هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية مقالا، تحدث عن عدم الاكتراث الداخلي لدى الإسرائيليين تجاه صفقة التطبيع مع الإمارات.
وأوضحت الصحيفة في تقرير للكاتب الإسرائيلي "يمرون رابوبورت"، ترجمته "عربي21"، أن الصفقة لا هي تاريخية، وليست ذات معنى، وقد لا تحقق شيئا.
وقال إنه على الرغم من محاولات ضخ الإثارة بشأن أول رحلة طيران بين تل أبيب وأبوظبي، إلا أن الإسرائيليين لا يبدون اهتماما بالتطبيع مع الإمارات، مشيرا إلى أن مسألة "الضم" الشائكة بهذه الاتفاقية تزيد من تعقيدها لدى الشارع الإسرائيلي.
وقارن الكاتب في تعاطي وسائل الإعلام المحلية تجاه وصول أول طائرة مصرية إلى مطار تل أبيب عام 1977 وعلى متنها الرئيس أنور السادات، وبين وصول أول طائرة إسرائيلية لمطار أبو ظبي قبل أيام.
وقال إنه بخلاف التغطية الموسعة لزيارة السادات، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية تجاهلت إلى حد كبير تغطية تفصيلية للزيارة الإسرائيلية لأبو ظبي، وكانت التغطية الأكبر لموضوع استقالة موظف كبير في وزارة المالية في خضم أزمة قيادة مدفوعة بفيروس كورونا حول سياسات إسرائيل الاقتصادية.
اقرأ أيضا: صحفي إسرائيلي: فتح الرياض أجواءها أمام طائراتنا رسالة مهمة
وتاليا نص المقال كما ترجمته "عربي21":
في التاسع عشر من نوفمبر /
تشرين الثاني 1977 حطت طائرة الرئيس المصري أنور السادات في تل أبيب بينما أمسكت
إسرائيل مجتمعة بأنفاسها.
كل واحد من الإسرائيليين الذين مازالوا على
قيد الحياة وشهدوا ذلك على شاشات التلفزيون يذكرون لحظة فتح باب الطائرة التي نقش
عليها بالعربية والإنجليزية "جمهورية مصر العربية"، وعندما بدأ السادات
ينزل على السلم باتجاه حرس الشرف الذي كان بانتظاره.
لم يكن أحد بحاجة لأن يشرح للإسرائيليين أن
تلك كانت لحظة تاريخية. فبعد أربعة حروب – في 1948 ثم في 1956 ثم في 1967 ثم في
1973 – قتل فيها آلاف الإسرائيليين والمصريين، كان واضحا أن تلك كانت بالفعل لحظة
تاريخية ولا يحتاج ذلك إلى برهان.
هذا الأسبوع، في الحادي والثلاثين من أغسطس /
آب، غادرت طائرة مدنية إسرائيلية لأول مرة على الإطلاق مطار تل أبيب باتجاه مطار
أبوظبي. كان الوفد الرسمي الإسرائيلي الذي على متنها يرافقه وفد أمريكي بقيادة
جاريد كوشنر، صهر الرئيس دونالد ترامب ومستشاره.
ومع ذلك كانت العناوين الرئيسية في وسائل
الإعلام الإسرائيلية ذلك الصباح تدور حول استقالة موظف كبير في وزارة المالية في
خضم أزمة قيادة مدفوعة بفيروس كورونا حول سياسات إسرائيل الاقتصادية.
في تلك الأثناء كان رموز الحكومة، وبشكل خاص
رئيس الوزراء بنجامين نتنياهو نفسه، يتحدثون عن "يوم تاريخي" سوف يغير
الشرق الأوسط. حاول الصحفيون على متن الطائرة إظهار تأثر عاطفي إلا أن التلفزيون
الإسرائيلي لم يكرس أكثر من ثلاث دقائق للحدث قبل أن يعود ليركز اهتمامه على ما
يهم المشاهد الإسرائيلي فعلا في ذلك اليوم، ألا وهو بدء العام الدراسي في ظل
كوفيد-19.
هناك العديد من الأسباب لهذا السلوك اللامبالي
من قبل معظم الإسرائيليين، وأولها فيروس كورونا، والذي بسببه تواجه إسرائيل أزمة
حادة في قطاعي الاقتصاد والصحة. إنها واحدة من أسوأ الأزمات التي عرفتها إسرائيل
في تاريخها.
