هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أول استحقاقات تحرر مصر من الاستبداد هو التحرر الذاتي أولا من ثقافة الفهلوة والتدين المغشوش.
ظاهرة سلبية مؤقتة انتشرت لدى قطاع عريض من الشعب المصري، حتى أصبحت ثقافة عامة مقننة يتم تناولها وممارستها، والتباهي بها بشكل تلقائي، حتى باتت تورث من جيل إلى جيل، والتصقت بالشعب المصري وكأنها من أهم سماته المميزة له، والتي يعرف بها بين بقية الشعوب، وهي ظاهرة التدين المغشوش المفضي إلى حالة الفهلوة.
هذه الظاهرة السلبية المؤقتة أصبحت تهدر الكثير من قيمة وقامة وفاعلية وأثر الشخصية المصرية في الحياة الخاصة والعامة، ناهيك عن الأضرار التي أصابت الصورة الذهنية للشخصية المصرية، والتي عرفت على مدار التاريخ الحديث بالقوة والجدية، والعقلانية والعلم، والعمل والاحتراف وسعة الحيلة، وتحمل المسؤولية والعطاء والتضحية. ولعظيم أثرها على الفعل الثوري والإصلاحي بشكل عام، كان من الواجب تناولها وكشف تفاصيلها وأسبابها، حتى نتمكن من التخلص من هذا المرض العارض سريعا ونستعيد للشخصية المصرية أصالتها وتميزها وريادتها، وقوتها وفاعليتها في الثورة والتغيير والاصلاح المصري والعربي.
ظاهرة التدين المغشوش تتلخص في أربع ممارسات:
1- اختزال التدين في الالتزام بالشعائر التعبدية، والهوية الدينية البصرية في الزي والمظهر والكلمات المستخدمة، دون الالتزام القيمي والأخلاقي في المعاملات والأداء المهني.
2- التناقض بين الأقوال والافعال، وبين الآراء والمواقف من الشخص الواحد في اليوم الواحد، والتناقض بين المفاهيم الواحدة للشخص الواحد.
3- تدين الظاهر وفساد الباطن، من حقد وحسد ومشاحنة، وكره للخير للآخرين حتى وإن يكن له أثر عليه.
4- التدين السلبي بالتعايش مع الاستبداد والقهر، والاستئناس والاستضعاف للقوي، والقبول بالظلم وإهدار الكرامة وأكل الحقوق، وغياب الشهامة والمروءة والغضب للحق والثورة على الظالم والمبادرة لنصرة المظلوم، ما مهد للانتقال إلى ظاهرة سلوكية أخرى أكثر وأشد انحدارا وتدنيا، وهي ما تعرف بالفهلوة، حتى أن مفهوم الفهلوة بالرغم من سوئه وتدنيه وبذاءته، بحكم مخالفته للمنطق والعلم والدين والعقل، تحوّل في ذاته إلى قيمة في نفوس البعض بفعل التضليل والتلاعب والتجميل الكاذب والتكرار والإلحاح الفني، مما أدى إلى تدمير الشخصية من داخلها.
الخداع والتضليل والتجميل الكاذب لصورة وتعريف الإنسان الفهلوي:
- قادر على فعل كل شيء (يفوت في الحديد).
- ذكي ويتعامل مع الأزمات (يلعب بالبيضة والحجر).
- تحقيق الكسب السريع (كَسّيب).
- تفضيله والرهان عليه واختياره، لأنه الأوفر حظا والأفضل دائما (البريمو)..
.. في حين أن حقيقة الفهلوة والإنسان الفهلوي تكمن في مجموعة من المفاهيم والممارسات السلوكية بالغة السوء والتدني والضعف، وهي نتيجة للاستخدام السيئ الخاطئ للمواهب والقدرات التي منحه الله تعالى إياها، فبلغت به الفشل والانحطاط الذي يحاول تغليفه بنجاحات مزيفة تفضى به إلى الانحراف والجريمة والعقاب والإذلال، في حين أن غيره أحسن الوعي بذاته وقدراته ومواهبه، واختار طريق العقل والعلم والعمل والجد، فنجح في ذاته وأمام نفسه وبين أهله ومجتمعه، فنال كل التقدير والاحترام والحب والإعزاز.
أسباب انتشار ثقافة الفهلوة:
1- الاستبداد والفساد وغياب العدالة وتكافؤ الفرص، مما دفع الكثيرين إلى البحث عن الطرق الأخرى للحصول على حقوقهم، وأكبر قدر ممكن من المنافع.
