كتب

هل هناك علاقة بين الدين والعنف؟ كتاب يجيب

وليام ت. كافانو: أسطورة العنف الديني خاطئة (تويتر)
وليام ت. كافانو: أسطورة العنف الديني خاطئة (تويتر)

الكتاب: أسطورة العنف الديني: الأيديولوجيا العلمانية وجذور الصراع الحديث
المؤلف: وليام ت. كافانو
الناشر: الشبكة العربية للأبحاث والنشر بالتعاون مع مدارات للأبحاث والنشر ـ القاهرة 2017

صدر عن الشبكة العربية للأبحاث والنشر بالتعاون مع مدارات للأبحاث والنشر ـ القاهرة، كتاب "أسطورة العنف الديني: الأيديولوجيا العلمانية وجذور الصراع الحديث"، لأستاذ الدراسات الكاثوليكية في جامعة دي بول بولاية شيكاغو الأمريكية، وليام ت. كافانو، نقله إلى العربية، أسامة غاوجي، ط1، 2017. 

يقع الكتاب في 383 صفحة من الحجم المتوسط، ويتألف الكتاب من مقدمة، وأربعة فصول.

ينتقد كافانو في كتابه التفسير الجوهراني للدين بأنه يمتلك نزوعاً أصلياً لإنتاج العنف: "تُستخدم أسطورة العنف الديني لقولبة الأنظمة الاجتماعية غير العلمانية، بالأخصّ المجتمعات المسلمة، في قالب (الشرير)" (ص 8). ويذهب كافانو إلى أن الدولة القومية الليبرالية تريد ترسيخ مفهوم "إنّ عنفهم غير عقلانيّ ومتعصّب. أما عنفنا العلماني فهو عنف عقلاني، يسعى للسلام، وهو مع الأسف عنف ضروري لاحتواء عنفهم. إننا نجد أنفسنا مُجبرين على تفجيرهم ليصبحوا ديمقراطيين ليبراليين!" (ص 8)..
 
تشريح الأسطورة

في الفصل الأول، يتفحص المؤلف حجج تسعة من أبرز الأكاديميين المؤيدين لفكرة أن الدين بشكل شبه حصري ينزع نحو العنف. تتوزع الأمثلة عبرعدّة حقول علميّة وتقدم تفسيرات متنوعة لسبب نزوع الدين نحو العنف: الدين إطلاقيّ، والدين انقسامي، والدين غير عقلاني. 

تعاني جميع هذه المقولات من نفس الخلل: عدم القدرة على إيجاد طريقة مقنعة للفصل أو التمييز بين العنف الديني والعنف العلماني؛ فجميع الحجج التي تفحصتها تعاني من تناقضات داخلية، وتفترض معظمها وجود جوهر ثابت للدين، ومن ثم فبالإمكان فصل الدين عن الظواهر العلمانية اعتمادًا على طبيعة الاعتقاد الديني. 

 

التمييز أصلاً بين العنف العلماني والعنف الديني ليس مفيداً على الإطلاق، بل هو مضلل وخادع، وينبغي تجنبه تماماً

 



لقد أظهرت كيف أن هذا التمييز ينهار تلقائياً في تحليلات جميع المؤلفين. بعض المؤلفين يناقشون ـ بسبب رؤيتهم للتناقضات المنطوية داخل المفاهيم الجوهرانية للدين ـ استعمال مفهوم وظيفي للدين، ومن ثم فإنهم يوسّعون مفهوم الدين ليضم الأيديولوجيات والممارسات التي يطلق عليها عادة علمانية، كالقومية والاستهلاكية. نتيجة لذلك، يغطّى مفهوم الدين عملياً كل ما يقوم به البشر لإسباغ المعنى والنظام على حياتهم. في أعمال هؤلاء العلماء، يصبح مفهوم الدين فضفاضاً إلى درجة أنه لا يخدم أية أهداف تحليلية.
 
يُخطئ المؤلف المفكرين حين يحاولون أن يؤسسوا حججهم حول الدين في ذاته. لا يتعلق الأمر فقط بالقول إن العنف العلماني لا بد أن يحظى بالانتباه نفسه الذي يحظى به نظيره الدينيّ، وإنما بالقول إن "التمييز أصلاً بين العنف العلماني والعنف الديني ليس مفيداً على الإطلاق، بل هو مضلل وخادع، وينبغي تجنبه تماماً" (ص 87)

اختراع الدين

يقدم المؤلف في الفصل الثاني تفحصًا جينالوجيًا لمفهوم الدين، معتمدًا على الأعمال المتزايدة حول الكيفية التي تمّ بها تشكيل المفهوم في أمكنة وأزمنة مختلفة للسلطة. 