بعد أن تمكنت من التعامل بشكل جيد نسبيا مع
الموجة الأولى من العدوى في مارس (آذار) وإبريل (نيسان)، تحصي البلاد الآن ما يقرب
من ألفي إصابة جديدة كل يوم، مما يضعها في مصف الدول التي تتصدر سرعة انتشار
العدوى في العالم. تبلغ نسبة البطالة في إسرائيل الآن 21 بالمائة، وهي في ارتفاع،
مقارنة بخمسة بالمائة قبل بدء الأزمة. كما أن شباك الأمان التي وضعتها الحكومة
الإسرائيلية لمواطنيها تعد من ضمن الأكثر تواضعا في العالم المتطور.
منذ الإعلان عما يسمى "اتفاق
السلام" بين إسرائيل والإمارات، ما فتئت وسائل الإعلام الإسرائيلية تنشر
تقارير مطولة حول الفنادق الفارهة في أبوظبي ودبي، بينما يجد الإسرائيليون
العاديون مشقة في سداد ما عليهم من فواتير.
والسبب الآخر هو الحقيقة البسيطة المتمثلة في
أنه يصعب إقناع الجمهور الإسرائيلي بصفقة سلام مع بلد لم يكن في يوم من الأيام في
حرب مع إسرائيل. لا يقتصر الأمر على أن الإمارات لا تشترك مع إسرائيل في أي حدود،
بل هي بلاد بعيدة جدا.
استغرقت الرحلة الجوية من تل أبيب إلى أبوظبي
ثلاث ساعات وعشرين دقيقة، وهو نفس الوقت الذي تستغرقه تقريبا رحلة الطيران من تل
أبيب إلى روما. بالمقارنة، تستغرق الرحلة الجوية من تل أبيب إلى بغداد ما يقرب من
ساعة، والعراق بلد أطلق الصواريخ على إسرائيل.
لم تكن العلاقات التجارية بين إسرائيل
والإمارات العربية المتحدة سرا، وقد زارها الإسرائيليون علانية. ومن هنا تأتي
صعوبة إقناع الإسرائيليين بأن هذا "السلام" سوف يساهم بأي شكل من
الأشكال في تقليص الخطر الذي يتهدد الإسرائيليين. لم يكن أصلا يُنظر قبل إعلان
الاتفاق إلى الإمارات على أنها مصدر تهديد، ولا ينظر إليها الآن على أنهم كذلك.
نتنياهو والفلسطينيون
وشيء آخر، وهذا يخص نتنياهو.
صحيح أنه في السلطة الآن بشكل متواصل منذ أحد
عشر عاما، ولكن سياسيا وضعه بات في غاية الخطورة. لم يتمكن من الحصول على الأغلبية
في أي من الانتخابات الثلاثة الأخيرة وأجبر على التنازل عن سلطة النقض لصالح حزب أزرق
وأبيض في الحكومة التي شكلها.
كما أنه يعتبر الشخص الرئيسي الذي يتحمل
المسؤولية عن سوء إدارة الحكومة لأزمة فيروس كورونا.
ومن المفروض أن يشهد شهر يناير 2021 بدء جلسات
محاكمته بتهمة الفساد، ناهيك عن أن الأسابيع العشرة الماضية شهدت مطالب متكررة
باستقالته في خضم احتجاجات شعبية ضخمة ومتزايدة أمام مقر إقامته في القدس.
تشير استطلاعات الرأي أن حزب الليكود الذي
يترأسه نتنياهو قد يحصد هو والأحزاب اليمينية الأخرى أغلبية الأصوات لو أن
الانتخابات جرت اليوم، إلا أن الثقة برئيس الوزراء بلغت الحضيض. وما من شيء تقريبا
يفعله إلا واعتبره قطاع ضخم من الجمهور الإسرائيلي مجرد محاولة أخرى لتعطيل
الإجراءات القضائية ضده.
وهذا ينطبق على "اتفاق السلام" الذي
أبرمه مع بلد لم يخض في يوم من الأيام حربا مع إسرائيل، الأمر الذي يعتبره كثير من
الناس جزءا لا يتجزأ من مساعيه الشخصية للبقاء خارج السجن.
بالطبع، يصور نتنياهو الأمور بشكل مختلف. ففي
مؤتمر صحفي له قبل أيام، مباشرة بعد وصول الوفد الإسرائيلي إلى أبوظبي، اقتبس
فقرات طويلة من الكتاب الذي ألفه هو نفسه تحت عنوان "مكان بين الأمم".
