هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
سلطت روايتان جديدتان الضوء على "الحياة الغريبة" خلف الأبواب المغلقة للقصور الملكية البريطانية، أثبتتا أن الأدب الخيالي لا يزال يعد مدخلا للتعرف إلى جوانب عديدة من تلك الحياة.
وتناول تقرير نشرته شبكة "بي بي سي" البريطانية الإصدارين الجديدين؛ "المربية" و"أميرة إنجليزية خالصة"، للكاتبتين، ويندي هولدن، وكلير ماكهيو.
وكانت "هولدن" تعشق مطالعة الصور القديمة في كتاب جدتها، وتتأمل مراسم تتويج الملك جورج السادس (1936- 1952)، والد الملكة إليزابيث الثانية، وفق تقرير "بي بي سي".
وينقل التقرير عن هولدن قوله: "كنت أعلم أن التيجان والفراء لها بريق أخاذ، ولكن أكثر ما كان يلفت نظري في هذه الصور هو الشخصيات، لأنها كانت تبدو كأنها مأخوذة من القصص الخيالية، ومنذ ذلك الحين، رغبت في قرارة نفسي في تحويلها إلى رواية".
وأضافت: "لكن هذه الرغبة لم تتحقق حتى صادفت قصة ماريون كراوفورد الرائعة، التي كانت مدخلا لروايتي".
وكانت ماريون كراوفورد فتاة طموحة تهتم بالقضايا الاجتماعية، وكانت تتطلع لتعليم الأطفال في أزقة إدنبرة، لكنها أصبحت في نهاية المطاف مربية لأميرتين، إليزابيث، التي تُكنى بليلبيت، وأختها الصغرى مارغريت. وظلت معهما لمدة 17 عاما حتى تقاعدت في عام 1948، وحينها ارتكبت خطأ فادحا بتأليف كتاب "الأميرات الصغيرات" عن تجربتها مع العائلة الملكية، وتسبب نشره في قطع علاقتها بالعائلة الملكية مدى الحياة.
وتصف هولدن الحقائق التي كشفتها كراوفورد بأنها غير مسيئة بالمعايير الحالية، مع أنها تتضمن مفاجآت تثير شغف الروائيين.
وتقول: "إن القصة كشفت عن جوانب غير متوقعة من شخصية ملكتنا شديدة التحفظ بأنها كانت تعاني من القلق، وكانت ضعيفة وسريعة التأثر".
وتقول هولدن إن كراوفورد عزمت ذات يوم على اصطحاب الفتاتين إلى العالم الخارجي؛ لتريهما مظاهر الحياة الطبيعية. وركبتا معها القطار، وتسوقن معا في حي وولويرث، وسبحن في المغاطس العامة.
وبينما كانت الفتيات في سنهما يتشوقن لرفاهية الحياة الملكية، فإن الأميرة إليزابيث ذهلت لمرأى السلم المتحرك في محطة قطار الأنفاق في لندن. وتقول هولدن إن اندهاش الفتاة لتحرك السلم يكشف عن مثالب الحماية المفرطة للأطفال.
اقرأ أيضا: ميغان "لم تكن راضية" عن كونها في المرتبة الثانية بعد كيت
وتقول هولدن: "إن التربية الملكية قد تكون مضرة إذا كانت تعزل أفراد العائلة الحاكمة عن الشعب الذي يكره الغرور والسلوكيات المتعجرفة. وقد شعرت كراوفورد أن إليزابيث ومارغريت تعيشان حياة رسمية ومنعزلة تتميز بطابع العصر الفيكتوري، الذي لا يمت بصلة للعصر الحديث، ورأت أن هذا سيضرهما على المستوى الشخصي والعملي، كأفراد في العائلة الحاكمة؛ ولهذا اصطحبتهما خارج القصر، لتريهما حياة الناس اليومية، وحفزت بداخلهما حس الفكاهة والإبداع والمغامرة".
وترى هولدن أنه بفضل كراوفورد، التي لا يزال اسمها مرادفا للخيانة في الأوساط الملكية، استطاعت هذه الطفلة الضعيفة والخائفة أن تصمد أمام بعض المنعطفات التاريخية التي مرت بها بريطانيا.
أما ماكهيو، التي لديها خبرة 30 عاما في المجال الصحفي، فكانت تجد صعوبة في السماح لنفسها بشيء من الحرية في نسج بعض الأحداث الخيالية.
وتتناول روايتها "أميرة إنجليزية خالصة"، حياة الأميرة فيكي، الابنة البكر للملكة فيكتوريا، والأوقات العصيبة في حياتها، وقد استُغلت الأميرة فيكي لتحقيق مآرب سياسية، فقد تزوجت أميرا ألمانيا، وأنجبت القيصر فيلهلم الثاني، الذي زج ببلاده في أتون الحرب العالمية الأولى.
وتقول ماكهيو، التي تعيش في واشنطن، لكنها تنحدر من لندن، وقد قاد جدها الأكبر السيارة التي كانت تقل ابن الأميرة فيكي وأخيها الملك إدوارد السابع إلى المقر الملكي في آيل أوف وايت: "كنت أتحرى المصداقية قدر المستطاع، فكيف يمكن أن أتخيل بدقة حياة أميرة أصبحت إمبراطورة ألمانيا، ثم أرملة وحيدة تعيش في قصر ضخم ومكروهة من ابنها".
وتقول ماكهيو: "إن العائلة الملكية هي عائلة في نهاية الأمر، وتنشأ بين أفرادها المشاكل المعتادة التي تحدث في أي عائلة، كالمنافسات والمقارنات المثيرة للضغائن".
وذلك يقودنا إلى اختلاف آخر بين العائلة الملكية وبين العائلات المعتادة، فبينما يخط كل منا مساره المهني بنفسه خارج عائلته، فإن العبرة في العائلة الملكية بالنسب. ويكاد يكون مستحيلا أن يحقق أفراد العائلة الملكية أي شيء يخالف حظهم في الميلاد، فلا شيء يضاهي الترتيب بين الأخوات والنوع الاجتماعي في الأهمية.
وترى ماكهيو أن تنشئة فيكي كفتاة متميزة أضرتها اجتماعيا، فقد تربت فيكي على الثقة بآرائها وعدم الاكتراث بآراء الآخرين، ربما لأن أحدا لم يقل لها الحقيقة. وكان أبوها يمدحها ويثني عليها إلى حد يجعل أمها، التي اعتاد توبيخها، تغار منها.
لكن الأحداث في الواقع تتكرر كتكرار الأنماط في السرد الملحمي، فإن دوقة ساكس -على سبيل المثال- لم تكد تدخل قصر ويندسور حتى خرجت منه بعد الأحداث التي واجهتها.
وتشير ماكهيو إلى أن العائلة الملكية تجسد الثراء والسطوة، لكنهم أيضا بشر عاديون مقيدون في ظروف غريبة ومشوِّهة للحقائق.
وتقول ماكهيو: "أرى أن هذا يدعونا للتساؤل حول مدى ثقل كلفة الانتماء للعائلة الملكية، لا سيما لأن أفرادها يُستغلون أحيانا لتحقيق مآرب سياسية".
ورغم الحرية التي يتمتع بها المؤلف عند معالجة الشخصيات في روايته، إلا أن هذه الروايات الأدبية تلقي نظرة كاشفة وواضحة على الحياة الغريبة خلف أبواب القصور.