العودة للتنسيق الأمني بين السلطة
الفلسطينية وسلطة الاحتلال تؤكد مجدداً أن صفقة القرن، أو أي طعنة تُصيب القضية الفلسطينية، يلزمها شريك مؤثر وفاعل لتمريرها، والسلطة الفلسطينية والنظام العربي كانا خير شريك لمثل هذه الدسائس التي تحمل تهافت التأكيد من كل طرف على أحقيته في إظهار وظيفته الخادمة للمشروع الصهيوني.
فصفقة القرن والتطبيع المجاني لخدمة المحتل
الإسرائيلي على حساب الحقوق الفلسطينية، قيل عنه: طعنة في ظهر الشعب الفلسطيني، وأنه يمثل خيانة كبرى، موقف تناوبت على التمسك به الرئاسة الفلسطينية وأعضاء السلطة والمنظمة، إضافة لحالة "الهيجان" في مواقف أعلنت بها السلطة الفلسطينية رفضها "الإعلامي" للتطبيع ورفض الرضوخ لسياسة الابتزاز الصهيوني؛ بعد نقل السفارة الأمريكية للقدس والاعتراف بها عاصمة أبدية، إلى جانب مشاريع الاستيطان.
لو راجعنا الموقف الفلسطيني وحساباته للإبقاء على موقف رافض للتنسيق الأمني في ظل سياسة العدوان على الأرض والبشر، فهو لن يخسر أكثر من خسارته بالرضوخ للضغوط. على العكس، قدّم الموقف الفلسطيني الأخير بعودة
التنسيق الأمني وإعادة السفيرين الفلسطينيين إلى أبو ظبي والمنامة هدية كبرى للموقف الإسرائيلي وسياساته التي يدعي الطرف الفلسطيني رفضه لها، بدءاً من
التطبيع وسياسة الاستيطان والحصار، إلى آخر قائمة العدوان التي يكررها في كل مناسبة، والأهم أنه يضعف موقف المدافعين عن قضية الشعب الفلسطيني في المحافل الدولية والإقليمية.
بكل الأحوال، ما يميز موقف السلطة الفلسطينية الأخير، وما بنيت عليه المواقف السابقة لإظهار ورقة ضغط "أن السلطة في حلٍ من الاتفاقات"، لا يعدو أكثر من تهويش بوجه الشارع الفلسطيني، لتخفيف الضغط والاحتقان تجاه سلوك السلطة وتصاعد العدوان، ويكشف أكاذيب الحرص على بناء وحدة وجبهة فلسطينية معنية بالتصدي للسياسات الاستعمارية الصهيونية. وإننا على قناعة كما هي قناعة فريق السلطة الفلسطينية والنظام العربي وقناعة إسرائيل، بأن تلك الدعوات والمواقف تصدر عن سلطة ممارستها الميدانية والسياسية أفقدتها منذ زمن بعيد أوراق القوة التي تخلت عنها، وترمي اليوم ورقة جديدة من أوراق قوتها، وتصيب الشارع الفلسطيني بطعنة جديدة لا تقل خطورة عما أثخنت به القضية.
أن تحسم السلطة الفلسطينية أمرها بالقبول والتسليم بالعدوان وما يترتب عليه من تحالفات جديدة تتخندق ضد القضية الفلسطينية، وأن تعتمد موقفها الجديد بناء على رسالة من جهاز الأمن الإسرائيلي بأن الاحتلال متمسك بالاتفاقات؛ يتفاخر "حسين الشيخ" باستلامها، يعني أن تلبية الاستحقاق الوظيفي للسلطة لم يستنفد دوره ومهامه بعد إسرائيليا. ولا يسعنا في هذا المقام سوى تصديق مقدسات محمود عباس التي فاقت كل وصف عن تبجيله للتنسيق الأمني، والذي يعد انتصاراً "لحركة تحرر" تستخدم وسائل الطغاة والمحتلين في تزوير الوقائع.
اختلال لوحة التوازن، بالخروج الكلي عن الحقوق الثابتة والتاريخية للشعب الفلسطيني، والشكوى الشكلية التي قُدمت وقيلت عن تخاذل عربي وغير عربي لقضية فلسطين، وعن عزيمة فلسطينية شكلية الحرص لاستعادة ما تردد صداه لسنوات طويلة في أوساط الفلسطينيين، لاستعادة الوحدة لمواجهة المصير المشترك، أو استعراض العنتريات التلفزيونية بعدم الرد على ترامب وغيره.. كل ذلك بحاجة لنقاش مختلف وبعيد عن الأدوات الشكلية المحاصرة والمكبلة لجهود الشارع والمجتمع الفلسطيني، والتي تحاول السلطة الفلسطينية من خلالها تثبيت وظيفتها المركزية بصورة متنامية وخطيرة لهزيمة العداء للمشروع الصهيوني من صدور الفلسطينيين.
أسئلة كثيرة تثار يجب الوقوف عندها في ضوء الهزيمة الأخلاقية التي مني بها العقل السياسي الفلسطيني، والتفاعل معها، فإذا كان المقصود من كل ما جرى من مواقف حول إظهار ممانعة فلسطينية ضد السياسة الإسرائيلية يهدف لإثبات وجود السلطة بحالة وظيفية لا حالة صراعية، وإذا كانت المواقف الرافضة لعمليات التطبيع المجاني ودعم الاستيطان من خزائن عربية، ومواجهة الهجمة ضد الفلسطينيين، تُبرر الاصطفاف بخندق الفكر الصهيوني، فنحن أمام عملية شاملة لإعادة النظر في واقع السلطة والقضية الفلسطينية، الذي بات التعامل معها يتم بهذه الخفة والسذاجة التي تمارسها عقلية عربية وفلسطينية مفلسة وفاسدة في لوك الارتجال الكفاحي على مختلف الصعد.
ما تحاول السلطة الفلسطينية تقديمه من تجربة أوسلو عبر التنسيق الأمني المقدس لصالح إسقاط بقية المقدسات والثوابت الفلسطينية؛ أنها جزء عضوي من حاضر صفقة القرن وماضي أوسلو والباقي منه وظيفة السلطة. والرغبة في ربط خيوط التنسيق الأمني لا يمكن إغفالها، وعليه لا بد من تحديد أين توقف التنسيق الأمني بين سلطة رام الله وبين المحتل، وكيف يجب القطع معه.
ويبدو أن حقبة التنسيق الأمني والوظيفة المناطة بعمل السلطة، لن تنتهي بمراراتها حتى لو ابتلع الاستيطان ودمر العدوان كل الأرض. فالسلطة تعتبر نفسها الممسك الجيد بملف ضبط الشارع الفلسطيني، وهي الجسر الضروري مع أنظمة الطغيان والفساد، لنجاح صفقة القرن. وما عودة خيوطها إلى أبو ظبي والمنامة وتل أبيب إلا للتأكيد على المكانة والوزن والثمن الذي تنتظر قبضه من كل صفقة حتى لو كان بخساً.