هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
مع مرور عام على تولي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، زمام السلطة
في البلاد، فقد بدت فترته، وفقا لمراقبين، مثقلة بالأزمات وعدم القدرة على تحقيق توافق
بين السلطة والمعارضة، وترك غيابه الأخير جراء إصابته بفيروس كورونا، حالة من
الغموض حول مستقبل البلاد.
في مثل اليوم الـ13 من كانون الثاني/ ديسمبر 2019، فاز عبد المجيد
تبون بالانتخابات الرئاسية الجزائرية، ووعد الشعب بتحقيق التغيير الذي نادى به الحراك
الشعبي، وبناء ما سمّاه "الجزائر الجديدة".
لكن الرجل الذي حملته انتخابات رئاسية قاطعها غالبية
الجزائريين، فقد ظهر على الأقل في سنته الأولى، غير قادر على الوفاء بكل وعوده، وعجز
عن استعادة الثقة المفقودة بين السلطة والمواطنين المطالبين بالتغيير الجذري.
وما زاد في تعقيد مهمة الرئيس الثامن للجزائر، ظهور
أزمات غير متوقعة، أبرزها انتشار فيروس كورونا وتعطيل الحياة الاقتصادية للبلد، ما
فاقم الأزمة الاجتماعية بفعل ارتفاع معدلات البطالة وازدياد الفقر.
مشروع الدستور
لكن الرئيس أصرّ رغم هذه الظروف، على طرح مشروع تعديل
الدستور والوصول به إلى محطة الاستفتاء الأخيرة، معتبرا أنه وسيلة العبور نحو
"الجزائر الجديدة" وأساس الإصلاحات التي وعد بها.
غير أن هذا الاستفتاء، وعكس ما كانت تراهن عليه السلطة،
شهد عزوف الجزائريين عن المشاركة فيه، إذ لم تبلغ نسبة المشاركة سوى 23 بالمئة، ما
جعل الدستور بدون مظلة الإجماع، رغم أن أغلبية المنتخبين صوتوا لصالحه.
ورفض قطاع واسع من السياسيين الانخراط في مسار تعديل
الدستور، وتزامن الاستفتاء مع غياب الرئيس عن الدعاية الانتخابية له.
اقرأ أيضا: أول ظهور لتبون بعد أزمة صحية.. هذا ما قاله عن التطبيع (شاهد)
ويبقى مشروع الدستور إلى اليوم معلقا، بفعل غياب
رئيس الجمهورية، صاحب الصلاحية بالتوقيع عليه وإصداره رسميا، وسط دعوات متواصلة بإلغاء
نتيجة الاستفتاء، والبحث عن توافقات جديدة لكتابة دستور يحقق الإجماع.
ومع مرور شهر ونصف على انتقال تبون للعلاج في ألمانيا
جراء إصابته بفيروس كورونا، شكّل غياب رئيس الجمهورية مصدرا للقلق، حتى ظهوره أخيرا
بفيديو مسجل وهو يطمئن الجزائريين على قرب عودته.
نظرة متفاوتة للحصيلة
وفي اعتقاد ناصر حمدادوش، العضو القيادي في حركة
مجتمع السلم، أن السنة الأولى لتبون كانت "خالية من إنجازات حقيقية تكافئ حجم
الوعود وطموحات الشعب، وخاصة مع الإخفاق في مراجعة الدستور، والذي استهلك حوالي 10
أشهر، ما عمق الأزمة حول النظام الدستوري بالبلاد".
وأوضح حمدادوش في حديث لـ"عربي 21"، أن
أزمة كورونا وأزمة الدستور والأزمة الصحية للرئيس، هزّت كذلك الثقة في تحقيق وعود رئاسية
أخرى، وعلى رأسها الانتخابات التشريعية والمحلية، حيث تراجع الحديث عنها، ولا أفق سياسيا أو قانونيا يشجع عليها ويطمئن السلطة على نتائجها لصالحها.
وما يلمسه حمدادوش أيضا، هو "ضعف تشكيلة الحكومة ومخططها، وبروز مؤشرات الإخفاق من خلال العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات
وعجز الخزينة العمومية وعجز ميزانية الدولة، ومؤشرات الاقتصاد الكلي المتمثلة في نسب
التضخم والبطالة والنمو وانهيار قيمة الدينار الجزائري والقدرة الشرائية للمواطن وغيرها".
