، مساعدة البلدان التي تواجه كوارث طبيعية، والارتقاء بمنظومة دولية تقوم على التعاون متعدد الأطراف والحوكمة الرشيدة" (ص 163 ـ 164 من الكتاب).