بعد إشهار العشق
الإماراتي الصهيوني رسمياً أمام العالم،
قدمت الإمارات هدية العُرس: إلغاء القانون الخاص بمقاطعة الكيان الصهيوني
والعقوبات المترتبة عليه، والسماح لمواطنيها بالتعاون التجاري والمالي مع الكيان الصهيوني
بموجب مرسوم رئاسي.
ولم ينتظر الصهاينة كثيراً بعد هذا المرسوم، فكل شيء
مُعد وجاهز مسبقاً. وأقلعت أول طائرة تجارية بين البلدين من مطار بن غوريون في تل
أبيب إلى أبو ظبي، عبر الأجواء السعودية، تحمل على متنها وفداً رسمياً صهيونياً، برئاسة
مستشار الأمن القومي الصهيوني "مئير بن شبات"، الذي كان يعمل من ذي قبل في
المخابرات (الشاباك)، وكانت مهمته الرئيسية تعذيب عناصر المقاومة الفلسطينية في
السجون. وكانت أيضا هناك شخصيات أمريكية، على رأسها "جاريد كوشنير" صهر "ترامب"
وأحد كبار مستشاريه، ومهندس الاتفاقية، والذي بدوره أثني على "
ابن زايد"
وهنأه بقيادة الشرق الأوسط الجديد!
ومن المفارقات المؤلمة؛ أن تحمل الطائرة اسم "كريات
غات"، وهو اسم مستوطنة (مغتصبة) غير شرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ولقد بنيت عام 1954 على أراضي قرية الفالوجة الفلسطينية المحتلة، التي أريقت فيها
دماء الفلسطينيين في حرب 1948، وحُوصر فيها "جمال عبد الناصر" ورفقاؤه من
الضباط، ولا أعتقد أنها جاءت صدفة أو بشكل بريء، لكنها بالتأكيد كانت متعمدة
ومقصودة لتذكيرنا بانتصارهم في الحرب، وسيطرتهم بالقوة على أرض فلسطين المحتلة،
ولمزيد من الاستكبار والغطرسة، إمعانا في الإهانة والإذلال للعرب جميعا!!
ومن الطبيعي أيضا أن يرحب رئيس وزراء الكيان الصهيوني "نتنياهو"،
برفع علم الاحتلال إلى جانب علم الإمارات في سماء "أبو ظبي"، ويعد
باستقبال الوفد الإماراتي على بساط أحمر وبالترحيب به مثلما رحبوا بوفدهم.. لكن من
غير الطبيعي أن تعترض "حماس" على ذلك وتعتبره انقلاباً في الموقف الإماراتي
تجاه القضية الفلسطينية وإعلاناً رسمياً عن الاصطفاف مع الاحتلال ضد الحقوق
الفلسطينية.. وهل كانت حماس في غفلة حينما تم الإعلان الرسمي عن اتفاقية
التطبيع
بينهما؟! ومنذ متى كانت الإمارات تقف مع القضية الفلسطينية، وتدافع عن الحق
الفلسطيني لتعتبره حماس انقلاباً في الموقف الإماراتي؟ وماذا قدمت الإمارات أصلاً
للقضية الفلسطينية غير التآمر عليها؟ هل نسيت حماس قتل "محمود المبحوح"
القيادي في كتائب عز الدين القسام بفندق في مدينة دبي ودور الإمارات المتواطئ مع
الموساد في عملية اغتياله؟ هل أفاقت حماس فجأة عندما أُعلن عن المرسوم الإماراتي،
واكتشفت أخيراً اصطفاف الإمارات مع الاحتلال ضد الحقوق الفلسطينية؟!
إلغاء مرسوم تجريم التعامل مع العدو الصهيوني ما هو إلا
إستكمال وتتمة لاتفاقية العار التي أبرمتها أبو ظبي مع العدو الصهيوني، وليس بعد
الكفر ذنب..
الأهم من ذلك المرسوم الإماراتي، هو الاتفاق الأمريكي- الصهيوني-
الإماراتي لتوريد طائرات "إف 35" للامارات، هذا الاتفاق الذي يجري وراء
الكواليس وأكده "كوشنير" خلال زيارته لأبو ظبي، باحتمال حصول الامارات
على صفقة الطائرات، ورغم كل الغيوم التي تحوم حوله، وتضارب المعلومات عنه، لكنه من
المؤكد كان الدافع الرئيسي للإسراع في الإعلان عن اتفاقية السلام بين الكيان
الصهيوني والإمارات، ولا يمكن أن ننظر لها بمعزل عن هذا الاتفاق..
