مقابلات

مسؤول سابق: شيطنة شرق السودان ستؤدي لانفجار الأوضاع

كبير المستشارين السابق بوزارة العدل عبد الله محمد درف قال إن "هناك خللا واضحا في منظومة العدالة"- عربي21
كبير المستشارين السابق بوزارة العدل عبد الله محمد درف قال إن "هناك خللا واضحا في منظومة العدالة"- عربي21

* لدينا خلل واضح في منظومة العدالة بأكملها.. والتشريعات التي صدرت عقب الثورة تخالف الوثيقة الدستورية

 

* السودان يعيش فراغا دستوريا بعد غياب المحكمة الدستورية "حارسة الحقوق والحريات"

 

* "اتفاق جوبا" خطوة كبيرة نحو إحلال السلام وتأسيس نظام يقوم على العدالة وإزالة الظلامات التاريخية لأهل الهامش

 

* "مسار الشرق" إضافة إيجابية من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية

 

* قرار إقالة الوالي صالح عمار أدى لزيادة الاحتقان بشرق السودان وفُسّر من حاضنته الاجتماعية بأنه استجابة لمطالب عنصرية

 

* قبيلة البني عامر موجودة بشرق السودان قبل أن يتشكل السودان بشكله الحالي والحديث عن هويتها أمر سياسي لا علاقة له بالتاريخ والجغرافيا

 

* ما يحدث الآن ضد البني عامر والحباب تمييز عرقي بغيض ومؤشر سيء على غياب سلطة وهيبة الدولة

 

* شيطنة البني عامر والحباب تتم بشكل منظم وممنهج لأنهم القوة الاقتصادية الأولى بشرق السودان

 

* لا نستبعد وجود أياد خارجية في حملات الشيطنة من قِبل جهات لديها مآرب وأهداف في ساحل البحر الأحمر والموانئ

 

قال كبير المستشارين السابق بوزارة العدل السودانية، عبد الله محمد درف، إن "هناك خللا واضحا في منظومة العدالة بأكملها"، لافتا إلى أن "العديد من التشريعات التي صدرت عقب الثورة تُخالف الوثيقة الدستورية، إضافة إلى أن البلاد تعيش فراغا دستوريا فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية حارسة الحقوق والحريات، فضلا عن الاعتقالات المطولة دون تقديم المشتبه فيهم للمحاكمة، مما يُشكّل مخالفة لمبدأ العدالة الناجزة".

وأضاف، في مقابلة خاصة مع "عربي21"، أن هناك ما وصفها بالدعاية المُنظمة والحملة الإعلامية الجبارة لشيطنة قبيلتي البني عامر والحباب في شرق السودان، ولا يُستبعد وجود أياد خارجية في هذه الشيطنة من الجهات التي لديها مآرب وأهداف في ساحل البحر الأحمر والموانئ، مؤكدا أنه "إذا استمر هذا الاصطفاف القبلي، وهذه الفتنة التي يقودها العنصريون والذين يتولون الشيطنة، سينفجر الشرق، ولن تقوم قائمة للسودان بعدها".

وحذّر كبير المستشارين السابق بوزارة العدل من استمرار تصاعد وتأزم الأحداث بشرق السودان، قائلا: "إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه فإن الأمر يُنذر بكارثة أمنية وسياسية واقتصادية للسودان عامة، لأن الشرق هو بوابة السودان نحو العالم، وهو المنفذ الاقتصادي البحري الوحيد للبلاد، لذلك فإن تُرك الأمر هكذا حتما سيؤدي لنهايات كارثية".

وتاليا نص المقابلة الخاصة:

 

كيف تنظر للجوانب القانونية لاتفاق جوبا؟ وهل كان الاتفاق شاملا أم لا؟


الاتفاقية تناولت قضايا قومية تخص السودان ككل، وقضايا تخص أقاليم بعينها، ونظرا لتعدد الحركات الثورية المشكلة للجبهة الثورية (الطرف الثاني في الاتفاقية) واختلاف أجندتها السياسية والمطلبية، تم الاتفاق على إنشاء خمسة مسارات للاتفاق، وهي مسار دارفور، ومسار الشرق، ومسار الشمال، ومسار الوسط، ومسار النيل الأزرق وجنوب كردفان.

