كتاب عربي 21

مواد مثيرة للجدل بقانون المصارف المصري الجديد

ممدوح الولي
1300x600
1300x600

قانون جديد للمصارف المصرية صدر قبل أسبوعين، حل محل القانون الذي صدر عام 2003، والذي جرت عليه ستة تعديلات خلال مدة نفاذه على سنوات متفرقة، ليضيف القانون بابا جديدا لنظم وخدمات الدفع والتكنولوجيا المالية، وصندوقا لتمويل إجراءات تسوية أوضاع المصارف المتعثرة، وصندوقا لدعم وتطوير الجهاز المصرفي، وصندوقا لضمان المخاطر التشغيلية لمشغلي نظم الدفع.

ونظرا لعوامل التضخم خلال 17 عاما مضت على القانون السابق، فقد تم رفع رؤوس أموال المصارف إلى خمسة مليارات من الجنيهات مقابل 500 مليون جنيه سابقا، وإلى 150 مليون دولار للفرع الأجنبي مقابل 50 مليون دولار مسبقا، و25 مليون جنيه لرأسمال شركة الصرافة أو شركة تحويل الأموال بدلا من خمسة ملايين جنيه، مع إتاحة سنة لتوفيق الأوضاع للبنوك أو للشركات.

وتضمن القانون عقوبة تصل إلى الحبس والغرامة التي تتراوح ما بين 100 ألف جنيه إلى مليون جنيه، للكتابة على أوراق النقد، ردا على الحملة التي جرت قبل شهور داعية للكتابة على أوراق النقد لعبارات مناهضة للسلطة. وتضمن على عدم خضوع البنوك الحكومية والعاملين فيها للنيابة الإدارية، وعدم المساءلة المدنية لمحافظ المصرف المركزي ونائبيه وأعضاء مجلس إدارته وأعضاء اللجان التي يشكلها والعاملين فيه، جراء القيام بواجباتهم. ويتحمل المصرف المركزي نفقات الدفاع عنهم في القضايا التي تقام ضدهم بسبب أداء أعمالهم.

عدم سريان حماية المستهلك على المصارف

ونص على أن تكون مساءلة العاملين في المصرف المركزي أمام مجلس تأديب، يتم تشكيله برئاسة نائب محافظ المصرف المركزي وعضوية اثنين من نواب رئيس مجلس الدولة، وتكون قراراته نهائية. وتكون الإحالة لمجلس التأديب بقرار من محافظ المصرف المركزي.

وكذلك نص على عدم سريان أحكام قانون حماية المستهلك على جهات العمل المصرفي، وعدم سريان أحكام قانون حماية المنافسة ومنع المارسات الاحتكارية على جهات العمل المصرفي.

وانعكست طبيعة المرحلة التي تمر بها مصر منذ تولى الجيش السلطة عام 2013 على نصوص القانون، حيث نص على تبعية المصرف المركزي لرئيس الجمهورية، وجعل محافظ المصرف المركزي بدرجة نائب رئيس وزراء، وأوجد لجانا جديدة يرأسها رئيس الوزراء ويكون محافظ المصرف المركزي عضوا فيها، مثل لجنة الاستقرار المالي ولجنة العلاقة بين المصرف المركزي ووزارة المالية، مما يوضح مدى ضعف استقلالية المصرف المركزي.

وظهرت ملامح حالة الجباية التي يمر بها المصريون بالسنوات الأخيرة، بفرض رسوم جديدة على المصارف والشركات الخاضعة لرقابة المصرف المركزي، وزيادة قيمة الرسوم السابق وجودها بالقانون القديم، والذي كان يقتصر على فرض رسم تسجيل للمصرف بنحو عشرة آلاف جنيه للمركز الرئيسى وسبعة آلاف جنيه للفرع، ورسم رقابة على المصارف بنحو جنيه لكل عشرة آلاف جنيه من متوسط المركز المالي خلال العام.

واستمر القانون بفرض رسم التسجيل ورسم الرقابة مع زيادة القيمة لكل منهما، وأضاف إليهما رسم فحص لطلب ترخيص مزاولة أعمال المصارف بواقع مليون جنيه، ورسم معاينة لتسجيل مصرف جديد بواقع نصف مليون جنيه للمركز الرئيسي، وربع مليون جنيه للفرع، ومئة ألف للوكالة والفرع الصغير، وكرر رسم الرقابة السنوي مع شركات الاستعلام والتصنيف الائتماني وشركات الصرافة، وشركات تحويل الأموال وشركات ضمان الائتمان ومقدمي خدمات الدفع.

كما تكرر رسم المعاينة لتسجيل المصارف وفروع المصارف الأجنبية، مع شركات تشغيل نظم الدفع بواقع نصف مليون جنيه، ومع شركات الصرافة وشركات تحويل الأموال وشركات ضمان الائتمان ومقدمي خدمات الدفع بفئات مختلفة.