وما يرصده أيضا النائب في البرلمان هو "التراجع
الدراماتيكي للدبلوماسية الجزائرية، وخسارة الدور الجزائري المهم في الملفات الإقليمية
المعنية بها، مثل الملف الليبي والمالي"، وفق وجهة نظره.
ومع ذلك، فإن حمدادوش، يعتقد بأن ما قد يشفع لتبون هو
"الثبات على المواقف التاريخية للجزائر في القضية الفلسطينية ومقاومة الهرولة
نحو التطبيع، والثبات على الموقف الدبلوماسي تجاه قضية الصحراء الغربية".
أما من جانب أنصار الرئيس، فيعتقدون أن أهم مكسب تحقق في عهده هو "العودة
للشرعية الدستورية والقانونية التي افتقدت بعد استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة".
وفي هذا الصدد، كتبت وكالة الأنباء الجزائرية الرسمية
تحليلا يقول إن "الانتخابات قد جنبت الجزائر مراحل انتقالية، فالرئيس عبد المجيد
تبون قد أعلن فور انتخابه عن إصلاحات عميقة من خلال مد يده للحراك المبارك".
وأشارت إلى أن الجزائر، رغم أنها "حزنت لفقدان قائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح،
غير أن انتخاب الرئيس تبون كان بمثابة منعرج حاسم كان لزاما على البلاد المرور به حتى
لا تدخل في دوامة اللاإستقرار".
"الظروف لم تساعد"
غير أن هناك من يلتمس الأعذار لهذه الفترة، بسبب
اجتماع عدة عوامل جعلت من المستحيل على الرئيس القيام ببعض الإنجازات مثلما كان يعد
بذلك في حملته الانتخابية.
ويقول رابح لونيسي أستاذ العلوم السياسية بجامعة
وهران، إنه من غير المعقول الحكم على سنة عرفت
جمودا في كل شيء على المستوى العالمي بسبب انتشار وباء كوفيد-19 الذي عجزت حتى دول كبرى
عن مواجهته.
اقرأ أيضا: الجزائر: هناك من يريد وضع "الكيان الصهيوني" قرب حدودنا
ويشير لونيسي في حديثه لـ"عربي21"، إلى
أن تبون قبل ظهور الوباء قد أظهر نوايا حسنة من أجل "تحقيق بعض أهداف الحراك،
إلا أن البعض يعتقد أن هذا التغيير يجب أن يتحقق بين ليلة وضحاها، وهذا في الواقع جهل
بالواقع والوضع الكارثي الذي وجده عند توليه السلطة".
ويعتقد لونيسي أن تبون "اصطدم بلوبيات وجماعات
مصالح عملت كل ما بوسعها لعرقلته، وقد اشتكي من ذلك كثيرا، لدرجة تعطيل بعض الأوامر
التي وجهها، وهذا ما يُبين أن هناك ألغاما تركها الرئيس السابق يجب تفكيكها بذكاء وحذر
كي لا تنفجر في وجوهنا جميعا".
من جانب آخر، يضيف لونيسي أن الحراك ذاته أو جزء
منه لم يفهم تبون ولم يقرأ التحولات السياسية التي وقعت بعد توليه السلطة ووفاة قايد
صالح، فبدل مساعدته قام هؤلاء الحراكيون بعرقلته ومساعدة الأطراف المناوئة له داخل
النظام الذي يهدد مصالحها، والتي ترفض إحداث أي تغيير، وفقا لوجهة نظره.
دعوات الحوار
وفي ظل الواقع الحالي، باتت تنادي عدة أحزاب من المعارضة،
إلى تدارك الوضع الحالي وبدء حوار حقيقي يساعد على تحقيق الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وطالبت أحزاب من تيارات مختلفة كجبهة القوى الاشتراكية
والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية وحركة مجتمع السلم وغيرها، إلى إطلاق حوار يساعد
على تجاوز ما يصفونها بـ"حالة الانسداد" بالبلاد.