كنا نحسب أن صاحبة "السيوف الحديدية" قد بلغت
بقوتها وشدة نفيرها منتهى "العلو الكبير"، وأنها ستفقد بعدها الأوكسجين
وتسقط، لكن الوقائع تقول إنها تستطيع أن تعلو أكثر مما قدرنا، فقد استطاعت بعد سنة
من العدوان أن تغتال قادة حماس؛ إسماعيل هنية (الذي كان يفاوضها) وصالح العاروري، ويحيى
السنوار، ويُحتمل أنها قتلت محمد الضيف أيضا، وقد قذفت غزة بآلاف الأطنان من
القنابل، واستطالت إلى قادة حزب الله في لبنان، محور المساندة، فقتلت منهم قادة الصف
الأول؛ فؤاد شكر، وإبراهيم عقيل، وأحمد وهبي، وإبراهيم قبيسي، ومحمد حسين سرور، وعلي
كركي، وحسن خليل ياسين، ونبيل قاووق، ثم حسن نصر الله، أمينها العام، وخليفته هاشم
صفي الدين وغيرهم، واستطاعت أن تدير ظهرها لمحكمة العدل الدولية، والأمم المتحدة،
وأمينها العام، وقادة أيرلندا وفنزويلا وجنوب أفريقيا وتركيا.. ولا تزال محمية
ومحصّنة ومحروزة بالفيتو الأمريكي، بل إنها استخفت برئيس أمريكا نفسه، وحملة حزبه،
الحزب الديمقراطي، من أجل الرئاسة، فحرمته من هدنة حرب، وأقصته من الفوز بالرئاسة،
ومنعت الغذاء والدواء والماء عن أهل غزة. فالرئيس الأمريكي كان يريد من صاحبة "حرب
القيامة" أن تقتل الضحايا شباعا لا جياعا!
وإن صاحبة الفيتوات الثمانين لم تُعاقَب سوى مرات قليلة
خلال عدوان "حرب القيامة"؛ مرة من إسبانيا، بمنع رسوّ سفنها في ميناء الخضراء
بشبهة حمولة الأسلحة، ومرة من بريطانيا التي ألغت تصاريح الشركات البريطانية ببيع الأسلحة
لها، ومرة من فرنسا بخصوص بيع الأسلحة لها أيضا، ومنعها من المشاركة في معرض يوروساتوري
الفرنسي. وآخر عقوباتها أن أمريكا جمّدت صفقة جرافات بشبهة تهديم منازل
فلسطينية، لكنها
ما تزال تمدها بقنابل تزن الواحدة طنين، وهي أجدى في الهدم، وربما كان التجميد حرصا
على سمعة الجرافات من قنابل شواظ، لا ضنّا بها على
إسرائيل "المقدسة".
من مظاهر الاستعلاء الإسرائيلي اجتماع مشجعي فريق مكابي تل أبيب وشتمهم العرب والمسلمين، وتمزيقهم أعلام فلسطين، بعد خروج فريقهم الرياضي مهزوما في الملعب الرياضي بخمسة أهداف، لكنهم انتصروا في الملعب السياسي والإعلام الدولي، بتعاضد زعماء الدول الغربية
وإن هذه الدولة المتعالية العصماء قد قتلت ما لا يقل عن
مائة ألف فلسطيني أغلبهم من النساء والأطفال، وخضت الناجين من القتل خضا، حتى بلغ
عدد مرات نزوح نصفهم أكثر من عشرين مرة. وأرتنا مشاهد تقشعر من هولها الأبدان، من
عجن البشر بالحجر، وإن هذه المشاهد قد أيقظت الشعوب، وكشفت صورة إسرائيل
"الجميلة"، لكن لم تقدر على منعها من العدوان، بل مكابيو بلاد الحرمين يعاقبون
رافعي العلم الفلسطيني بالسجن، وهو كذلك في عدة دول، منها الإمارات العربية، فلتل
أبيب مكابيون في بلاد العرب أشد من مكابيي فريق مكابي تل أبيب!