37 مهمة لمحافظ المصرف المركزي بالقانون

وهكذا أصبح أي مصرف يعمل في السوق المصرية مطالبا برسم الفحص ورسم المعاينة ورسم الرقابة السنوي، ودفع رسوم الاشتراك باتحاد المصارف واشتراكه السنوي، ودفع رسم اشتراك العضوية بضمان ضمان الودائع المقترح واشتراكه السنوي، والمساهمة المطلوبة منه لصندوق تمويل إجراءات المصارف المتعثرة، ورسم الاشتراك بالمعهد المصرفي للتدريب والمساهمة السنوية فيه، ونسبة 1 في المئة من صافي أرباحه السنوية لصندوق دعم وتطور الجهاز المصرفي الجديد.

واستثمر محافظ المصرف المركزي مناخ تركز السلطات ليستحوذ على 37 مهمة بالقانون، منها رئاسته للجنة السياسة النقدية ورئاسته للأمانة الفنية للمجلس القومي للمدفوعات، ورئاسته لمجلس إدارة صندوق دعم وتطوير الجهاز المصرفي، ورئاسته لمجلس إدارة صندوق التأمين على الودائع، علاوة على رئاسته الحالية لمجلس إدارة المعهد المصرفي للتدريب، وتوليه منصب مندوب مصر في صندوق النقد الدولي وفي بنك التنمية الأفريقي، ومهام أخرى منها تفرده بإمكانية رفع الدعوى الجنائية للتحقيق بجرائم مخالفة قانون المصارف، وموافقته المسبقة على تعيين المسؤولين الرئيسيين في المصارف العاملة في مصر والبالغ عددها 38 مصرفا، إلى جانب المهام التي يفوضه مجلس إدارة المصرف المركزي بها والإدارة اليومية لشؤون المصرف المصرف المركزي.

وأجاز القانون بالمادة 141 منه؛ للمدعي العام العسكرى أو من يفوضه من أعضاء النيابة العسكرية مباشرة اختصاصات النائب العام في ما يخص الاطلاع على البيانات التي تحول السرية المصرفية دون كشفها، كما أعطى للمحكمة العسكرية للجنايات في القاهرة ذات الاختصاصات المقررة لمحكمة استئناف القاهرة للحصول على بيانات الحسابات والودائع أو الأمانات أو الخزائن.

ولا ندرى كيف سيكون رد فعل المستثمرين الأجانب عندما يقرأون ترجمة تلك النصوص، التي لم ترد في أي من قوانين المصارف في مصر، بداية من قانون المصرف المركزي الصادر عام 1951، وقانون المصارف الصادر عام 1957، وقانون المصارف الصادر عام 1975، وقانون سرية الحسابات في المصارف الصادر عام 1990، وقانون المصارف الصادر عام 2003.

عقوبات قاسية للتعامل بالنقد الأجنبي

وتضمن القانون عقوبات مشددة خاصة للتعامل بالنقد الأجنبي خارج المصارف وشركات الصرافة، تصل للسجن ما بين ثلاث لعشر سنوات، وبما يشير من ناحية أخرى لاستمرار أزمة نقص النقد الأجنبي، كما تضمن بالنسبة لجرائم مخالفة نصوصه أحكاما بالحبس تصل لثلاث سنوات والغرامات التي تصل لعشرة ملايين جنيه، إلا انه أتاح التصالح في تلك العقوبات بعد سداد الغرامات المقررة، والغريب أن تكون عقوبة التعامل في النقد الأجنبي خارج المصارف وشركات الصرافة بالسجن مع مصادرة المبالغ، بينما تكون عقوبة ممارسة أعمال المصارف دون ترخيص عقوبتها الحبس.

وفي ما يخص الإفصاح ونشر القوائم المالية والذي لا تلتزم به كثير من المصارف، رغم نص قانون المصارف الصادر عام 2003 في المادة 73 منه، على أن تنشر المصارف قوائمها المالية بصحيفتين يوميتين كل ثلاثة أشهر، فقد كرر القانون الجديد نفس النص على نشر المصارف لقوائمها المالية كل ثلاثة أشهر ولكن في صحيفة يومية واحدة، بينما أجاز للمصارف المتعثرة عدم النشر. ولم تتضمن مواد العقوبات الواردة في القانون رغم كثرتها؛ شيئا عن عقاب المصارف غير الملتزمة بالنشر الفصلي لقوائمها المالية.

ويظل السؤال: هل يساهم القانون الجديد بتحسين الخدمات المصرفية التي تلقى شكوى من جمهور المتعاملين لطول إجراءاتها وبيروقراطيتها؟ وتظل الإجابة مرهونة بواقع تنفيذ نصوص القانون، والمناخ الاقتصادي الذي تعمل به المصارف والذي يهيمن الركود عليه حاليا، وهو ما تسبب في تراجع أرباح المصارف في النصف الأول من العام الحالي بالمقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.