لقد أثار هذا الاتفاق جدلاً كبيراً في دوائر صنع القرار في
كل من واشنطن وتل أبيب، ما دفع الرئيس الأمريكي "ترامب" للدفاع عن الاتفاقية،
بعقلية البزنس مان قائلاً: "إنهم يملكون المال ويريدون شراء الطائرات".
ورداً على اتهامات للولايات المتحدة بأن الصفقة ستقوض الالتزام بالمحافظة على تفوق
عسكرى ساحق لإسرائيل في مواجهة جيرانها العرب، قال وزير الخارجية "مايك
بومبيو" إن "الصفقة لا تهدد أمن
إسرائيل ولا تخل بالتزام الولايات
المتحدة الأمريكية بضمان تفوقها النوعي، جوا وبحرا وبرا، وفي مجال الأمن
المعلوماتي".
وهذا الرد يؤكد ما قلناه في المقال السابق بأن ما تسمى
"اتفاقية السلام بين الإمارات والكيان الصهيوني"، تتعدى
"التطبيع" إلى اتفاق "تحالف استراتيجي" على جميع الأصعدة،
بحيث تتيح لها الانضمام رسمياً إلى جانب الكيان الصهيوني، في شن أى حرب ضد
الفلسطينيين، أو ضد أي دولة إسلامية، تركيا مثلاً أو إيران، وهذا هو مربط الفرس
كما يقولون، والذي من أجله عقدت هذه الاتفاقية، لبناء محور عسكرى صهيوني إماراتي،
كان أول ثماره تواجد خبراء صهاينة وإماراتيين في جزيرة "سقطرى" اليمنية
لإنشاء قاعدة استخباراتية للتجسس وجمع المعلومات، بل هو أبعد وأشمل من ذلك المحور
الثنائي، ليضم دولاً عربية أخرى، فهو نواة لإنشاء "ناتو عربي صهيوني"،
ومن هنا كانت خطورته..
ولولا الغضب الشعبي في الشارع العربي، ضد هذه الاتفاقية الحرام،
لهرولت دول عربية أخرى لإبرام اتفاقيات مماثلة مع الكيان الصهيوني، ولانضمت لهذا
الناتو، وما زيارة "بومبيو" لدول في المنطقة ببعيدة عن هذا الغرض؛ ولحث
قادتها على المضي قدماً على خطى ومسار "أبو ظبي"..
ورغم كل ما قيل عن غضب صهيوني إزاء شراء الإمارات
لطائرات أف 35 ، وعقد الصفقة سراً وحجبها عن وزيرى الدفاع والخارجية للكيان الصهيوني
حتى اللحظات الأخيرة، قبل الإعلان عن الاتفاق رسميا في واشنطن، إلا أن "نتنياهو"
أراد أن يتم بسهولة وبدون أي جدل يسبق الإعلان عنه، خاصة أنها المرة الأولى التي
يطبق فيها "نتنياهو" مبدأ "السلام مقابل السلام" وليس
"الأرض مقابل السلام"..
تعود المفاوضات بشأن الصفقة إلى عام 2017 حين بدأت
الإمارات محادثات مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ لشراء سربين من طائرات الجيل
الخامس الأمريكية، واصطدمت المحادثات في ذلك الوقت بشروط التراخيص للطائرات وأنظمة
التسليح الملحقة بها. وقد بررت الإمارات حاجتها إلى تطوير قواتها الجوية
الإماراتية بسبب قصور الأداء في حرب اليمن، وعدم كفاية القوة التي تتكون أساسا من
طائرات "إف- 16" الأمريكية وطائرات "ميراج-2000" الفرنسية.
وبعيداً عما يُقال في وسائل الإعلام العالمية عن هذه
الصفقة والعقبات التي تقابلها؛ فان الكيان الصهيوني يهمه أن تمتلك الإمارات طائرات
"إف-35"، بل إنه قد يلجأ لبيعها للإمارات مباشرة، اختصاراً للوقت وبدلاً
من الانتظار حتى عام 2024، موعد تسليمها للإمارات على أحسن الفروض، إذا جرى إتمام
الصفقة قبل موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
الكيان الصهيوني يمتلك سربين عاملين من إجمالى تعاقدات
تبلغ 50 طائرة، ومن المرجح أن يجرى تدريب الطيارين والمهندسين الإمارتيين في
إسرائيل بعقود منفصلة عن عقد الشراء من الولايات المتحدة، وسوف يتعدى التدريب
الخاص بـ"إف-35" لتدريب الطيارين والمهندسين الآخرين في المجال الجوى
عامة، وخاصة أطقم إدارة أنظمة الدفاع الجوى وكذلك الأطقم العسكرية في الأسلحة
المختلفة، وتوفير الصيانة وقطع الغيار وإمدادات الذخيرة والتطوير التكنولوجي،
والتنسيق اللوجستي والتنسيق العسكرى والسياسي من خلال مستشارين دائمين في
"أبو ظبى"، وهذا البديل يعزز فكرة الإسراع ببناء التحالف العسكرى
الإماراتي الصهيوني..
