قضايا وآراء

حكومة تويتر العالمية العظمى

قطب العربي
1300x600
1300x600
أعتبر نفسي واحدا من أبسط مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي وبالذات تويتر وفيسبوك، ولكن بعد ما حدث في الأزمة السياسية الأمريكية الأخيرة فقد أرعبتني كثيرا قوة هذه المنصات.

لقد كشفت الأزمة قوة المؤسسات الديمقراطية الأمريكية ونجاحها في التصدي لبلطجة ترامب وأنصاره، لكنها كشفت في الوقت نفسه تغول وسائل التواصل الاجتماعي، وتفوقها على كل المؤسسات التقليدية، وقدرتها على كسر أنف ترامب. هذا الدور أسعد الكثيرين بحكم كراهيتهم لبلطجة ترامب وأنصاره حيث تصدر وسم Thank you twitter وكذلك وسم Trump Banned (شكرا تويتر، وحظر ترامب)، قائمة أعلى الوسوم على تويتر بعد أن أوقفت المنصة نهائيا حسابه الشخصي الذي كان يمثل منبره الإعلامي الرئيسي للتواصل مع العالم، ولم يستطع رئيس أقوى دولة في العالم أن يفعل شيئا سوى الاستسلام لقرار تويتر فليس لديه بديل آخر.

لا يمكن إنكار دور وسائل التواصل الاجتماعي خصوصا فيسبوك وتويتر في كسر التعتيم الإعلامي، وتوفير منصات للشعوب المقهورة للتعبير عن رأيها في ظل قمع سياسي وإعلامي، واحتكار للمعلومات من قبل حكوماتها، ولا يمكن إنكار دور وسائل التواصل في إشعال ثورات الربيع العربي، وتوفير منصات لقوى التغيير لترتيب فعالياتها واجتماعاتها وتوصيل أصواتها، ولا يمكن إنكار دور وسائل التواصل في تعزيز العلاقات الاجتماعية في ربوع العام، وتوفير منصات للعائلات والأصدقاء، وزملاء العمل وأصحاب المهن الواحدة للتواصل بسهولة، ودون تكاليف تذكر كما كان الوضع قديما، فالآن يمكن عقد مؤتمر دولي بمشاركات من قارات العالم الست دون الحاجة للسفر وحجز فنادق وسيارات.. الخ، ولا يمكن إنكار دور هذه الوسائل في تخفيف الغربة عن المغتربين وذويهم، فالتواصل المرئي يتم يوميا ليطمئن الأهل والأقارب والأصدقاء، وليدير المدير موظفيه ورجل الأعمال استثماراته عن بعد، بل أصبحت الكثير من العمليات الجراحية تتم عن بعد بفضل هذا التطور الرقمي.

لا يمكن التغاضي عن تغول وسائل التواصل الاجتماعي وتحكمها شيئا فشيئا في إدارة العالم بعيدا عن الحكومات المنتخبة أو غير المنتخبة، ووضع قواعد تطبقها على الكبير والصغير
ولكن لا يمكن التغاضي عن تغول وسائل التواصل الاجتماعي وتحكمها شيئا فشيئا في إدارة العالم بعيدا عن الحكومات المنتخبة أو غير المنتخبة، ووضع قواعد تطبقها على الكبير والصغير، ليس العيب في وضع قواعد بل هذا أمر مطلوب، ولكن مطلوب أن تكون عادلة، ومحل قبول عام، ونتيجة حوار مجتمعي عالمي وليست من صنع بضع أفراد يسيطرون على بضع شركات تمتلك وسائل التواصل، فتحرم ما تشاء وتبيح ما تشاء ولا يملك الناس تجاهها شيئا.

هل من المعقول أن تفرض علينا تلك الوسائل، خصوصا تويتر وفيسبوك، مشروعا استعماريا اسمه إسرائيل، فتوفر له الدعم الكامل وتمنع ضحاياه من الشكوى أو الحديث عنه بسوء، وإلا فإن مصير حساباتهم الغلق، ومن يدري لعل الخطوة التالية تقديمهم لمحاكم الجنايات الدولية؟! وهل يعقل أن يفرض علينا تويتر وفيسبوك مشروعات اجتماعية تخالف قيمنا وخصوصياتنا الثقافية، ويمنع أي نقد لها مهما كان موضوعيا؟! وهل يعقل أن يفرض علينا تويتر وفيسبوك ما هي المصطلحات المناسبة وغير المناسبة دون أن يكون ذلك نتيجة حوار سياسي واجتماعي تبلوره قرارات لمؤسسات دولية يشارك الجميع في صنعها؟