ويتردد أن إسرائيل المستعلية علوها الكبير وجِلة من
تقارير منظمة الصحة العالمية التي تحذر من وقوع مجاعة في غزة، وانتقال ملف المجاعة
إلى مجلس الأمن، وقد تستطيع بمكرها أن تحتال على الملف فتدخل بعض شاحنات الطحين
إلى غزة، وثمة إشارات أن الإنذار الأمريكي الأخير بشأن إدخال الغذاء جاد، وعقوبته هي
حجب بعض الأسلحة والجرافات عنها لا غير.
ومن مظاهر
الاستعلاء الإسرائيلي اجتماع مشجعي فريق مكابي
تل أبيب وشتمهم العرب والمسلمين، وتمزيقهم أعلام فلسطين، بعد خروج فريقهم الرياضي مهزوما
في الملعب الرياضي بخمسة أهداف، لكنهم انتصروا في الملعب السياسي والإعلام الدولي،
بتعاضد زعماء الدول الغربية (هولندا وفرنسا وأمريكا) معهم، فقد حذفت سكاي نيوز
تقريرا إخباريا يؤيد رواية العرب، ويلوم مشجعي الفريق الإسرائيلي في استفزاز مشاعر
المسلمين، وحذفت بي بي سي كلمة اشتباكات، وجعلتها هجوما للعرب على مشجعي الفريق الإسرائيلي.
وتظهر إشارات إلى أن إسرائيل تميل في الآونة الأخيرة إلى وقف إطلاق النار على جبهة
لبنان، وأنها نجحت في فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، أفبعد هذا العلو استعلاء آخر؟
هذا هو ظاهر الصورة، التي تغيرت عند الشعوب لا عند الزعماء، فإسرائيل تمنع الصحافة عن الحرب، فهي أول حرب بلا صحافة حربية، وإن ثبات الشعب في غزة قد أحبط كثيرا من خطط إسرائيل التي تحارب في أرض سهلية رملية ناعمة ومكشوفة
وقد قصفوا حي الشيخ حمد في غزة من غير تقدير لاسم الشيخ
الذي يتفاوضون في عاصمة بلاده، ويقيمون في فنادقه، ودمروا مدينة الشيخ زايد، وهو
والد الأمير الحليف محمد بن زايد، ودمروا المشفى التركي، والمشفى الإندونيسي
والمشفى المعمداني، وهو مشفى بريطاني قديم، وقصفوا عشرات المدارس الأممية التابعة
للأونروا، وأهانوا الأمين العام للأمم المتحدة، وحرموه من نعمة دخول إسرائيل، أفبعد
هذا العلو استعلاء؟
لا تزال إسرائيل تقتحم المسجد الأقصى بين الحين والآخر،
تمرينا للمسلمين على ابتلاع الأمر، ولا تزال تسمح للمسلمين بالصلاة فيه، وهي تنتظر
ترامب، وهو مكابي أمريكي إسرائيلي. الرئيس الأمريكي الجديد كان قد نقل العاصمة إلى
القدس في دورته السابقة، تمهيدا لاحتلاله، ومنع المسلمين منه. وقد احتفل نتنياهو
بفوز صاحبه ترامب واتصل به فور فوزه ثلاث مرات، بينما بايدن، وهو مكابي تل أبيب، قد
حصّن تل أبيب، وأمدها بالسلاح، وألهى الناس بحكاية المفاوضات التي لم تسفر عن شيء!
لكن يمكن أن نقول: إن هذا هو ظاهر الصورة، التي تغيرت عند
الشعوب لا عند الزعماء، فإسرائيل تمنع الصحافة عن الحرب، فهي أول حرب بلا صحافة حربية،
وإن ثبات الشعب في غزة قد أحبط كثيرا من خطط إسرائيل التي تحارب في أرض سهلية
رملية ناعمة ومكشوفة، من غير تلال أو غابات، فالبشر هم صخور غزة والأطفال أشجارها،
والنساء كهوفها وأغوارها.
لكن للعلو نهاية، فالمثل الشعبي يقول: "ما في شجرة
وصلت لعند ربها". وكتب الله على نفسه: إنه ما رفع شيئا إلا وضعه.
x.com/OmarImaromar