كتاب عربي 21

نحن والانتخابات الرئاسية الأمريكية: متى نستعيد مركزية العالم؟

قاسم قصير
1300x600
1300x600
كل العالم ينتظر اليوم الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهو موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والكل ينتظر نتائج ما سيحصل في واشنطن في هذا التاريخ، لأنه على ضوء ذلك ستتحدد السياسة الأمريكية داخليا وخارجيا، وسيكون الكون كله بانتظار ذلك. وهل ستمضي الأمور على خير ويعاد التجديد للرئيس دونالد ترامب، أو يُنتخب جو بايدن رئيسا وتدخل أمريكا في مسار سياسي جديد؟ فلا أحد يستطيع التكهن بما سيحصل لأن الرئيس ترامب هدّد بأنه لن يعترف بالخسارة إذا حصلت، وبذلك قد تدخل أمريكا في أجواء حرب أهلية جديدة، كما تحدّث بعض الكتاب والمحللين السياسيين الأمريكيين.

وبانتظار نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، العالم مشغول بصحة دونالد ترامب بعد إصابته بفيروس كورونا، وتداعيات ذلك على الانتخابات الرئاسية وأداء ترامب. وقد حرص الأخير على طمأنة الأمريكيين والعالم بأنه بخير، وسيعود لممارسة نشاطاته الانتخابية والسياسية قريبا.

ما يهمنا نحن في العالم العربي والإسلامي وفي هذا الشرق من كل ما يجري في أمريكا، هو مدى انعكاس نتائج الانتخابات على الأوضاع عندنا لأن السياسات الأمريكية لها دور كبير في تقرير مصير أوضاعنا سلبا أو إيجابا، والأهم والأخطر من كل ذلك أننا مضطرون جميعا لانتظار نتائج الانتخابات حتى نحدد مواقفنا وسياساتنا، ولم نعد نحن سوى انعكاس لتلك السياسات وغيرها من السياسات الدولية والإقليمية.

وللأسف فإن دور العوامل الذاتية في بلادنا أصبح محدودا في معظم البلدان، باستثناء ما تقوم به بعض الدول الإقليمية (تركيا أو إيران أو غيرهما) من محاولات للعب دور فاعل في المشهد السياسي أو الفكري أو الاقتصادي في المنطقة والعالم، أو محاولات قوى المقاومة وبعض القوى المحلية في بعض الدول من جهود لمقاومة المشاريع الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة.

لكن علينا أن نعترف اليوم: أن مركزية العالم اليوم تنطلق من العاصمة الأمريكية، ورغم التراجع المحدود للدور الأمريكي لصالح قوى دولية وإقليمية جديدة (الصين وروسيا وإيران وتركيا والهند والبرازيل وغيرها)، فإن أمريكا لا تزال هي القوة الفاعلة دوليا، من خلال النظام المالي والاقتصادي العالمي أو من خلال قدراتها العسكرية والأمنية والتكنولوجية، وحضورها الفاعل والقوي في معظم أنحاء العالم وعلى صعيد المؤسسات الدولية. فحتى الآن لم ينته نظام القطب الأحادي الواحد، ولم نشهد ولادة نظام عالمي جديد.

وعلى ضوء كل ذلك، نستعيد بعض المحطات والتواريخ التي كان فيها المشرق محور العالم والقاعدة المركزية للتأثير في الكون، سواء من الحضارات الشرقية القديمة أو من خلال الديانات التوحيدية، وصولا لبروز الإسلام وانتشاره وقيام الدول الإسلامية المتعددة، أو من خلال بعض الأفكار والثقافات الوضعية والمادية والتي لعبت دورا مهما في العالم كالكونفوشيوسية والهندوسية، وصولا للماركسية والشيوعية والاشتراكية بأشكالها المتعددة.

ولقد كان العالم العربي والإسلامي لقرون طويلة محور الحضارة العالمية، ومنه انطلقت العلوم والأفكار التنويرية والنماذج الرائعة في تطوير الحياة والحكم والإدارة، لكن للأسف انحسر هذا الدور لصالح الغرب بعد أن غرقنا في الصراعات المذهبية والتاريخية، وانتشار التكفير والعنف الديني، وتحولت مركزية الحضارة إلى أوروبا عامة، وفرنسا وبريطانيا وألمانيا بشكل خاص، عبر الفكر التنويري والتطور الصناعي والعلمي، وتوقفت الصراعات الدينية عندهم وقامت الدولة الحديثة وانتشرت الأفكار التنويرية في العالم.

قد يكون صحيحا أن الحروب في العالم لم تتوقف، وأخذت الصراعات طابعا سياسيا واقتصاديا، لكن علينا أن نعترف بأن التطور الحضاري والعلمي والتحكم بإدارة الكون قد انتقل إلى الغرب عامة، بداية في أوروبا، ومن ثم في روسيا أو الاتحاد السوفييتي، ونسبيا في اليابان والصين والهند وبعض دول آسيا، وصولا للقيادة الأمريكية المنفردة للكون، ولا سيما بعد سقوط الاتحاد السوفييتي.

