هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "ميزان
السّلم و الحرب.. دراسة مقارنة لمفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان ووثائق
الأمم المتحدة"
الكاتب: الدكتور
الأرقم الزعبي
الناشر: الهيئة
العامة السورية للكتاب، دمشق، الطبعة الأولى 2020.
(327 صفحة من
القطع الكبير).
يواصل الكاتب
والباحث التونسي توفيق المديني استعراض مفهومي الحرب والسلام في التاريخ والأديان،
من خلال قراءة كتاب "ميزان السّلم و الحرب.. دراسة مقارنة لمفهوم السلم
والحرب في التاريخ والأديان ووثائق الأمم المتحدة" للكاتب السوري الدكتور
الأرقم الزعبي، والصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب مطلع العام الجاري.
وبعد استعراض
رؤية الحضارات القديمة والديانة اليهودية لمفهومي الحرب والسلم، يستعرض اليوم رؤية
المسيحية والإسلام لذات المفاهيم.
المسيحية وقضية
السلم والحرب
في الفصل الأول
درس الباحث الأرقم الزعبي مفهوم اليهودية لقضية السلم والحرب من منطوق العهد
القديم، والقواميس المساعدة لفهمه.. وانتهى إلى خلاصة مفادها أن اليهودية ركزت على
تحقيق الرغبات المادية البحتة لمعتنقيها.. بعيداً عن مسألة أثر تحقيق الرغبات في
الغير.. ومردّ ذلك الاستناد إلى نصوص (توراتية = الشريعة = القانون = الناموس) ـ
التي ميزت بني إسرائيل وأفرزتهم عن الشعوب الأخرى، وجعلت من الأرض كل الأرض ملكاً
لهذا الشعب، والشعوب الأخرى نزلاء وغرباء عند اليهود عليهم أن يدفعوا
العشوروالجزية ثمن إقامتهم.. لأنهم أساؤوا لشعب الرب ـ بني إسرائيل ـ والرب سمع
أنين هذا الشعب ورأى مشقتهم وتعبهم وضيفهم فأيدهم بيد شديدة وملك كبير وعجاب
وأعطاهم "أرضاً تفيض لبناً وعسلاً" تثنية (26/9).
أمَّا في مرحلة
المسيحية السمحاء، فقد كانت تركز على تهذيب الروح على حساب الغرائز المادية البحتة
للإنسان. من هنا فإن الناموس الموسوي ركز على الجسد في حين ركز الناموس المسيحي ـ
الأناجيل ـ على الحياة والروح وشفافية النفس وبناء مملكة ليست في هذه الأرض..
"أما الروح فنشيط وأما الجسد فضعيف" .
يقول الباحث
الأرقم الزعبي: "ومن هنا لا بد من الإشارة إلى قضية جد هامة، وهي أنه لا يوجد
في الأناجيل مادة غنية لكتابة عنوان فصلنا هذا، ولاسيما ما يتعلق بالحرب على النحو
الذي فصلنا في الفصل الأول.. كوننا التزمنا بدراسة قضية السلم والحرب في الأديان
من واقع ما هو مدون في الكتب السماوية الثلاثة وتركنا الممارسات التي مارسها
معتنقو هذه الأديان جانباً لأنها قد لا تمثل جوهر هذه الكتب السماوية.. ونشير إلى
أنه في سبيل توسيع دارة البحث سنحاول أن نتطرق إلى الآراء التي مثلت رأي الكنيسة
خلال فترة معينة بقضية السلم والحرب، ولكنها تتعارض مع جوهر النصوص الإنجيلية ـ وما
أكثرها ـ والتي دفعتها القضايا السياسية والواقعية ولاسيما بعد عام 1500م إلى
الاعتراف بأن الحرب وإشاعات الحروب والتسليح والقوة جميعها هي جزء حيوي هام من
نظام العالم الحالي.. لا بد من إعادة الأبحاث اللاهوتية لتبرير وإعطائه مسحة من
القداسة"(ص 58 من الكتاب).
أسباب الحرب في
الإسلام
في التعريف
والتحديد، يميز الباحث الأرقم الزعبي،بين مصطلحين أساسيين للبحث.. الأول هو الحرب،
والثاني الجهاد. فالحرب في اللغة تعني السلب وقد سمي كل سلب حرباً، وليس بالضرورة
أن تكون الحرب قائمة على وجهة حق مثل صراع دولتين على نفوذ في دولة ثالثة ليس لهما
الحق أصلاً بها.. والحرب المقاتلة والمنازعة..
وفي تعريف الحرب
كتب صاحب تفسير المنار مايلي: ".. المحاربة مفاعلة من الحرب.. والأصل في معنى
كلمة الحرب التعدي وسلب المال.. وإزالة الأمن.. وقد جعل الفقهاء كتاب المحاربة..
غير كتاب الجهاد والقتال"..
أما الجهاد
فالأصل ألا يعلن إلا من منطق عادل ـ كما سنبين ـ وكلمة جهاد مرتبطة دوماً في
القرآن الكريم بعبارة "في سبيل الله" وحاشى أن تكون "سبل
الله" غير عادلة كالسلب والنهب والسيطرة على أرض الغير وقهر الإرادة والتحكم
باقتصاد الغير، أو أياً من الأسباب التي تندرج اليوم وفق تعريف هيئة الأمم المتحدة
للعدوان..، ولا يجوز إعلان الجهاد إلا لإعلاء كلمة الحق، وبوسائل مشروعة أيضاً،
وقد عد البعض أن مصطلح الجهاد قد ظهر مع ظهور الإسلام تمييزاً من معنى كلمة الحرب.
