قضايا وآراء

الحرب المنسية: إثيوبيا معارك طاحنة وأزمة حقيقية

إبراهيم الصديق علي
1300x600
1300x600
(1)
في الواحدة من صباح الأربعاء (٤ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٠م) هاجمت قوة من جبهة التقراي معسكر الجيش الإثيوبي في الإقليم بمنطقة ميكللي، وتوسعت المعارك في ديشان والرويان وتصاعدت الأوضاع بشكل سريع. وكان رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد علي، قد دفع بتعزيزات عسكرية الإقليم وغرد علي حسابه في فيسبوك وكتب: "قوة من جبهة التقراي هاجمت معسكرا للجيش، للإستيلاء على أسلحة ومعدات عسكرية". وأضاف أن ذلك "تجاوز للخطوط الحمراء ولا يمكن السكوت عليه، فقد نفد الصبر". ودعا آبي الشعب الإثيوبي لـ"التآزر"، والتعامل مع الحدث بالهدوء والحذر، وفي صبيحة ذات اليوم أصدر مكتب رئيس الوزراء بيانا تفصيليا عن الأحداث وتفاصيلها..

وتداعيات الأمر جسيمة، فقد انتقل الأمر من المناورات إلى مغامرة الحرب المعلنة، وتم الدفع بقوات جديدة وتم دعوة بقية القوميات للمشاركة فيها، وخاصة قومية عفر والتي تحادد التقراي من الناحية الشرقية والأمهرا وتحاددها من ناحية الجنوب، بينما حشدت إريتريا قواتها على طول مسار نهر القاش تحسبا لأي تداعيات، وأعلنت سلطات ولاية كسلا السودانية إغلاق الحدود ومنع دخول أي مجموعات مسلحة، وتم فتح معسكرات للاجئين في منطقة ود الحليو.

وتدور المعارك الآن حول مدينة الحمرة الإثيوبية المتاخمة للحدود السودانية، مع إعلان القناة المحلية للتقراي تحليق طيران حربي كثيف في المنطقة، وييدو أن الحرب التي لم تبدأ أمس لن تنتهي بسهولة غدا..

(2)
بعد سقوط النظام الماركسي القمعي في إثيوبيا عام ١٩٩١م، وبروز نجم ميليس زيناوي، أحد رموز المقاومة الشعبية، تمددت قوة قومية التقراي وتوسعت سلطتها ونفوذها، مع أن القومية التي تقع في شمال إثيوبيا، بمساحة نحو ٤٠ ألف كم مربع، وعدد سكان لا يتجاوز ٥.٧ مليون نسمة (تمثل ٦.١ في المئة من عدد سكان إثيوبيا). وقد هيأت التوترات الأمنية مع السودان وإريتريا طيلة تسعينيات القرن الماضي فرصة لتقوية نفوذ القومية وتقوية تسليحها لتشكل حاجز صد، مع ضمان الولاء.

وبعد تولي آبي أحمد رئاسة الوزراء في آذار/ مارس ٢٠١٨م، واستقالة هايلي ديسالين، فقدت القومية نفوذها السياسي في العاصمة أديس أبابا ونشطت الدعوة الكامنة للاستقلالية في القرار أو الانفصال، والحكم الذاتي حق قرره دستور ١٩٩٤م.

لقد كان سحب جبهة التقراي لممثليها في البرلمان في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٠م، وعدم اعترافها بحكومة آبي أحمد إشارة ضمنية إلى أن الأمور بدأت تفلت وتدخل نفقا جديدا!

(3)
في أيلول/ سبتمبر ٢٠٢٠م أعلن إقليم التقراي إجراء الانتخابات، مخالفا بذلك قرار الحكومة تأجيلها عاما، واعتبرت الحكومة الفيدرالية أن ذلك تصرف غير دستوري، ولكن المراقبين أشاروا إلى أن الأمر جزء من حالة تململ عام في بعض الأقاليم من توزيع الثروة والتنمية. فقد برزت احتجاجات في الشرق وتعالت أصوات في إقليم الأورومو، وحدثت مواجهات سقط فيها مئات القتلى، وتم اعتقال العشرات من بينهم الناشط "جوهر محمد"، بينما ما زال جرح مقتل المغني "هالوسا هونديسا" غائرا لدى الأورومو..

وفي حزيران/ يونيو ٢٠٢٠م، استعرض حاكم إقليم التقراي دبري ظيون قوة عسكرية، وبزر ذلك بأنه زيادة الوعي بجائحة كورونا.

وكانت الجبهة الشعبية لتحرير التقراي، قد انسحبت في عام ٢٠١٩م من الائتلاف الحاكم (الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية) بعد أن طرح رئيس الوزراء الإثيوبي تحويلها لحزب سياسي، وإجمالا فإن الوضع ينوء بأثقال كثيرة.

(4)
حشدت إريتريا قوات كبيرة تحسبا لتداعيات الأحداث، واغلب الترجيحات بأن إريتريا ستكون في إصطفاف مع أديس أبابا، ليس تأييدا للحليف الجديد فحسب، وإنما انتقاما من مواقف جبهة التقراي ورئيس الوزراء الأسبق ميليس زيناوي، صديق النضال الذي لم يوف بوعوده مع إريتريا وزعيمها أسياس أفورقي.

وأجرى رئيس الوزراء د.عبد الله حمدوك اتصالا هاتفيا مع نظيره الإثيوبي، وتجدر الإشارة إلى أن مليشيات التقراي كانوا مصدر قلق على الحدود بين البلدين، وهناك مناوشات ومناورات وتوغل في الأراضي السودانية.

كما يُتوقع لجوء أعداد هائلة إلى السودان، وخاصة منطقة حمداييت (حدود ولايتي كسلا والقضارف).. وسبق أن اقترح الجانب الإثيوبي بناء جسر في المنطقة، وتعهد بدفع ٥٠ في المئة من التكلفة.

والأمر بخطورته هذه ليس بعيدا عن توازنات المنطقة والمصالح المتقاطعة فيها، ومع ذلك تظل حروب أفريقيا منسية دون كثير اهتمام من وسائل الإعلام، ولأكثر من سبب، منها قطع الحكومة الإثيوبية الإنترنت والقنوات الفضائية عن الإقليم، وضعف اهتمامات الإعلام الغربي والعربي بقضايا القارة الأفريقية، ووقوع الأحداث في ظل الانتخابات الأمريكية. ومع أن المعارك قد تطلق موجة هجرة بشرية جديدة، ولذلك غابت عن الشاشات وعناوين الأخبار..

الاهتمام الدولي ضعيف بالقضايا الأفريقية عموما، وقضايا الأقاليم الداخلية خصوصا، لكن قضية التقراي ستفرض معطيات جديدة، لحدودها مع السودان وإريتريا ولارتباطها بقضية سد النهضة.. قد عبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيرش عن قلقه تجاه ما يحدث. والأيام القادمة حبلى بتطورات مثيرة، تهدد استقرار المنطقة والإقليم.إث
التعليقات (0)