وهذا لا ينفي حصول العديد من المحاولات العربية والإسلامية، وفي آسيا وأفريقيا، من أجل استعادة المبادرة والقيام بمحاولات إصلاحية، ولمقاومة الاستعمار والسيطرة الغربية، وتقديم مشاريع تطويرية، سواء من داخل السلطنة العثمانية أو في مصر عبر تجربة محمد علي وصولا لتجربة عبد الناصر، أو التجربة الإيرانية والتركية أو السعودية أو دول شرقي آسيا، أو تجربة دول عدم الانحياز وغيرها من المحاولات المتنوعة السياسية والفكرية والعلمية.

ولقد لعب بعض القادة أدوارا مهمة في العالم وعلى الصعيد السياسي ومقاومة مشاريع السيطرة الغربية. وعلى الصعيد الفكري برزت أفكار ومشاريع فكرية وعلمية مهمة، لكن لا تزال حتى الآن الكلمة الأولى للغرب عامة، ولأمريكا بشكل خاص، ولذلك ننتظر جميعا نتائج الانتخابات الأمريكية، وصحة الرئيس دونالد ترامب، وما سيحصل في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.

وفي موازة ذلك، هناك من يتحدث عن مؤشرات خطيرة داخل أمريكا بسبب الصراعات السياسية والحزبية والإثنية والعرقية، وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة، هناك من يتحدث عن احتمال حصول حرب أهلية أو أزمة سياسية كبيرة على ضوء نتائج الانتخابات الرئاسية. وكل ذلك سيكون له تأثير كبير داخل أمريكا وعلى العالم أجمع، إضافة للأزمة التي تواجهها الرأسمالية والنيوليبرالية.

لكن ما يهمنا نحن في هذا المشرق وفي العالم العربي والإسلامي، أن نعود إلى السؤال المركزي: متى نستعيد مركزية العالم مجددا؟ وهل هناك إمكانية كي يكون لنا دور فاعل في هذا الكون؟

قد لا يكون هناك مجال للإجابة السريعة عن هذا السؤال الذي شغل الكثير من المفكرين والعلماء ورجال الإصلاح والقادة، وصدرت الكتب والدراسات حول ذلك، وأطلقت الحركات السياسية والدينية، لكن حتى الآن لا زلنا ننتظر ما سيحصل في أمريكا وغيرها، ولذا لا بد من إجراء المراجعة الشاملة لكل تجاربنا السياسية والفكرية والعلمية والدينية، لعلنا نهتدي مجددا على الجواب الفصل، والله أعلم.

twitter.com/KassirKassem
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأربعاء، 07-10-2020 06:38 م
... لم نفهم ما الذي يقصده الكاتب من قوله: "هل ستمضي الأمور على خير ويعاد التجديد لترامب؟"، فما هو الخير في إعادة انتخابه؟ فترامب هو الذي دعم الاعتراف بكامل القدس بما فيها المسجد الأقصى عاصمة لإسرائيل، ليفرض استمرار سلطتها على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقاً لخطة صهره كوشنر زوج ابنته المتهودة أيفانكا، كما ساند الحكومات الاستبدادية الفاسدة لبن زايد وبن سلمان والسيسي، وعمل على التغطية على جرائمهم، وابتزهم فاغدقوا عليه أموال شعوبهم المنهوبة، وشارك في قمع المقاومة الإسلامية السورية لصالح الباطني العلوي النصيري المجرم بشار الأسد وأنصاره من الطوائف الدينية، وقوله بأن خسارة ترامب تكهنات، هو وصف غير صحيح لنتائج تقييم الأداء واستطلاعات الرأي، وتوقع أن ترامب لن يعترف بالخسارة لتدخل أمريكا في أجواء حرب أهلية فهذا ما يحدث في دول الطوائف والانقلابات العسكرية التي يقف بجانبها ويروج لها بعض مدعي الثقافة في عالمنا العربي، وليس في بلاد الحريات والديمقراطيات العريقة، وحديث الكاتب عن "أن مركزية العالم اليوم في اميركا، رغم تراجعها المحدود لصالح قوى جديدة (كالصين وروسيا وإيران ...وغيرها)، حديث خاطئ، فأي دولة صغيرة تستمد قوتها من دعم شعبها يمكنها انتهاج سياسات مستقلة تحقق مصالحها دون الحاجة للتواطؤ مع الأجنبي، كما أن القوى الجديدة التي يذكرها الكاتب كروسيا وإيران هي التي تواطأ معها المجرم الباطني بشار وشركاءه الطائفيين المعروفي، لتدمير مدن سوريا وقتل وتشريد الملايين من شعبها، ولكنهم سيلقون جزاء دجلهم وإجرامهم وخيانتهم في يوم قريب.