الورود التي قابلت بها
الإمارات أول طائرة
إسرائيلية حطت رحالها في بلاد الشيخ زايد رحمه الله، المعروف بعدائه التاريخي للتطبيع، كان مقابلها التحقيق والتفتيش المهين الذي نفذه الاحتلال لضيوفه من الإماراتيين. ومن يفهم عقلية
نتنياهو يدرك أن إعادة إماراتيين من مطار بن غوريون وإهانة من أراد التقاط سيلفي معه، وغيرها من القصص المشابهة، كلها مواقف مقصودة ومتعمدة، حيث يسعى الصهاينة ليثبتوا لجمهورهم المتشدد أنهم اليد العليا.
وفي المقابل، يحاول الإماراتيون - عبثا - إقناع أنفسهم غير ذلك؛ فيلتقطون الصور معهم ويقدمون تسهيلات غير مسبوقة لهم. فهذه الإمارات المتشددة في موضوع التجمعات منعا لانتشار الوباء تتساهل مع إقامة أول
حفل زفاف يهودي، رغم كسره للعدد المسموح بِه وعدم التزامه بقواعد التباعد الاجتماعي! وغير ذلك من القصص الكثير.
أكثر المواقف إيلاماً لنظام
ابن زايد كان بالمشهد المسرحي الإسرائيلي الساخر من الإمارات والمتهكم على صحرائها وعلى ارتفاع درجات الحرارة فيها، وقبله بفترة ليست بعيدة كانت القناة الثانية عشرة "الإسرائيلية"
تسخر من محمد بن زايد، ومن "اتفاق السلام" بين "إسرائيل" والإمارات بعد سنوات طويلة من "عدم القتال" أصلا، وقالت إن الإمارات خدمت مصالح "إسرائيل" لقرون!
ولا ننسى كيف سارع نتنياهو لحذف تغريدته التي قال فيها إن الإمارات دولة ديمقراطية، بعد سخرية منه وانتقادات شديدة له داخل دولة الاحتلال.
أكثر ما يثير استغراب المحللين السياسيين لدى الاحتلال في
التطبيع مع الإمارات وتحديدا في الجانب الاقتصادي: مسارعة شخصيات حاكمة وأخرى مقربة من ابن زايد لاستغلال ذلك لمصالحهم التجارية الخاصة وليس بحثا عن المصالح العليا لدولة الإمارات، ناهيك عن خلوه من أي مبادئ أو قيم مهما كانت، وإلا كيف لعاقل أن يفسر حرص أحد أفراد الأسرة الحاكمة في أبو ظبي (الشيخ حمد بن خليفة آل نهيان) على
شراء نادي "بيتار" القدس، أحد أكثر أندية دولة الاحتلال تطرفا وعنصرية، والمعروف بجمهوره الأكثر غلوا الذي يشتم رسولنا الكريم ويهتف بالموت للعرب على مدرجات التشجيع في كل مرة! بل إن اسم بيتار نفسه له دلالة تاريخية دينية عندهم.
وفي السياق، يذكر المدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة أحمد بن سلطان، الذي يفاخر بمقابلة مع قناة إسرائيلية بقيامه بزيارات مماثلة لدول الاحتلال منذ عام 2001، أي قبل أن تعلن بلاده التطبيع رسميا مع تل أبيب بتسعة عشر عاما!!
كل هذا
التماهي مع الاحتلال والتذلل لم يشفع للنظام الإماراتي أمام غطرسة نتنياهو ومن معه، حتى يحفظ لهم ماء وجههم ولا يتجبر بإهانتهم. وكانت أبرز تجليات هذه الغطرسة بقضية المماطلة والتعطيل والتأجيل والرفض ابتداء؛ ثم الموافقة بعد إلحاح في صفقة طائرات "أف 35" الأمريكية.
وقد تفاءلنا قليلا بشيء من حفظ ماء الوجه إماراتيا عندما شاع خبر سجن زائرين تابعين لدولة الاحتلال إثر قيامهما بتصوير منشأة غير مسموح بتصويرها، ولكن السلطات الرسمية في الإمارات سارعت لنفي الخبر قبل أن يحتفل به أي مطبل لها.
يأتي هذا وقد تجاوزنا فكرة انتصار النظام الرسمي في الإمارات للحق الفلسطيني "وبالناقص عنكم وعن نصرتكم لفلسطين وأهلها"، ففلسطين لها الله ثم الأحرار من أبناء هذه الأمة ومناصريها، إماراتيين وخليجيين وعربا ومسلمين ومن معهم من الشرفاء، كل ما نطلبه الآن أن يحفظ ابن زايد ومن معه قليلا من الكرامة لأنفسهم ولا "يندلقوا اندلاقا" شهوانيا على هذا الاحتلال الغاصب الذي لم ولا ولن يجتر أحد منه سوى المر والعلقم.