وقد تناولت الاتفاقية فيما يتعلق بالقضايا القومية المبادئ العامة المرتبطة بشكل الدولة ودور السلطات الثلاث، والقضايا المرتبطة بتقاسم السلطة والثروة وإدارة التنوع السياسي والاجتماعي والثقافي، كما تناولت مبادئ العدالة الانتقالية.

أما المسارات الفرعية فقد كان مسار دارفور أكثر تعقيدا، حيث قام على ثمانية برتوكولات تشمل تقاسم السلطة والثروة، وحيازة الأرض والحواكير، والعدالة الانتقالية، والتعويضات، وتنمية قطاع الرحل والرعوي، والنازحين واللاجئين، والترتيبات الأمنية.

أما بقية المسارات فلم تكن بالتعقيد الذي صاحب مسار دارفور ما عدا مسار النيل الأزرق وجنوب كردفان، والذي منح هذا الإقليم امتيازات ترقى للحكم الذاتي.

بالمجمل لا يمكن القول بأن الاتفاقية جاءت شاملة، لأنها لم تشمل حركات مسلحة ذات وجود فاعل على الأرض، وهي حركة جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد محمد نور، والحركة الشعبية (شمال) بقيادة عبد العزيز الحلو.

وبشكل عام تعتبر الاتفاقية خطوة كبيرة نحو إحلال السلام وفعل له أثرُه على المشهد السياسي باعتبار أنها تُؤسس لأرضية صلبة يمكن الانطلاق منها نحو تأسيس نظام يقوم على العدالة وإزالة الظلامات التاريخية لأهل الهامش.

وهل "اتفاق جوبا" يحقق طموحات "شرق السودان"؟


فيما يتعلق بمسار الشرق فهو إضافة حقيقية لشرق السودان من حيث تناوله لقضايا الهامش المُتمثلة في التهميش التنموي والاقتصادي، ومعالجة المشكلات التاريخية المتعلقة بالمشاركة في السلطة واقتسام الثروة، وهو محاولة جادة للإجابة على أسئلة المظالم التاريخية لشرق السودان. وقد حوى المسار نصوصا واضحة في الجانب التنموي والاقتصادي المُتمثل في إنشاء صندوق لتنمية الشرق، وبنك أهلي يستقطب التمويل المحلي والإقليمي والدولي لمعالجة قضايا التنمية المتوازنة. كما اشتمل على نصوص واضحة في اقتسام السلطة والثروة، لذلك يُعتبر إضافة إيجابية من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

حسب اتفاق جوبا، سيتم إقالة جميع الولاة.. لكن ما هي دواعي استعجال إقالة والي كسلا طالما لم تستجب الحكومة لإقالته مع بداية الاحتجاجات ضده؟


لم تكن الحكومة الانتقالية موفقة ابتداءً حين استمعت لفئة واحدة بشرق السودان رفضت تعيين الوالي من منطلق إثني وجهوي، وكانت إشارة غير موفقة، حيث ظنت تلك الفئة أن ذلك يُشير لإمكانية الاستجابة لمطالبهم العنصرية بالرغم من وجود عدد ضخم من الكيانات الاجتماعية الأخرى التي لا تحمل ذات الرأي، ومن الناحية الأخرى كانت إشارة سالبة للطرف الذي ينتمي إليه الوالي، وهي عموم قبائل البني عامر.

وحتى بعد أداء الوالي للقسم أخطأت الحكومة متمثلة في رئيس مجلس الوزراء، حيث طُلب من الوالي تأخير ذهابه للولاية، لأن هذا التأخير أعطى إشارة للطرف الذي يرفض تعيين الوالي بالمسوغات الجهوية والعنصرية بأن الضغط على الحكومة سيحقق له مطلبه المتمثل في إقالة الوالي، وكانت هذه بداية الأزمة وشعور البني عامر بأن استجابة الدولة لمثل هذه المطالب المبنية على مسوغات جهوية وعرقية فيه استهداف وتمييز عنصري ضدهم.