يوما وراء يوم تفرض علينا تطبيقات التواصل تحديثات وتعليمات وقواعد جديدة، تنتهك خصوصياتنا، وتجعلنا عراة أمام هذه الحكومة العالمية التي لم ينتخبها أحد، ولم يفوضها أحد في هكذا إدارة لشئون العالم، وللأسف لا نملك تجاهها سوى القبول حتى نحافظ على وجودنا في سمائها. وكان أحدث هذه التحديثات ما أعلنه تطبيق واتساب الذي طلب من مستخدميه الذين تجاوزوا الملياري مستخدم عبر العالم؛ الموافقة على تحديث سياسة الخصوصية الخاصة بالتطبيق، وبالتأكيد لم يجد المستخدمون مفرا من الموافقة (ربما باستثناءات قليلة قررت نقل نشاطاتها إلى تطبيقات أخرى تعتقد أنها أكثر أمانا وأكثر احتراما للخصوصية). ولعل أخطر هذه التحديثات وفقا لـ"الجزيرة نت" هو جمع البيانات الخاصة للمستخدمين، مثل رقم الهاتف، وصورة حسابك، وأنماط استخدامك التي تشمل الميزات التي تستخدمها والمجموعات التي انضممت إليها، وكيفية تفاعلك مع الآخرين داخل التطبيق، ومعلومات أخرى مثل استخدام خاصية الحالة وبيانات الجهاز. وقد أضافت الشركة في تحديثها الجديد قسما جديدا يُسمى بيانات المعاملات والمدفوعات (Transaction and Payments Data) ويضم البيانات المالية الخاصة بالمستخدمين، كما تنص السياسة المحدثة على أن تطبيق واتساب سيشارك البيانات التي يجمعها عنك مع شركات فيسبوك الأخرى، وتتضمن معلومات تسجيل حسابك مثل رقم هاتفك، وبيانات المعاملات، والمعلومات المتعلقة بالخدمة، ومعلومات عن كيفية تفاعلك مع الآخرين ومنها الشركات، وعنوان "آي بي" (IP) الخاص بك. وقد تتضمن معلومات أخرى محددة في قسم سياسة الخصوصية بعنوان "المعلومات التي يتم جمعها" أو "التي تم الحصول عليها.
تفرض علينا تطبيقات التواصل تحديثات وتعليمات وقواعد جديدة، تنتهك خصوصياتنا، وتجعلنا عراة أمام هذه الحكومة العالمية التي لم ينتخبها أحد، ولم يفوضها أحد في هكذا إدارة لشئون العالم، وللأسف لا نملك تجاهها سوى القبول حتى نحافظ على وجودنا في سمائها

هذا يعني ببساطة نهاية عصر سرية الحسابات المصرفية، فحساباتنا البنكية ستصبح مكشوفة أمام هذه التطبيقات بدعوى تيسير عمليات الدفع الالكتروني، وهذا قد يتطور إلى قدرة هذه التطبيقات على تقييد تصرفنا في حساباتنا المصرفية مثلا، وقد يتطور إلى التعاون مع الحكومات المستبدة لتجميد أو مصادرة أرصدة مصرفية.. الخ.

يعتصرني الأسى أن تتساوق كلماتي مع كلمات لبعض أبواق الاستبداد الذين تسببت وسائل التواصل الاجتماعي في فضحهم وطرد سادتهم من مواقعهم في ثورات الربيع العربي التي تمر علينا ذكرى انطلاقتها العاشرة هذه الأيام، ولكن شتان بين الموقفين، فأنا مع طاقة النور التي فتحتها تلك الوسائل، ومكنت بها شعوبا من حياة الحرية والكرامة ولو لبعض الوقت، وأنا مع كل ما تقدمه هذه الوسائل من خيرات للبشرية، لكن ما حذرت منه هو تغولها لتصبح حكومة فوق الحكومات المنتخبة، وهيئة عالمية فوق كل الهيئات الدولية بما فيها الأمم المتحدة ومجلس الأمن، ولذلك فإن التحرك لوقف هذا التغول هو مسئولية كل النشطاء، وكل المؤسسات والمنظمات والأحزاب والحركات والحكومات الديمقراطية لوضع قواعد عادلة تلتزم بها وسائل التواصل الاجتماعي، لا أن تفرض هي علينا قواعدها غير العادلة.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)