هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تم اعتقال الدكتور محمود عزت نائب مرشد الإخوان المسلمين في يوم الجمعة 28 آب (أغسطس) الماضي، نسأل الله أن يفك أسره وأسر جميع المعتقلين في سجون الظلمة في كل مكان، ومنذ ذلك الوقت والتخمينات، والتكهنات، تدور حول كيفية اعتقاله؟ وهل كان مختفيا فعلا عن أعين الأمن المصري، أم إنه كان تحت سيطرتهم من حيث علمهم بمكانه، ثم تركوه لوقت معين يختارونه؟ وإذا كانوا بالفعل يعلمون مكانه منذ فترة، فلماذا التوقيت الآن، ولا يوجد سبب مقنع للإعلان عن اعتقاله في هذا التاريخ تحديدا؟
بداية، لم يعد هناك شك أن الأمن كانت لديه معلومات عن مكان محمود عزت، سواء بالرصد دون أن يعلم، أم بروايات أخرى، وبخاصة أن لدي ما يؤكد تحرك عدد من قيادات كانت تتواصل معه بحرية غريبة، ومن قيادات تتواصل معه، ووقت القبض عليها لم يقبض عليها من مكان هربت إليه، بل إن منهم من تم القبض عليه من مكان عمله، أو مكتبه.
وأذكر سنة 2015، وقد كلمني أحد الإخوة المقربين من الدكتور محمود حسين، أن أستمع إليه، حتى لا تكون معلوماتي ناقصة، واستجبت، والتقيته فعلا، ومعي زميلان إعلاميان يشهدان على ذلك، وكان مما قاله لي من باب دفاعه عن وجهة نظره في عدم أحقية الدكتور محمد كمال رحمه الله بالقيادة، أنه نحى الدكتور محمد عبد الرحمن المرسي فك الله أسره عن اللجنة الإدارية العليا التي تدير شؤون الإخوان في مصر.
وفوجئت به يخبرني، أن أحد القيادات نزل من بلد خليجي، والتقاه، وأنه وجده يتردد بين عيادته ومسجده، رنت الكلمة في أذني، وحتى لا أقطع عليه استرساله، سألته من هذه القيادة التي التقته؟ فأخبرني بالاسم، وهو قيادة كبيرة فعلا، وتعجبت كيف ينزل سنة 2015 إلى مصر وعن طريق المطار ذهابا وإيابا، ثم يلتقي بقيادي كبير كمحمد عبد الرحمن، ويراه يتردد بين عيادته ومسجده، هكذا دون أي تحفظ، أو وجل أو خوف، أو حذر، بينما نرى شبابا صغارا في الإخوان منذ الانقلاب العسكري وهي هاربة بين الحقول والمزارع، ومنهم من لم ير أسرته حتى الآن منذ سنوات، وهم أشخاص مجهولون مقارنة بهذه القيادات.
لا أريد الاسترسال في هذه المسألة، فقد باتت الناس أقرب إلى اليقين من معرفة الأمن بالمكان، سواء بتسريب، أو باختراق ما، وهو ليس صعبا بالمناسبة، وقد كشف اقتحام مقر أمن الدولة بعد ثورة يناير، عن شخصيات كانت موضع ثقة، وقد أدلت بمعلومات وتسريبات للأمن، ولم يكشف حقيقتها سوى ملفات الأمن وقتها.
إعلان القبض على محمود عزت أو عدم القبض عليه، وتركه تحت الأعين معروف المكان، كان مسألة وقت عند الأمن، في اختيار الوقت المناسب، لتوظيف الحدث، وأعتقد أن أقرب حدث يمكن للأمن أن يحتاج إلى توظيف موقف اعتقاله، هو بمناسبة وفاة الدكتور عصام العريان.
أما عن التوقيت، فليس لدى أحد معلومات دقيقة يمكنه الاستشهاد بها على التوقيت، لكن باب التفكير والاحتمال الأقرب هو المتاح، لقد خمن البعض أن تصريح الأستاذ إبراهيم منير حول عدم المصالحة، أو وجود أي صفقة مع السيسي هو السبب، وأنه تصعيد، ردوا عليه باعتقال محمود عزت، وهو كلام لا ينطلق من حقائق، فكم من تصريحات وردت على لسان الأستاذ يوسف ندا، ومنير، وحسين، وغيرهم، بنفس الصيغة، ولم يحدث نفس الأمر.
بقي احتمال أراه الأقرب من وجهة نظري الشخصية، فلا شك أن إعلان القبض على محمود عزت أو عدم القبض عليه، وتركه تحت الأعين معروف المكان، كان مسألة وقت عند الأمن، في اختيار الوقت المناسب، لتوظيف الحدث، وأعتقد أن أقرب حدث يمكن للأمن أن يحتاج إلى توظيف موقف اعتقاله، هو بمناسبة وفاة الدكتور عصام العريان.
سنلاحظ أن العريان بعد وفاته ومنذ حوالي أسبوع تقريبا، بدأت حملة تشتعل تنادي بتحقيق دولي، ولاقت تفاعلا وتجاوبا من شخصيات مستقلة كثيرة، تطالب بالتحقيق، بسبب تسريبات بأنه مات من التعذيب، أو باعتداء داخل السجن، وبدأ سجناء العقرب بالإضراب عن الطعام تضامنا مع هذا المطلب، وبدأ تفاعل بدرجة ما يتحرك، والعريان يتمتع برضا وقبول لدى معظم الفصائل السياسية والدينية، ولا يستطيع العسكر ولا أمنه أن يمسك عليه تصريحا عنيفا، أو دعوة للعنف، أو ممارسة، ولذا ربما حدث توقع بالتفاعل مع الدعوة.
أعتقد أن هذا الحدث هو الأقرب لاستغلال الأمن خبر اعتقال محمود عزت، ولذا منذ اعتقاله لم يعد أحد يتحدث عن مقتل عصام العريان، ولا الشق الجنائي المتوقع في استشهاده، وبخاصة ما صاحب دفنه من إجراءات لم تحدث مع أي مسجون آخر من قبل، حتى الدكتور مرسي رحمه الله، كانت إجراءات دفنه تختلف تماما عن العريان، هناك أمر ما أراد الأمن الإلهاء عن العريان وقضيته، ووقف هذا التفاعل معها، لا أزعم أني أمتلك معلومات، ولكنه تحليل بأقرب تفسير محتمل عقلا وواقعا.
أما عن آثار اعتقال محمود عزت على تنظيم الإخوان، فيحتاج لحديث منفصل، وقد مرت الجماعة بأحداث أكبر، ولها تجربة سابقة في التعامل مع غياب القيادات الكبيرة، منذ أيام الإمام البنا، وإن اختلف الأداء والتناول، وهي تجربة جديرة بالتناول، لما فيها من دروس، ربما رزق الله الإخوان الآن البصيرة للوقوف عليها، والاستفادة منها، للخروج من أكبر مأزق تمر به الجماعة منذ نشأتها، حتى الآن.
[email protected]