سعدت كثيرا بخبر قرأته مؤخرا؛ عن عزم وزارة التربية والتعليم في
مصر على إنشاء مدرسة لتعليم الناشئين من الموهوبين بمجالات
الفن بفروعه المختلفة، السينما والمسرح والتصوير على رأس هذه الفروع.
مصدر سعادتي أكثر من سبب:
الأول: هو عودة الانتباه مرة أخرى لدور الفن والاهتمام به. لقد مرت فترة غير قصيرة على تقليصٍ فيه نوع من الإقصاء للفنون من
التعليم المدرسي؛ حيث اقتصر على المرحلة الجامعية كالمعاهد المتخصصة بالفنون الجميلة، وعلى النحت والرسم والتصوير والإعلان.. الخ، أو في المعهد العالي للفنون المسرحية والموسيقا - وعلى استحياء - وبنوع من التدهور يوضح الهوة الكبيرة مع سويته السابقة، والتي توحي للمتابع بأن الرجوع لسابق عهده كما كان في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات صعب وعسير طالما أن ظروف بلدنا مستمرة بهذا الشكل.
إن أهمية رعاية الفن وتربية التذوق الجمالي عند الناشئين تعتبر مسألة حيوية في مراحل العملية التعليمية كلها. أذكر أن معظم من امتهن الفن عندنا؛ كانت بداياته الأولى بالمسرح المدرسي والجامعي لاحقا.
وقد تعلمنا كثيرا في تلك المراحل؛ حيث نما لدينا حب الفنون والتفاني المصحوب بتوق عال لخلق عمل يميزنا ويمتعنا، بل والأهم تذوقه جماليا بحس سليم. إن الجو السائد الذي كان في تلك الفترات يتوجه لرعاية الفنون؛ انعكس على أجيالنا التي تخرجت عاشقة للفنون، متذوقة لها وميالة بشدة لتقديم أفضل ما لدينا لإنشاء أعمال سواء كانت تمثيلية أم غنائية واستعراضية على المسرح المدرسي.
كنّا نُقدم مسرحيات من أمهات الأدب العالمي، كشكسبير وإليخاندرو كاسونا وألبير كامي وراسين وسارتر. كل هذا ساهم بلا أدنى شك في تكوين شخصيتنا الثقافية والفنية بشكل مبكر.
أما السبب الثاني لسعادتي بذلك القرار الصادر عن وزارة التربية، فهو ناتج عن اعتقادي بأن تقدير واحترام الفن بوصفه كيانا كاملا من النسق القيمي الجمالي، وإعادة الهيبة له ستؤدي إلى ارتفاع السوية القيمية عند المجتمع المصري، بحيث تسهل بشكل أفضل المقدرة على التمييز بين الغث والثمين، بعد أن اختلط الحابل بالنابل وضاعت قيمة الفن الحقيقي؛ لجهل الأجيال الجديدة بالفوارق الجوهرية بين الفن الحقيقي والمزيف. فعلى مدار سنين طويلة جُرِّف الفن من العملية التعليمية فانتشرت الأمية الفنية.
والسبب الثالث للسعادة التي تنتابني مع أمل كبير أن يأخذ القرار جدية حقيقية تتابع تطبيقه بمهنية بعيدة عن جو الارتزاق، فهو الإيمان بالفن كقوة ناعمة في معركة الوعي الجمعي، والتي نحن بأمس الحاجة إليها الآن وفي كل وقت.
ولهذا، أتمنى من كل قلبي أن يتم هذا المشروع، وأن تُفعّل آلياته بشكل حقيقي وأن لا يُصبح مجرد شعار أو حلم أو إعلان مع وقف التنفيذ، أو أن يتعثر بسبب البيروقراطية المتعششة، أو أن يُعيقه التربص والتخريب من أياد لها القدرة على أن تُجهض أي مشروع طموح وتقضي عليه وهو في المهد، وقبل أن يبدأ.
أتمنى أن تُشرق شمس المعرفة الفنية من جديد على الأسنان البيضاء، لكي تمنح الحياة بهجة وشبابا وإبداعا.. أتمنى.