يرجع اهتمام الكيان الصهيوني، بامتلاك الإمارات طائرات "إف-
35" إلى أن عدوهما مشترك وهو إيران، والإمارات تريد إظهار قوة رادعة في
مواجهة ايران، إذ ستصبح الطائرات الهجومية الأمريكية في مرمى حجر من الحدود
الإيرانية، وبدلاً من أن يستخدم الكيان الصهيوني طائراته من قواعدها في الكيان،
وتحتاج إلى إعادة التموين بالوقود في الجو، فإنها يمكنها أن تنطلق مباشرة، بطائرات
إماراتية يقودها طيارون صهاينة؛ لتنفيذ مهام عملياتية بحتة داخل إيران، من
الاستطلاع إلى تنفيذ ضربات والعودة مرة أخرى، وربما تعود إلى قواعدها في تل أبيب
كنوع من التمويه.. تلك من أهم المهام المطلوبة من الدولة الوظيفية!!
وجدير بالذكر، أن قائمة المشتريات العسكرية، التي
تستهدفها الإمارات من كل من أمريكا والكيان الصهيوني، تشمل طائرات مسيرة هجومية
ونظم دفاعية مضادة وصواريخ متطورة، وأنظمة حروب معلوماتية وتضليل وتجسس الكتروني..
إنه مما لا شك فيه أن الإمارات، منذ أن أصبح ولي العهد
الطامح المغرور "محمد بن زايد" الحاكم الفعلي للبلاد بعد عزل أخيه
"خليفة بن زايد" عن الحكم، تعمل على تحويل فائضها المالي إلى قوة
عسكرية، تساعدها على لعب دور إقليمي أكبر من حجمها، يتجلى ذلك بوضوح في سوريا
واليمن وليبيا والصومال..
وطبقا لتقديرات "منتدى تجارة السلاح"، فإن
مشتريات السلاح لدول الشرق الأوسط عام 2019 قفزت إلى 25.5 مليار دولار مقابل 11.8
مليار عام 2018، وأن دول الخليج وحدها استحوذت على 56 في المئة منها. ويقدر معهد "سيبري
لدراسات التسليح" أن مشتريات السلاح في السعودية خلال الفترة من 2014 إلى
2018 زادت بنسبة 192 في المئة.
ورغم غياب المعلومات الدقيقة عن الإنفاق العسكري الحقيقي
لدولة الإمارات، إلا أنه في تقديرنا أنه لن يقل عن جارتها الكبرى السعودية، التي
تخشى منها، وان أظهرت غير ما في باطنها. فهي تعلم أن السعودية أقامت دولتها على ضم
أراضي بلدان مجاورة لها، لذلك تتسابق معها في مجال التسليح، ولإمداد حلفائها في كل
من اليمن وليبيا وسوريا والصومال، وهو ما يعني أن نسبة الإنفاق العسكرى الإماراتي
حالياً تبلغ حوالي 50 مليار دولار!!
كل هذه الأموال المهدرة، تستخدمها دولة "المؤامرات"
في حروب عبثية في المنطقة، فهو نظام متصهين، يتغذى على الصراعات الأهلية، ليغذي مليشياته
في اليمن وسوريا وليبيا، لتدمير وتخريب الدول العربية، لصالح عدو الأمة التاريخي، الكيان
الصهيوني، ولكنه الحليف الاستراتيجي لها!
دولة الإمارات؛ أصبحت خنجراً مسموماً في ظهر الأمة، يمسك
بقبضته الكيان الصهيوني؛ لتقسيمها وتفتيتها، وأصبحت مقاومة مشروعها التخريبي في
المنطقة فرض عين على كل عربي ومسلم يغار على دينه وأرضه وعرضه..
وهنا تحضرني رائعة محمود درويش:
عرب أطاعوا رومهم
عرب وباعوا روحهم
عرب ... وضاعوا
سقط القناع عن القناع
عن القناع سقط القناع
لا إخوة لك يا أخي لا أصدقاء..