وتم الجلوس مع رئيس مجلس السيادة، ورئيس مجلس الوزراء، ونائب رئيس مجلس السيادة، وتم تنويرهم بأن الاستجابة لمثل هذه المطالب ستؤدي إلى احتقان قبلي في قضايا سياسية، ويجب الانتظار إلى أن تتم إقالة جميع الولاة بعد توقيع اتفاق جوبا حتى لا يُوحي بأن الدولة استجابت لمطلب الفئة التي طالبت بالإقالة استنادا لمسوغ جهوي وعنصري، ولكن فجأة ودون مبررات وبالرغم من أن الحكومة بأكملها سيتم حلها في نهاية الشهر الجاري، حسب الاتفاقية أصدر رئيس مجلس الوزراء قرارا بإقالة الوالي، وهذا القرار أدى لزيادة الاحتقان بشرق السودان وفُسّر من الحاضنة الاجتماعية للوالي (عموم قبائل البني عامر والحباب) بأنه استجابة لمطالب عنصرية، واعتبروه تمييزا عرقيا في مواجهتهم، لأن الفئة التي طالبت بالإقالة وفي مخاطبات جماهيرية رفضت تعيين الوالي مُستندة على مسوغات جهوية وعنصرية، وكان هذا سببا رئيسيا في الاحتجاجات الأخيرة في 15 تشرين الأول/ أكتوبر الجاري في مدينة كسلا، والتي راح ضحيتها سبعة من القتلى من بينهم طفل لم يتجاوز الرابعة عشر من عمره، وكان ذلك برصاص القوات النظامية بالرغم من سلمية الاحتجاج.

برأيك، ما هي الأسباب الحقيقية التي دفعت الحكومة إلى إقالة صالح عمار؟


رئيس مجلس الوزراء لم يُبين الأسباب التي جعلته يقيل الوالي في ظل الاصطفاف المجتمعي الذي أحدثته المطالبة بالإقالة المبنية على أسباب عرقية وجهوية، والتفسير الوحيد الذي ذهب إليه البني عامر هو أنه استجابة للابتزاز الذي مُورس ضد الدولة من الفئة التي طالبت بإقالته بمسوغات جهوية، وهذا القرار يحسب ضد رئيس مجلس الوزراء، وتم تفسيره من قبل الحاضنة الاجتماعية للوالي (عموم قبائل البني عامر) بأن رئيس مجلس الوزراء يؤيد ما قاله الطرف الآخر من أن الوالي وحاضنته الاجتماعية لا ينتمون لهذه الأرض، وهذا القرار زاد من حالة الغُبن والشعور بالتمييز العنصري لديهم.

قرأنا الكثير من الاتهامات في الآونة الأخيرة تتعلق بالوجود التاريخي للبني عامر والحباب بشرق السودان.. ما صحة هذه الاتهامات؟


البني عامر قبيلة موجودة بشرق السودان قبل أن يتشكل السودان بشكله الحالي وجغرافيته الحالية، وقبل أن تكون هنالك دولة تسمى السودان، وقد تكونت أول مملكة للبني عامر بشرق السودان على الساحل وامتدت شرقا حتى مصوع (إحدى مدن إريتريا)، وكان ذلك في القرن الخامس عشر الميلادي، وكانت لها علاقات وتحالف مع مملكة الفونج أو السلطنة الزرقاء، وامتد وجودهم في سواكن ووادي بركة وصولا للتاكا، وذُكر ذلك في الحوليات الإثيوبية، وقد ذكر المؤرخ "ود ضيف الله" في طبقاته سكان الشرق، ومن بينهم البني عامر والحباب.