أعلن أمام الصحفيين أنه كتب قبل خمسة وعشرين عاما
يقول إن العرب لن يأتوا إلى الطاولة ويصنعوا السلام إلا عندما تصبح إسرائيل قوية
اقتصاديا وعسكريا. وذهب نتنياهو يؤكد أن الأيام أثبتت صحة ما ذهب إليه من أن
السلام لا يحتاج حتى يُضمن إلى مبادلته بالأراض.
من المخجل أن ترى نتنياهو يتكلم تارة أخرى عن
نفسه، وعن نفسه فقط لا غير، وحتى في اليوم الذي وصفه بأنه "تاريخي بالنسبة
لشعب إسرائيل". نعم، صحيح أن نتنياهو ظل يتكلم عن فكرة السلام مقابل السلام
منذ انتخابه رئيسا للوزراء في عام 1996، ولكن حتى حينذاك لم يكن ذلك إبداعا خاصا
به.
في 1923، ألف جابوتنسكي، الزعيم الروحي
لليمينيين الإسرائيليين، مقالة شهيرة بعنوان "الجدار الحديدي"، يستعرض
فيها رؤى مشابهة تم فيما بعد تبنيها من قبل اليسار واليمين في إسرائيل كأساس
لسياساتهم السياسية والأمنية.
وعندما وافق رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم
بيغن على إعادة شبه جزيرة سيناء التي غنمتها إسرائيل من مصر في 1967، مقابل اتفاق
سلام مع السادات في 1979، أراد أن يضمن تجاوز اتفاق السلام للفلسطينيين، وبذلك
تمكنت إسرائيل من الاحتفاظ بسيطرة كاملة على كل ما في يقع غربي نهر الأردن في
فلسطين التاريخية، والمضي في توسيع مشروع الاستيطان الذي تسارع بعد إبرام اتفاقيات
كامب دافيد مع مصر.
ظن بيغن أن بإمكانه أخيرا التخلص من
"المسألة الفلسطينية" عندما أدار عملية غزو لبنان في 1982، وهو الغزو
الذي وصل ذروته بإخراج منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت. بل لقد وقع اتفاقية
سلام مع لبنان، والتي بالطبع لم تتضمن أي شيء له علاقة بالقضية الفلسطينية وما لبث
أن أبطله البرلمان اللبناني أثناء الحرب الأهلية.
كان رئيس الوزراء إيهود باراك على وشك إبرام
اتفاق مع الرئيس السوري حافظ الأسد في مطلع عام 2000، وكان الهدف المعلن لباراك هو
تهميش القضية الفلسطينية. وبنفس الشكل، فإن الاتفاق الذي وقعه رئيس الوزراء إسحق
رابين مع عاهل الأردن الملك حسين في عام 1994 لم ترد فيه كلمة واحدة عن
الفلسطينيين. وبالمناسبة، ذلك الاتفاق الذي وقع مع الأردن لم يشترط على إسرائيل
إعادة أي أراضي، بل كانت صفقة من "السلام مقابل السلام". فحتى من هذه الناحية،
لا يعتبر الاتفاق مع الإمارات إبداعا.
لم تزل إسرائيل منذ ما قبل تأسيسها في 1948،
وطوال السنين التي تلت ذلك، تسعى لوأد القضية الفلسطينية. فمن هذا الجانب، لا جديد
فيما يقوم به نتنياهو. إلا أن هذه السياسة لم تكن دوما موفقة.
لربما كان بيغن على قناعة تامة، وقد ضمن في
يده اتفاق السلام الذي أبرمه مع مصر، أن مشهد ياسر عرفات وكوادره وهم يصعدون إلى
السفن في بيروت ويتوجهون إلى تونس كان نهاية المقاومة الفلسطينية. ولكن بعد خمسة
أعوام فقط انطلقت الانتفاضة الأولى.
والأهم من ذلك أن إسرائيل إنما نجت من العزلة
الدبلوماسية في الغرب وفي العالم النامي وحتى في الشرق الأوسط بفضل اتفاقية السلام
الوحيدة التي أبرمتها حتى الآن مع الحركة الوطنية الفلسطينية – أي اتفاقيات أوسلو
في عام 1993.
