انبعث برعم أمل من شق في صخرة اليأس، بعد أن أرسل 56 عضواً في الكونغرس الأمريكي رسالة بالبريد السياسي المفتوح، وليس في زجاجة على موج البحر، إلى جلالة الفرعون الجديد، يستعطفون بها قلبه الرقيق للرفق بالمعتقل السياسي
المصري الذي رقَّ له هؤلاء.
"
عريضة الاسترحام" تقدم بها 56 عضواً ديمقراطياً، بينهم عضو مستقل، هو السناتور البارز ومرشح الرئاسة السابق بيرني ساندرز، مصحوبة بوعيد مضمر إلى الرئيس المصري الدكر إن فاز بايدن. تحثّه العريضة على إطلاق سراح
المعتقلين "ظلماً"، خاصة أنَّ فرعوناً ملكياً هو فيروس كورونا يفتك بهم، ولا يصح أن يتسلط فرعونان على المواطن المصري المسكين.
وما لبث أن ألهم هؤلاء الملهمون 222 برلمانياً أوروبياً، فثنّوا عليها بعريضة استرحام مفتوحة إلى الرئيس المصري عبد الفتاح
السيسي يرجونه الإفراج عن "معتقلين سياسيين"، و"وقف انتهاكات
حقوق الإنسان". وعلمنا من البيان أن من بين المعتقلين ناشطون مثليون في دولة الدكر المصري، وإنا كنا عن ذلك من قبل لغافلين، فعسى أن يخرج الناشطون الفحول في السياسة بشفاعة المثليين وفضلهم، إن كان فيهم مثليون، فالإعلام المصري يسخر من النشطاء جميعاً ويصفهم بالشواذ جنسياً، ليس لأنهم كذلك، ولكنها العقيدة المصرية في الدين والاجتماع. رفعت العريضة من النواب الديمقراطيين ضد السيسي الجمهوري، دكتاتور ترامب المفضل، من غير تذكير بعبارات الحنان والأيمان الغليظة التي أقسم بها السيسي لنور عينيه الشعب المصري، فهم لا يأكلون من الكلام هذا.
وتكثر في العريضتين عبارات شائعة في أدبيات السياسة الغربية، مثل: "إجراءات قمعية" ضد المتظاهرين والمعارضين وعمليات "إخفاء قسرية"، وهي عبارات مترجمة للخطف، والنزع، والأخذ والفتك، واعتقالات واسعة، وتعذيب، وأشكال أخرى من سوء المعاملة و"الاستخدام المفرط للقوة"، وترجمتها البطش لا سيما بعد تظاهرات طالبت برحيل السيسي في 20 أيلول/ سبتمبر 2019 و2020. وهناك اعتقالات قديمة، لكن البيان لا يذكر تاريخها.
سيعلو شأن عبد الفتاح السيسي، بطل مصر الحائز على جائزة القديس جورج، علواً كبيراً بعد هذين الخطابين، وكاتب هذه السطور يعدّ عريضة الاسترحام جائزة رفيعة تمنح له بعد سانت لويس التي كان شعارها "ضد التيار"، فالسيسي بطل ضد التيار العربي المسلم حقاً، وهو باني جسور متميز، وصانع سلام وكفتة، وزارع خضراوات في منطقة شمال أفريقيا المتّسمة "بأزمات صعبة"، كما وصفه بيان الجائزة: إنه يبحث عن الحوار مع كافة الأطراف ويعتبر "مرساة للناس وآمالهم"!
يظن كاتب السطور أن السيسي لن يفرج عن أحد من المختفين قسرياً، وإن فعل، فعن بضعة منهم، يصير بعدها رحيماً وبطلاً في الإعلام العالمي، وهم متظاهرون ومغردون وناشطون وأحيانا أقارب رهائن.. الذين سيفرج عنهم هم علمانيون مفرطو العلمانية، وليبراليون، أما الإسلاميون فهم الأشرار في الغرب قبل الشرق.
288 نائباً غربياً (هو المجموع العام بعد حذف علامة التربية الدينية، التي لا سعر لها في الأنظمة الحديثة) يتضرعون لدكتاتور ترامب المفضل العادل، الذي أسقط أول ديمقراطية في الوطن العربي، وباع جزيرتين مصريتين للسعودية صدقة يزكّي بها نفسه ويتطهر بها من الوطنية، وبنى ترعة عظيمة من أجل السهر والسمر، ومدينة إدارية عظيمة للنخبة المصرية الحاكمة، وجسوراً كثيرة بعد أن قطّع الشعب المصري إلى شيع وطوائف، وأوقف مدّ كورونا، أو "كرونا" كما يلفظها السيسي، وتبرع للدول الغربية بشحنات أدوية وكمامات، مؤثراً إياها على مصر التي يحبّها ويحبُّ نور عينيه، ويُظهر كل هذا التواضع للرؤساء الأوروبيين وكأنه خادم في فيلم "ذهب مع الريح" أو فيلم "دجانغو".
قد يلينُ هؤلاء مثل الشمع المحترق، عندما يخطب فيهم ويغني أغنيته العاطفية يقول: لا ترونا (يقصد لا تنظروا إلينا) بعيونكم الأوروبية، نحن لا نراكم بعيوننا المصرية (لعله يقصد إننا ننظر إليكم بعيون غير عيونكم). وكان قد أفرج عن معتقلين حاصلين على الجنسية الأمريكية مثل آية حجازي ومحمد سلطان، فقرّت عيونهم الأوروبية.
للسيسي فضائل كثيرة سابغة عليهم مثل فتح القدس، إنه نقيض صلاح الدين الأيوبي. النواب يتوعّدون السيسي إذا فاز بايدن، ليس من أجل الإفراج عن قائد الأسطول السادس، بل من أجل الناشطين السياسيين، فما أكرم هؤلاء النواب!
السيسي هو الكنز الاستراتيجي، وهو البطل الذي استطاع أسر مئة مليون مصري في قمقم، ووضع مصر بالديون تحت رحمة البنك الدولي، وهو يغلب السادات الذي أخرج مصر من الجبهة العربية، بإدخال إسرائيل إلى الجبهة العربية ضد عدو وحيد هو الإخوان المسلمون الأشرار.
يظنُّ البعض أن انتخاب بايدن قد يحرك بعض المياه الراكدة، لكن غرامتها ستركد مياها متحركة في أمكنة أخرى، وعلينا ألا نتفاءل كثيراً. ويمكن الاستشهاد بإيعازات أمريكية لإشراك الإخوان في البرلمان في أواخر عهد مبارك، فهي طريقة أمريكية معروفة لحصاد سياسي في المجتمعات العربية وتكون أداة الحصد دكتاتورا جديدا.
ونظن أيضاً أن السيسي بهاتين الرسالتين سيتبوأ مكانة عظيمة لدى شيعته ومواليه إن لم يستجب لهما، وإن استجاب سيكون أعظم، ويرتفع شأن النواب الغربيين "الرحماء" أيضا.
يتصل بتلك العريضة
زيارة شخصيتين أمريكيتين للأسد من أجل الإفراج عن رهائن أمريكية في سوريا، قد يغدو بعدها الأسد بطلا مكافحا للإرهاب كما كان والده حافظ الأسد من قبل في عهد رونالد ريغان.
twitter.com/OmarImaromar