قضايا وآراء

معضلة التعاطف مع إيران.. وصفة الهلاك

نزار السهلي
1300x600
1300x600

في ضوء مشهد الاغتيال الجديد للعالم الإيراني محسن فخري زاده، يوم الجمعة الماضي، وفي فترة لا بهجة فيها إلا للقاتل، وللعدو الذي يطل في كل مرحلة يكون فيها الإنسان العربي مثقلا بجرائم طاغية منشغل بترتيب كرسي الحكم وخيوطه الممتدة وتهيئة مسرح الجريمة للعدو. وعليه يُطرح تساؤل معقد في ظاهره، عن معضلة التعاطف مع الضحية المستهدفة بالاغتيال من العدو. وواضح فقدان بوصلة كان المُستهدف قد بدّل اتجاهها عشرات بل مئات المرات، وفي تسخير قوته وإمكانياته لدعم القاتل والسفاح في مدن وشوارع عربية، وفي إرسال رسائل الطمأنينة للاحتلال في كل دورة من دورات العدوان المستمر الذي يتبادله مع الطاغية والمحتل على جسد العربي.

قائمة الاغتيالات التي تستهدف شخصيات إيرانية طويلة، وأصابع اتهام إسرائيل واضحة مع دلائل المصلحة، وليست بحاجة لتمحيص وتروٍ كما هو مطلوب من "الباحث عن مكان وزمان" يرد فيه على العدو؛ أن يؤجل أمكنة وأزمنة قتل شعبه لأزمنة لا تأتي كالتي يتمتع بها المحتل من "طول سلامة" تبشره بها شعارات تدحرجت في أزقة مدن وحواري عربية؛ ظلت تصرخ حناجر شعوبها عن سلاح جيوشها ومليارات خزائنها وطاقات دولها المُسخرة لقمعها.

منذ اندلاع الثورات في العالم العربي، ووصول الثورة لمحطتها السورية النازفة دما وحطاما وأخلاقا ومواقف، تراكمت الأحداث المرتبطة مع الثورات وسالت مواقف كثيرة مع الدماء غيّرت مفاهيم وأدبيات كثيرة، خصوصا تلك التي ارتبطت تاريخيا مع الشعارات المبدئية التي تشير لحرية وكرامة الشعوب في العالم العربي، والتي كانت تساهم في بلورة مواقف على قياس تحرك الشوارع العربية وانتفاضتها المنتظرة ضد الظلم والطغيان، للبدء في المساهمة بمعركة التحرير الوطني المتصلة بالتخلص من الاحتلال الصهيوني في فلسطين.

من أهم وأكبر التحولات المرافقة لاندلاع الثورات، نمو تيار عريض في الشارع العربي مناهض لشعارات إيران وسياساتها، التي ارتبطت "بمناصرة" قضية فلسطين وقضايا العالم العربي والإسلامي. تعزيز هذا التحول كان بفضل السياسات الإيرانية الواضحة المعالم والأهداف والشعارات، التي بني على أساسها موقف طهران المناهض تماما لتطلعات الشوارع العربية، وضد الثورات في اليمن والعراق ولبنان، وسوريا التي كانت مقبرة واسعة دُفن فيها مارد شعارات "المقاومة والممانعة" وكانت سببا إضافيا لتمدد ذراع الاحتلال الإسرائيلي في العدوان على الأرض، وفي تنامي جرأة التكرار للغارات والاغتيالات، بموازاة وحشية الطاغية المحمية من طهران المنشغلة بضرب وقتل من هو فرضيا المقاوم الأول للاحتلال وللتطبيع ولمشاريع أمريكا والإمبريالية وغيرها في العالم العربي، أي الانشغال في ضرب عمق الفلسطينيين في العالم العربي وبروزها كرأس حربة للمؤامرة.

في كل مرة تُكرر إسرائيل عدوانها بالقصف على مواقع إيران في سوريا أو العراق، ويكون الرد بتدمير قرى ومدن وبلدات سورية؛ فينزف نهر التعاطف المبدئي والأخلاقي برفض سياسة العدوان من المحتل. فلا يمكن أن تقبل القتل والذبح من السكين الإيرانية وترفضها من المحتل لأن هوية القتل صهيونية فقط، مع أن سياسة القتل والعدوان هي المرفوضة مبدئيا، وسياسة الاغتيالات هي سياسة إرهاب الدولة الذي مورس على الفلسطينيين والعرب من قبل المؤسسة الصهيونية التي تتفاخر بقدرتها على تنفيذ هذا العدوان، كما يتفاخر في المقلب الآخر من يساند الطاغية وسكينه وبرميله في وأد الثورات وإزهاق أرواح الملايين، وباعتراف صريح بالوقوف ضد الإنسان وتطلعاته نحو الكرامة والحرية، وبهذا التفاخر يطمئن المحتل بعدم الرد على جرائمه.

جرائم التصفية الجسدية، والاغتيال والإخفاء القسري والخطف والتعذيب داخل السجون والمعتقلات، وجرائم الإبادة الجماعية والتهجير، لم تعد حكرا على احتلال شكلت هذه الممارسات جدران قيامه، إلى أن جاء من يحمل عنه وزر الجرائم، والرد عليها لم يكن ولن يكون في بال وبرامج أنظمة كل خططها واستراتيجياتها قائمة على ضرب الإنسان وحريته.

من قام بالرد على عدوان المحتل هو الصامد فوق أرضه ويواجه بكل بسالة إرهاب المحتل، ومن يدير دول وجمهوريات الممانعة وأنظمة توفير "الرفاه" للمحتل؛ بوصلة صواريخه ودباباته وعلمائه وبرامج النهب والتعذيب والاعتقال والسطو والترهيب تشير إلى أجساد عربية، ولم تكن لمواجهة محتل يعبث ليل نهار في عواصم أنظمة تذخر بعد كل عدوان سلاحها لتضرب به أجسادا عربية، وأخرى تجهز بعد كل عدوان غرف فنادقها ومنتجعاتها لتستريح فيها عصابات المحتل بعد كل عملية اغتيال.

انتظار ذرف الدموع من ضحايا إرهاب طاغية وعصاباته، على ضحية سقط بفعل إرهاب عدو، لا يعول عليه كثيرا في حماية الأوطان وأمنها الوطني.. مجتمعات منهكة من القمع والطغيان المسنود بوحشية، لديها بوصلة تشير دوما نحو المحتل والطاغية وحلفائهما في الخندق الواحد، حتى لا تكون معضلة الأخلاق متهما بها ضحية يستخدم تعاطفه وصفة لهلاكه حتى ينتشل جلاده من مستنقع دمه.

كل مشاريع التفوق والقوة إن لم تكن ذاتية لا يعول عليها، ولا قلق من فقدان أذرع الهلاك لمشاريع النهضة الذاتية.

 

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)