فقط بعد ذلك أقامت الهند والصين أخيرا علاقات
دبلوماسية مفتوحة مع إسرائيل، وفقط بعد أوسلو بدأت إسرائيل في التواصل بشكل مفتوح
مع البلدان العربية في الشرق الأوسط – بدءا بالزيارة العلنية إلى المغرب إلى
ابتعاث مندوبين إلى البحرين والإمارات العربية المتحدة وغيرها من البلدان في
المنطقة رغم عدم وجود علاقات دبلوماسية لها مع إسرائيل.
لم يكن نتنياهو ليتمكن من التوصل إلى اتفاق مع
الإمارات العربية المتحدة لو لم تمهد اتفاقيات أوسلو أولا الطريق أمام الاعتراف
العربي، بشكل رسمي وغير رسمي، بإسرائيل.
اللامبالاة الإسرائيلية
وقد يكون ذلك بالفعل هو العامل الحاسم وراء
اللامبالاة واسعة النطاق بين الإسرائيليين إزاء هذه الاتفاقية
"التاريخية" الأخيرة مع الإمارات العربية المتحدة.
ربما كان الجمهور اليهودي في إسرائيل قانعا
بالوضع القائم للاحتلال وبالضم الحاصل للأراضي الفلسطينية. وإذا لم يكن ذلك بالضبط
حالة من الرضى، فإن الإسرائيليين، في كل الأحوال، غير مستعدين لدفع ثمن إبرام
اتفاق سلام حقيقي مع الفلسطينيين، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية، والانسحاب إلى
خطوط 1967، وبعض الحل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين.
ولكن في نفس الوقت الإسرائيليون ليسوا مغفلين
تماما. فهم يعلمون أن مشكلة إسرائيل الحقيقية هي مع الفلسطينيين. والفلسطينيون
وحدهم بإمكانهم جلب السلام، والصلح، والشرعية لإسرائيل. لا الإمارات ولا السودان
ولا البحرين ولا المملكة العربية السعودية. يدرك الإسرائيليون أن رحلات الطيران
المنتظمة من تل أبيب إلى أبوظبي لن تقربنا من حل صراعنا هنا.
يمكن للمرء أن يتفهم مخاوف الفلسطينيين من أن
اتفاق إسرائيل مع الإمارات العربية المتحدة سوف يفاقم من عزلتهم الدبلوماسية ويعيق
الجهود الفلسطينية للضغط على إسرائيل من خلال المقاطعة والعقوبات أو غير ذلك من
الوسائل. ومع ذلك، على المرء أن يقر بأنه حتى قبل هذا الاتفاق كان الضغط الممارس على
إسرائيل ضئيلا جدا.
رغما عما يريده نتنياهو، قد تتسبب الصفقة مع
الإمارات العربية المتحدة في إعادة القضية الفلسطينية إلى الواجهة تارة أخرى.
بينما لم تتعامل اتفاقات السلام مع مصر والأردن بشكل صريح مع القضية الفلسطينية،
فقد يطالب الإماراتيون بأن يتضمن اتفاقهم تعهدا بعدم ضم الأراضي في الضفة الغربية
المحتلة.
والاحتمال الآخر هو أن يتضمن الاتفاق شرطا ينص
على أن الضم يمكن أن يعتبر انتهاكا لهذا الاتفاق. لو حصل ذلك فإنه سيكون التعهد
الإسرائيلي الأول من نوعه الذي يحد من حرية التصرف مع الفلسطينيين بموجب اتفاق
يبرم مع بلد عربي.
لن يكون ذلك "أرضا مقابل السلام" بل
سيكون شيئا مثل "عدم الضم مقابل السلام". ولكنه بالتأكيد لن يكون
"سلاما مقابل السلام".
سوف يكون صعبا جدا على نتنياهو التوقيع على
اتفاق يطالبه صراحة بالامتناع عن الضم، حيث أن ذلك سيوجه ضربة قوية لقاعدته
السياسية ويظهره مرة أخرى بمظهر من يعد ولا يفي بما يعد.
ولذلك فمن المحتمل ألا يتم في نهاية المطاف
التوقيع على الاتفاق، وقد لا يصور نتنياهو وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد معا في
حديقة البيت الأبيض. في هذه الحالة، كل ما سيبقى بعد كل هذه الضجة هو مجرد ترقية
للعلاقات الاقتصادية والأمنية القائمة بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة.
سيكون ذلك أيضا إنجازا بالنسبة لنتنياهو،
ولكنه لن يكون ذلك الشيء الذي يغير الشرق الأوسط بأسره.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)