إن المزاعم المختلفة حول العنف الديني تقوم على فكرة أن الدين يحافظ على ذات الجوهر عبر الزمان والجغرافيا، وأنه نظرياً على الأقل منفصل ومتمايز عن الوقائع العلمانية؛ أي المؤسسات السياسية على سبيل المثال. 

يقدم كافانو الدلائل على استنتاجين: الاستنتاج الأول هو أنه لا وجود لهذا "الدين" العابر للتاريخ والثقافة والمنفصل جوهرياً عن السياسة، لكل دين تاريخه، وما يتم اعتباره أو لا يتم اعتباره جزءًا من الدين في أيّ سياق من السياقات أمر يعتمد على الترتيبات المختلفة للسلطة والقوة. أما الاستنتاج الثاني فهو أن محاولة القول بأن ثمة مفهوماً عابراً للتاريخ والثقافة، للدين وهو منفصل عن الظاهرة العلمانية هو بحد ذاته جزء من ترتيبات معينة للسلطة، المتعلقة بالدولة القومية الليبرالية الحديثة كما تطورت في الغرب.

في هذا السياق، تم التأسيس للدين باعتباره أمرًا عابرًا للتاريخ والثقافة، وباعتباره شأناً داخلياً وشخصياً منفصلاً بطبيعته عن الشأن العام والعقلانية العلمانية؛ فقد ساهم تأسيس المسيحية كدين في فصل ولاء الفرد للرب عن ولائه في الحيّز العام للدولة القومية. والفكرة القائلة بأن للدين نزوعًا للعنف ـ ومن ثم ينبغي أن يُقصى من المجال العام ـ هي أحد أشكال التأسيس الجوهراني للدين. 

 

إن المزاعم المختلفة حول العنف الديني تقوم على فكرة أن الدين يحافظ على ذات الجوهر عبر الزمان والجغرافيا، وأنه نظرياً على الأقل منفصل ومتمايز عن الوقائع العلمانية؛ أي المؤسسات السياسية على سبيل المثال.

 



ينقسم الفصل الثاني إلى خمسة أقسام. في أول قسمين أظهر بأن الدين ليس مفهوماً عابراً للتاريخ. في القسم الأول أستعرض التاريخ القديم والوسيط للمصطلح القروسطي religio؛ أما في القسم الثاني فاستعرض تاريخ ابتكار مفهوم "الدين Religion" في الغرب الحديث من قبل عدّة شخصيات كنيقولاس الكوزارني Nicholas of Cusa، ومارسيلو فيسينو Marsillo Ficino، وهربرت من شيربوري Herbert of Cherbury، وجون لوك. 

في القسم الثالث، اقتبس من أعمال ديفيد شيدستر David Chidester، إس. إن. بالاجانجادهار S.N. Balagangadhara، وتيموثي فيتزجيرالد Timothy Fitzgerald، وتوموكو ماسوزاوا Tomoko Masuzawa، وآخرين، لإظهار بأن الدين ليس مفهوماً عابراً للثقافة، وإنما تمت استعارته أو فرضه من الغربيين على بقية العالم في أثناء المرحلة الاستعمارية. 

في القسم الرابع، أظهر بأن التقسيم الديني ـ العلماني لا يزال قضية جدلية وخلافية بدرجة كبيرة حتى في الغرب الحديث. في القسم الخامس، استخلص بعد النقاش بأن ما يتم اعتباره دينياً أو علمانياً يعتمد على ما يتم تشريعه ىوالترخيص له قانونياً من ممارسات. لابد من تفحص الفكرة القائلة بأن للدين نزوعاً خاصاً نحو العنف، باعتبارها جزءاً من الشرعية الأيديولوجية للدولة القومية الغربية.  

الحروب الدينية كأسطورة

يتفحص كافانو في الفصل الثالث، واحداً من أبرز الأمثلة التي يتم الاستشهاد بها تاريخياً على العنف الديني: "الحروب الدينية" في القرنين السادس عشر والسابع عشر في أوروبا؛ فقصة هذه الحروب تعمل كنوع من الأسطورة المؤسسة للدولة الحديثة، يسميها كافانو "أسطورة الخلق الخاصة بالحداثة" (ص193). 