وقد سكن البني عامر على طول ساحل البحر الأحمر بجنوب وشمال سواكن إلى سوهاج في جنوب مصر وحتى مصوع جنوبا، ويحدهم قبيلة الأرتيقا في نواحي سواكن والهدندوة بعد نهر خور بركة، ثم تكونت مملكة الحدارب ثم مملكة نقيس ثم مملكة دكين، وهي المملكة التي غزاها "الجعليون"، و"الفونج"، وقتلوا ملكها ونصبوا عليها عامر بن علي بن أبي القاسم، وذلك في العام 1580 تحت سلطة الفونج، وسُميت "مملكة بني عامر"، والتي منُح ملكها بعد تحالفه مع مملكة الفونج، والقائد كان يُسمى "دقلل"، وتعاقب على هذا الاسم تحت مسمى نظارة البني العامر ثلاثون "دقللا".

وحين أرادت الحكومة المصرية في عام 1848م إبرام اتفاقية ضرائب الأنعام (القُطعان) بينها وبين الإيطاليين كانت القبيلة الوحيدة التي أصرت على أن تكون جزءا من الاتفاقية، وأن تُحفظ حقوقها في المرعى، هي قبيلة البني عامر، وقد مثلها الشيخ حامد بك محمد، وبموجب هذا الاتفاق أُلزمت القبيلة بحماية الحدود من هجمات الحبشة، وفي التاريخ القريب فإن أول مجلس ريفي يُسمى باسم قبيلة كان مجلس ريفي البني عامر بولاية كسلا الحالية وكان ذلك في العام 1951م، وأول ضابط إداري للمجلس هو الأستاذ أحمد عبد الرحمن محمد (وزير الداخلية لاحقا في حكومة جعفر نميري بعد المصالحة).

إذاً الحديث عن الأرض وعن هوية البني عامر بشرق السودان هو حديث سياسي ولا علاقة له بالتاريخ والجغرافيا؛ فالبني عامر والحباب يحوزون أخصب الأراضي بشرق السودان وليس لديهم أي رغبة في أي أرض في حيازة مجموعات سكانية أخرى بالشرق، والذين يقودون الدعوات المتعلقة بالأرض والحيازات يستغلون ذلك لمشاريع سياسية فقط ولا علاقة لها بالتاريخ ولا بالجغرافيا.

وبالتالي هل تحولت المسألة من خلاف سياسي إلى خلاف مبني على التمييز العنصري؟


منذ ثورة كانون الأول/ ديسمبر 2019، ونسبة لهشاشة الأوضاع وضعف الدولة وعدم فرض سلطة وهيبة الدولة، انتشرت دعوات عنصرية وجهوية من فئات محدودة فتحت بابا للفتنة، حيث تم شحن البسطاء بشكل عنصري بغيض أسفر عن قتلى وجرحى وسفك للدماء لأسباب عرقية وجهوية بغيضة، وتحوّل الأمر من خلاف سياسي إلى خلاف قبلي وجهوي.

لذلك، في رأينا أن ما يحدث الآن بشرق السودان ضد البني عامر والحباب هو تمييز عرقي بغيض، في ظل غياب هيبة وسلطة الدولة لإيقاف خطاب الكراهية والعنصرية الذي يصدر من قيادات معلومة للدولة. وهذا يعتبر مؤشرا سيئا على غياب سلطة الدولة في تجريم وتوقيف من يتبنون خطاب العنصرية والكراهية على مسمع ومرأى من الجهات الرسمية، والآن تحوّل الصراع في شرق السودان إلى صراع قبلي، نتيجة لخطاب الكراهية والعنصرية والتمييز العنصري الذي يُمارس ضد البني عامر والحباب.

وكيف ترون محاولات البعض شيطنة شرق السودان؟


الذين يقودون فتنة شيطنة البني عامر والحباب لهم مآرب سياسية يمتطون من أجلها ظهر القبيلة، وهذه الشيطنة تتم بعمل ممنهج ومرتب لما تمثله المجموعة المُستهدفة (البني عامر والحباب) من ثُقل بشرق السودان باعتبارها القوة الاقتصادية الأولى بشرق السودان بحكم عملهم بالتجارة.