2- حصار وتدمير المواهب والقدرات، مما تسبب في إعادة وتوجيه جزء كبير منها واستثماره في مسارات أخرى غير صحيحة.
3- فساد النظام وتفشي الفساد والمحسوبية والفوضى والتسيب، وازدواجية العدالة وانتقائية القانون.
4- ضعف وتخلف التعليم.
5- تبني هذه الثقافة من قبل أجهزة إعلام وثقافة النظام، وخدمتها دراميا بشكل مكثف.
المفاهيم الحقيقية لمفهوم الفهلوة
يتكون مفهوم الفهلوة من أربعة عناصر تم رصد وتجميع ممارساتها السلوكية التي بلغت العشرين سلوكا ضعيفا ومنحرفا.
تداعيات ومخاطر الفهلوة على الشخصية الجمعية المصرية
أولا: التدعايات الجزئية سريعة التشكل
1- الشرخ والانكسار الداخلي والهزيمة النفسية أمام الذات، وأثرها على الإحساس بالقلق والتوتر الدائم والهروب من محاسبة النفس، والإحساس بالدونية، والاستسلام للأمر الواقع والتماهي معه لتحقيق أفضل قدر من منافع وأسباب الوجود، وبالتأكيد يتداعى أثرها المركّب على قتل الطموح.
2- الضعف المستمر لجودة السلوك، والعلاقات البينية وارتفاع نسب المشاكل ومعدلات الجرائم، وامتدادها إلى شراح عمرية ونوعية جديدة باستمرار.
3- ضعف مستوى الأداء التعليمي والعلمي والمهني، وضعف الإنتاج وتشوهه، وضعف الناتج المحلي والدخل القومي ومستوى المعيشة.
4- التباين الطبقي وتلاشي الطبقة الوسطى، وصولا إلى انقسام مجتمعي جديد بين عالمين: عالم الأغنياء الذين فازوا بالثروة، وعالم الفقراء الضعفاء الذين فشلوا في معركة الثروة.
ثانيا: التدعايات الاستراتجية طويلة الأجل
1- تشوّه وتدني الصورة الذهنية للشخصية المصرية الجمعية، وتعرضها لعدم التقدير والامتهان إقليما ودوليا.
2- ضعف وتشوه واضطراب نظام الأفكار، وأثره على غياب الوعي المجتمعي وتعرض المجتمع لمخاطر الاستقطاب، والتضليل والتلاعب الإعلامي والمخابراتي، وإعادة التوجيه وفق توجهات وأجندة النظام المستبد، فتحول الشعب إلى فريسة ضعيفة سهلة في يد النظام.
كيفية التحرر من ثقافة الفهلوة واستعادة وعي وقوة وحيوية وفاعلية الشعب المصري؟
توافقت نظريات التربية حول كيفية تحسين جودة السلوك البشرى على توفير البديل القيمي الصحيح، وإحلاله محل القيم والأخلاق السلبية في المجتمع.
كذلك أقر علماء القيم والهوية بضرورة تخطيط وبناء وتمكين منظومة قيم جديد موجهة لتطوير هوية المجتمع.
أيضا أكد علماء الاجتماع السياسي على توجيه نظام أفكار واهتمامات جديدة للمجتمع، لإعادة إدارته بما يخدم المصالح الوطنية.
وهذا ما جاء ت به الأديان السماوية من معتقدات وقيم ومفاهيم وأخلاق ربانية تنفي معها المسلّمات والمفاهيم والممارسات السلبية. إذا هي سياسية العلاج الجذري بإحلال البديل الصحيح، وهو قيمة السببية النافية في ذاتها لثقافة الفهلوة المدمرة لقيمة وقوة وفاعلية الشعب المصري.
مفاهيم وإجراءات ومهارات قيمة السببية
قيمة السببية مطهرة للمجتمع المصري من مخاطر وآثار الفهلوة، والتي سيكون لها الدور الكبير في استعادة الشعب المصري لوعيه وقوته وحيوته وفاعليته، وصورته الذهنية الرائدة المتميزة المعهودة بين الأمم.
السببية تعني: اتخاذ كافة الأسباب المنطقية والعلمية لتحقيق الأهداف والإنجاز المنشود بطرق أخلاقية وقانونية وشرعية صحيحة.