وفي هذا المجال
كتب "ظافر القاسمي" في كتابه (الجهاد و الحقوق الدولية العامة في
الإسلام، دار العلم للملايين بيروت ـ 1982،0ص86)، يقول:"الجهاد ـ كما رأيت ـ
لفظ إسلامي فما أعرف أنه ورد في أي نص جاهلي لا بمعنى الحرب ولا بمعنى القتال، ولا
بغيرهما.. الجهاد لفظ ديني خالص، لا يستعمل إلا إذا كانت الشروط الواردة في
الشريعة قد استوفيت حتى تكون الحرب مشروعة، فعندئذ تكون الحرب جهاداً.. وإذا لم
تستجمع الحرب الشروط الشرعية، فليست جهاداً، ولكنها حرب".
يقول الباحث
الأرقم الزعبي حول مشروعية الحرب في الإسلام: "بما أن الحرب في الإسلام أمر
"مشروع: على قاعدة أسباب واضحة ومحدودة لكون الإسلام دين حق، وهذا الحق يكمن
في دعوة الإسلام إلى خير الإنسانية.. فمن الطبيعي أن تصطدم هذه الدعوة مع دعوات
أخرى قد تكون شريرة أو جاهلة لجوهر الإسلام.. فكان لا بد من إذن من المشرع
للمسلمين بمحاربة هذه الدعوات بالسيف كنتيجة نهائية للصراع، بين ما هو خير أو شر
للإنسانية، ونفاد كل الطرق الأخرى التي تدرأ مسألة الوصول إلى الحرب المباشرة..
وعليه لا بد من وجود أسباب وضوابط شديدة جداً لمسألة الحرب في الإسلام لأن الحرب
في الإسلام رغم كونها مشروعة مضبوطة الإيقاع محكمة الأسباب..ولكنها
مكروهة.."(ص98 من الكتاب).
لا إكراه في
الدين
تعدُّ مسألة فرض
الدين بالإكراه مسألة تتبرأ منها الديانات السماوية الثلاث: اليهودية، والمسيحية،
والإسلام. إنَّ ظاهرة الإكراه في الدين في الإسلام ظاهرة سياسية، وفي هذا المضمار
يقول صاحب تفسير المنار:"كان معهودًا
عن بعض الملل.. حمل الناس على الدخول في دينهم بالإكراه، وهذه المسألة ألصق بالسياسة
منها بالدين، لأنَّ الإيمان هو أصل الدين، وهو عبارة عن إذعان النفس، و يستحيل أن
يكون الإذعان بالإلزام و الإكراه.. و إنما يكون بالبيان و البرهان".
ولذلك قال الله تعالى في محكم التنزيل:
(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ
يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ
الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) وورد في سبب نزول تلك
الآية أنّ نساء الأنصار كنّ إذا لم يعش لهنّ ولد يحلفن بالله أن يجعلنه يهودياً
إذا كُتبت له الحياة، وحينما أجلى النبي عليه الصلاة والسلام يهود بني النضير على
المدينة كان من بينهم عددٌ من أبناء الأنصار الذين تهوّدوا، فنزل قوله تعالى: (لَا
إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، ومعناها كما ذكر سعيد بن جبير أنّ من شاء من هؤلاء
الدخول في الإسلام دخل فيه، ومن شاء أن يذهب مع اليهود ذهب معهم. وذكر السُديّ
ومسروق أنّ هذه الآية نزلت في رجلٍ من الأنصار يكنى بأبي الحصين، حيث تنصّر ابناه
بعد أن التقيا تجاراً نصارى من الشام في المدينة، فحاول أبوهما اللحاق بهما، وقيل
إنّه حاول أن يجبرهما على العودة إلى الإسلام فنهاه النبي عليه الصلاة والسلام عن
ذلك، ونزل فيهم قوله تعالى: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).
بيَّن الباحث
الأرقم الزعبي، أن الأصل في نشر الإسلام هو الدعوة بالإقناع لا بالإكراه وعندما
يمنع حكام غير مسلمين نشر الإسلام بالطرق السلمية وتحقيق حرية الاختيار يجب إعلان
الجهاد لإقصائهم واصطلح على تسمية هذه العملية بالفتح، وليس المقصود بعملية الفتح
الاحتلال وقهر الشعوب غير المسلمة، بل فتح قلوبهم للإسلام، (الفتح: هو آخر الطرق
المشروعة في الإسلام، وقد كان ذلك سائداً عند مختلف الأمم، غير أن الفتوحات
الإسلامية لم تكن حروباً دينية تهدف القضاء على الدين المخالف.. ولم تكن أيضاً من
أجل مطمع اقتصادي أو إشباع رغبة السيطرة والاستعلاء، وبسط النفوذ أو الاستعمار
وإنما من أجل سيادة المبادئ والمثل العليا، ومع ذلك فدون إكراه..).
يقول الباحث
الأرقم الزعبي: "وبعد أن يفتح المسلمون البلاد التي يمنع حكامها نشر
الإسلام.. يخير أهلها بين أمرين إما البقاء على دينهم وإما الدخول في الإسلام..
فإذا دخل بعض من أهل تلك البلاد في الإسلام كان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على
المسلمين، وأما إذا لم يجد الباقون في الإسلام ما يناسبهم ويجعلهم يغيرون دينهم
فيحق لهم البقاء على دينهم مثل النصارى واليهود. وهم ما اصطلح على تسميتهم
بـ"أهل الذمة" وممن يقيمون في بلاد المسلمين، والذمة في اللغة الأمان
والعهد. ولكن مقابل بقائهم على دينهم تفرض عليهم الجزية لقوله تعالى: (قاتلوا
الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون
دين الحق من الذين أوتوا الكتاب، حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) "التوبة:
29"، (ص 113 من الكتاب).
إقرأ أيضا: مفهوم السلم والحرب في التاريخ والأديان وعلاقات الدول (1من3)