ويدرك الذين يتولون الشيطنة أن كثافة وثقل البني عامر والحباب في مدن شرق السودان يجعلها مُرشحا قويا ورقما صعبا لا يمكن تجاوزه في المشهد السياسي بشرق السودان، لذلك قادوا هذه الحملة لتحييد هذه الكتلة الكبيرة من العمل السياسي بشرق السودان في هذه المرحلة، عبر دعاية مُنظمة وحملة إعلامية جبارة، ولا يُستبعد وجود أياد خارجية في هذه الشيطنة من الجهات التي لديها مآرب وأهداف في ساحل البحر الأحمر والموانئ، وإذا استمر هذا الاصطفاف القبلي وهذه الفتنة التي يقودها هؤلاء العنصريون سينفجر الشرق، ولن تقوم قائمة للسودان بعدها، لأن الشرق هو المنفذ الوحيد للدولة.

كيف تنظرون لدعوات البعض في شرق السودان بإقرار حق تقرير المصير وتأسيس دولة مستقلة؟


الدعوات التي أطلقها البعض فيما يتعلق بتقرير المصير لشرق السودان وتأسيس دولة مستقلة لا تعدو أن تكون وسيلة لابتزاز الدولة، فلا يمكن لفئة وحيدة أن تطالب بتقرير المصير، وأن تفرض ذلك على سُكان شرق السودان، فهنالك مجموعات سكانية أخرى لا علاقه لها بهذه الدعوات، ولا يمكن أن تُفرض عليها من أي جهة، وهي أكثر تأثيرا وعددا من الفئة التي تطالب بهذا الأمر. إذاً هذه الدعوة لا تمثل شرق السودان ولا مُكوناته الاجتماعية، إنما تمثل الفئة التي نادت بذلك لأغراض سياسية في إطار الابتزاز السياسي للدولة.

برأيك، هل اشتعال الأوضاع شرق السودان قد ينذر بكارثة أمنية وسياسية واقتصادية تفوق آثارها تداعيات أزمة دارفور؟


إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه من دعوات عنصرية وجهوية وتمييز عرقي وغيرها من الفتن التي يقودها السياسيون ويلبسونها ثوب القبلية فإن الأمر يُنذر بكارثة أمنية وسياسية واقتصادية للسودان عامة، لأن الشرق هو بوابة السودان نحو العالم، وهو المنفذ الاقتصادي البحري الوحيد للبلاد، لذلك فإن تُرك الأمر على ما هو عليه من فوضى وجهوية وعنصرية وغياب سيادة حكم القانون سيؤدي لنهايات كارثية.

نائب رئيس مجلس السيادة، محمد حمدان دقلو (حميدتي) أكد أن مشكلة الشرق تُحل بالتراضي ومن خلال قيام المؤتمر التشاوري.. ما تعقيبكم؟


هذا أمر جيد ومطلوب، ولكن يتطلب أن نستوعب أولا المشكلة في إطارها الواقعي بعيدا عن التبسيط والتهوين فأول خطوة في ذلك هي أن تقوم الدولة برفض خطاب الكراهية والعنصرية عبر تجريم وإدانة ومُعاقبة مَن يدعون ويتبنون هذا الخطاب، وأن تعترف بأن القضية أخذت منحى قبليا خطيرا، ومعلوم أن حل أي مُشكله يتطلب أولا الاعتراف بها بعيدا عن التبسيط ووصفها بأنها خلافات سياسية، فهي الآن تمددت وأصبحت قضية مجتمع.

والمؤتمر التشاوري إن لم يتم الاتفاق على أجندته ودعواته والأوراق والقضايا التي سيُناقشها من كل مكونات الشرق فهو سيكون بابا آخر للخلافات والصراع، لاسيما وأن الطرف الآخر المُناهض لمسار الشرق يخاطب البسطاء بأنهم سيحددون في هذا المؤتمر القضايا التي ستُناقش وغيرها من الدعاوى التي تشحن الأطراف وتزيد من الاحتقان، لذلك من المُهم أن يكون المؤتمر وسيلة للوصول لاتفاق مجتمعي حول قضايا شرق السودان، وأن لا يُصبح وسيلة أخرى للاصطفاف القبلي.