كما أن القانون القديم لم تنفذ بعض نصوصه طوال 17 عاما، مثل التزام المصرف المركزي بنشر بيان أسبوعي عن مركزه المالي، كما لم يظهر صندوق التأمين على الودائع رغم النص عليه منذ عام 1992 بقانون خاص، ولم يذكر القانون شيئا عن شروط الترخيص بالعملات الرقمية. وما زال المصرف المركزي محجما منذ سنوات عديدة عن الترخيص لمصارف جديدة، رغم قلة فروع المصارف في الأقاليم التي ترتفع كثافتها السكانية، ورغم الدعوة الأخيرة للمصرف المركزي للشمول المالي.

 

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الإثنين، 05-10-2020 07:42 ص
... هل ستصمد البنوك في مصر أم ستنهار قريباُ في ظل فساد اقتصاد الحكومة الانقلابية؟ ماهي قيمة وحجم القروض المشكوك في تحصيلها الممنوحة للشركات المصرية المعرضة للإفلاس مع التدهور الحالي في الاقتصاد، كشركات الحديد والأسمنت والطوب والمحاجر التي انخفضت مبيعاتها إلى 40%، وما هي قدرة الحكومة المصرية على تسديد اقساط القروض وفوائدها الممنوحة لها من البنوك، والتي اهدرت في مشروعات مظهرية كالقصور الرئاسية والمباني الحكومية بالعاصمة الجديدة؟ وما هي حقيقة التوقف شبه الكامل عن بيع الوحدات السكنية في القرى السياحية وفي المدن الجديدة، والتي تفوق عدة مرات قدرة السوق على استيعابها، والتي زاد من حدة تفاقمها الأموال الهائلة المستثمرة في مدن السيسي كالعاصمة الجديدة والعلمين والجلالة وغيرها، وهل تتواطأ جهات الدولة في إخفاء حجم الأزمة الضخمة لشركات الاستثمار العقاري في مشروعاتها البائرة وشبه المتوقفة، وهناك مؤشرات متزايدة على تأخر الجهات الحكومية والسيادية عن سداد مستحقات شركات المقاولات الغارقة في القروض، عن ما تنفذه الدولة من مشروعات البنية التحتية كالكباري والطرق، التي اهدرت فيها أموال هائلة بالأمر المباشر بأسعار مضاعفة وغالبيتها بدون عائد ولا توجد حاجة ماسة لها، وما مصير القروض التي انفقت على تفريعة القناة الجديدة ومنطقتها الاقتصادية التي لم تؤد إلى أي زيادة في عوائدها، أضف لذلك الشركات السياحية والفنادق التي تم التوسع الهائل في إنشاءها بالقروض واصبحت عاجزة عن سدادها مع ركود النشاط السياحي، وما هو حجم الأموال التي استثمرها البنك المركزي والبنوك الحكومية في محافظها وصناديقها للأسهم والسندات المصرية، والتى أفادت المستثمرين العرب والأجانب الذين قاموا بسحب غالبية اموالهم المستثمرة في البورصة المصرية؟ وما تأثير الأزمة المالية في لبنان والإمارات والسعودية على فروع مصارفها في مصر؟ وهل ستلجأ الحكومة المصرية إلى إصدار نقد جديد لسداد التزاماتها عن ديونها المحلية، مما سيخلق موجة تضخم وتدهور لقيمة الجنيه المصري، وما هي حجم الأموال بالعملة الصعبة التي اخرجت خارج البلاد تحت ستار سداد أثمان الأسلحة التي اشتريت بأسعار باهظة؟ وما هي حقيقة مطالبة السعودية والإمارات وغيرها لودائعها في البنك المركزي، بعد أن اضطرت هي نفسها للاقتراض من الخارج لتغطية عجز موازناتها بعد أن هبطت أسعار وعوائد النفط والغاز إلى أكثر من ثلث ماكانت عليه من سبع سنوات؟ وما هو حجم العمالة المصرية في الخارج التي سيتم الاستغناء عنها في الشهور القادمة مع أزمة الخليج، والتي كانت البنوك المصرية تعتمد على تحويلاتهم لتدبير احتياجاتها من العملة الصعبة؟ وما هو حجم الأموال المهربة إلى الخارج، حيث تشير الإحصاءات الدولية التي ترصد حركة تلك الأموال إلى ان الأموال الخارجة من مصر تقاس بعشرات المليارات؟ لقد اعترف وزير المالية بعجزه عن سداد اقساط القروض وفوائدها، وأنه لا يوجد حل إلا المزيد من الاقتراض، فمتى سيغلق الباب أمام مصر لإمكانية زيادة اقتراضها من الخارج؟ هل ستنتهي بنا أوضاعنا الاقتصادية المتردية إلى أزمة مشابهة لأزمة الإفلاس على النمط اللبناني، ومن قبله اليوناني؟ هل هناك بصيص أمل لتجنب إفلاس الاقتصاد المصري وبنوكه؟ (إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ) والله أعلم.