يُظهر كافانو في القسم الأول من الفصل الثالث كيف تمت رواية قصة الحروب الدينية من قبل المفكريين الحداثيين الأوائل أمثال هوبز، ولوك، وروسو، ومن قبل المنظرين السياسيين المعاصرين أمثال جوديث شكلار، وجون رولز، وفرانسيس فوكوياما. يلاحظ المؤلف، أن جميع الشخصيات تتفق "بأن انتقال السلطة من الكنيسة للدولة كان هو الحل للحروب الدينية، ويختلفون في أيّ نوع من الدولة كان هو الحل (...) وأصبحت الدولة الليبرالية هي بطلة القصة، والتي حظرت الدين من المجال العام" (ص 222).

يقوم المؤلف في قسم لاحق من الفصل الثالث؛ بتجزئة أسطورة الحروب الدينية إلى أربعة مكونات، لإظهار أن كل واحد منها مضلل تاريخياً وغير دقيق. فأولاً: إن الخلافات الدينية هي السبب الأول للعنف، وهذا يقتضي الافتراض بأن يقاتل البروتستانتي الكاثوليكي أو العكس، ولا يمكن أن نتصور وفق سردية الرواية أن يكون القتال بين جماعات المذهب الديني الواحد. 

ثانيًا: كان السبب الرئيس للحروب. ثالثًا: يجب أن تكون هذه الأسباب الدينية منفصلة تمامًا عن الأسباب الأخرى حتى تصح الرواية وتكون معقولة. رابعًا: إن صعود الدولة الحديثة كان حلاًّ لمعضلة العنف الديني. ثم يتفحص الكاتب هذه المكونات ليستخلص أنها لا تصمد أمام الفحص التاريخي.

استعمال أسطورة العنف الديني

في القسم الأول من الفصل الرابع، يتتبع المؤلف استعمال أسطورة العنف الديني في نقاشات المحكمة العليا للولايات المتحدة منذ أربعينيات القرن المنصرم. بدأ شبح العنف الديني يُستحضر في قضية تلو أخرى بما فيها بند الدين المندرج في التعديل الأول للدستور، كما تحركت المحكمة لحظر الصلاة في المدارس، ومنع مساعدات الدولة عن المدارس الكنسية، ومنع المظاهر الدينية في المباني الحكومية، إضافة إلى حظر مجموعة أخرى من الممارسات كذلك. وبحسب كافانو أن توظيف أسطورة العنف الديني "لم يكن استجابة لحقائق إمبريقية بقدر ما كان سردية مفيدة تم إنتاجها واستعمالها للمساعدة في إنتاج إجماع حول جملة من المتغيرات في النظام الأمريكي" (ص310).

يحلل المؤلف في القسمين التاليين من الفصل الرابع، كيف ساهمت أسطورة العنف الديني في تأسيس الآخر غير الغربي وفي شرعنة العنف ضده؛ وبحسب كافانو، "إن هذا صحيح اليوم بدرجة كبيرة فيما يتعلق بالمجتمعات المسلمة، حيث يُقال دوماً بأن المجتمعات المسلمة تنزع على وجه الخصوص إلى العنف، وتحديداً لأنها لم تتعلم فصل الدين العنيف بطبيعته عن السياسة. 

إن أسطورة العنف الديني هي شكل من أشكال لخطاب الاستشراقي الذي يساعد في تعزيز الثنائية بين الغرب العقلاني والآخر، الثقافات الأكثر جهلاً ـ المسلمين خاصة ـ والأكثر تخلفاً" (ص 311). ولعل من أسوأ توابع هذه النظرة تبرير التدخل في القضايا والشؤون الخاصة للدول الإسلامية، واستعمارها، "لن يتحقق السلام إلا عندما تتجذّر نعمة الديمقراطية الليبرالية في العالم الإسلامي. وكما هي الحال في العراق وأفغانستان، فإن الحرب ضرورية لدفع هذه العملية إلى الأمام"(ص 333). 

يسرد المؤلف قائمة طويلة من الأفعال الإمبريالية التي تمارس على العالم الإسلامي، كـ"الاحتلال والاستيطان الإسرائيلي، احتلال أمريكا للعراق (...) وسجن أبو غريب، وشركات هاليبرتون، وتسليم السجناء إلى دول تمارس التعذيب" (ص 341). 

الخلاصة إن "أسطورة العنف الديني خاطئة" (ص 361).

 

*كاتب فلسطيني

التعليقات (1)
احمد
السبت، 09-01-2021 05:56 م
هو كتاب رائع انصح به وهو متوفر في عده مواقع للتحميل المجاني .. شكرا لكم