بحكم منصبك السابق ككبير للمستشارين بوزارة العدل.. كيف ترى منظومة العدالة في السودان بعد الثورة؟


من الناحية الدستورية والقانونية أرى أن هناك خللا واضحا في منظومة العدالة ابتداءً من الوثيقة الدستورية التي ظهرت منها نُسختان، وذلك بإقرار وزير العدل، مما أحدث إرباكا عاما في تحديد أيهما يعتبر الوثيقة المُعتمدة.

كما أن التشريعات التي صدرت لاحقا فيها مخالفة للوثيقة الدستورية مثل قانون تفكيك نظام الثلاثين من حزيران/ يونيو 1989، وإزالة التمكين لعام 2019، والذي جاء مخالفا لمبدأ قانوني راسخ في سن التشريعات، وهو أن تكون القاعدة القانونية عامة ومُجردة، والتشريع المذكور سُنّ لأشخاص محددين ولِوقائع محددة وبِميقات سريان مُحدد، كما أن نصوصه خالفت وثيقة الحقوق والحريات المنصوص عليها بالوثيقة الدستورية الانتقالية لعام 2019.

إضافة للخلل القانوني الذي صاحب قرارات لجنة إزالة التمكين (بإقرار عضو اللجنة الأستاذ وجدي صالح)، والتي أحالت آلاف الموظفين للتقاعد دون بيان للأسباب، ودون أن تتاح لهم فرصة في سماع دفاعهم أو معرفة التهمة الموجهة لهم، ودون أن يتم الفصل في طلباتهم المقدمة أمام لجنة الاستئنافات المُشكّلة بموجب المادة  (8/1) من القانون المذكور، إذ أن هذه اللجنة لم تجتمع منذ تشكيلها، وهنالك استئنافات أمامها منذ آذار/ مارس الماضي لم تفصل فيها، وهذا لا يساعد في تحقيق العدالة ويحرم المتضررين من قرارات اللجنة من مراجعة قرارات الفصل التعسفي الصادرة في مواجهتهم دون مسوغات قانونية وإدارية على أي مستوى.

كما أن المحكمة المختصة بالنظر في الدعاوى التي ترفع ضد لجنة إزالة التمكيين لم تُشكّل منذ صدور القانون وحتى الآن، وتعطيل عمل لجنة الاستئناف يحرم المتضررين من العدالة في ظل سكوت القانون عن تحديد مدة قانونية في البت في طلبات الاستئناف.

وكذلك، النص على محكمة خاصة وعدم تشكيلها حتى الآن لا يؤخر العدالة فحسب، بل ينكرها ويقطع الطريق أمام المتضررين للوصول للعدالة وحقهم في التقاضي أمام القضاء الطبيعي، وهو مبدأ دستوري راسخ، وهذا كله يدل على اختلال ميزان العدالة والمنظومة العدلية بأكملها، إضافة إلى أن البلاد تعيش فراغا دستوريا فيما يتعلق بالمحكمة الدستورية حارسة الحقوق والحريات؛ فمنذ انتهاء أجل قضاة المحكمة الدستورية منذ سبعة أشهر أو يزيد لم يتم تعيين قضاة للمحكمة والبلاد الآن بلا محكمة دستورية، إضافة إلى الاعتقالات المطولة دون تقديم المشتبه فيهم للمحكمة، فهنالك مُتهمون لديهم أكثر من عام لم يتم إحالتهم للمحكمة ولم يتم البت في إجراءاتهم حتى الآن، مما يُشكّل مخالفة لمبدأ العدالة الناجزة.

وبشكل عام هناك اختلال كبير في العمل القانوني من حيث الإجراءات القانونية التي تتم في مواجهة المشتبه فيهم، ومن حيث حق الفرد في أن يجد محكمة دستورية يُقدم أمامها طلباته المتعلقة بحقوقه الدستورية.

التعليقات (0)