هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في قلب العاصمة عمان، يقف الطفل علي، ابن الثالثة عشرة، بجانب والده صاحب محل للمشروبات الساخنة، يساعده
في نقل الطلبات إلى الزبائن في مركباتهم، رغم برودة الطقس وخطر التعرض لحوادث
الدهس.
"مفيش مدرسة".. هكذا ينظر علي الذي يدرس في مدرسة حكومية
شرق عمان إلى التعليم عن بعد الذي اعتمدته السلطات الأردنية منذ آذار العام الماضي، ضمن الإجراءات الاحترازية في ظل جائحة كورونا.
ومنذ بداية الجائحة
ولا يفارق علي والده في مكان عمله، ويفتخر الأب بوجوده معه بالقول: "أحسن ما
يضل بالشوارع يطلع له قرشين".
علي ليس الطفل الوحيد
الذي ينظر إلى التعلم عن بعد على هذا النحو، فحسب أرقام، هنالك ما يقارب 100 ألف
طالب لا يدخلون على منصة "درسك
المخصصة للتعليم من أصل 2 مليون طالب أردني.
تحذيرات من تفاقم
الظاهرة
هذا البعد عن التعليم
دفع مؤسسات مجتمع مدني للتحذير من تفاقم عمالة الأطفال التي يجرمها القانون
الأردني، وحسب ورقة بحثية للمرصد العمالي الأردني التابع لمركز الفينيق للدراسات
"لا يوجد دراسات جديدة تظهر تأثيرات جائحة كورونا على عمل الأطفال، وكانت آخر
مؤشرات إحصائية رسمية صدرت في عام 2016 تفيد بأن هنالك ما يقارب 70 الف طفل في سوق
العمل ينطبق عليهم وصف عمل الأطفال، وبشكل مخالف لجميع المعايير الأردنية والدولية،
منهم 45 ألفا يعملون في مهن خطرة، وفقا لإحصائيات عام 2016".
وبينت الورقة أن
الأطفال العاملين يتعرضون لسوء المعاملة والاعتداءات النفسية والجسدية والاعتداءات
الجنسية أثناء عملهم، كذلك فإن العاملين منهم في المهن الصعبة يتعرضون للعديد من
إصابات العمل التي يمكن أن تسبب لهم بعض الإعاقات، إضافة إلى أنها تترك لديهم
الإحساس بالظلم، الأمر الذي يدفع العديد من الأطفال إلى الانحراف والتمرد على
القوانين.
وحسب أحمد عوض، مدير
المرصد العمالي، "اتسعت رقعة عمالة الأطفال في الأردن بسبب جائحة كورونا
والتشدد في تطبيق التعلم عن بعد".
يقول
لـ"عربي21"، "الأطفال العاملون ينتمون إلى أسر فقيرة، تدفعهم
حاجتهم لإخراج أطفالهم من مقاعد الدراسة، أو التغاضي عن تسربهم من المدارس بهدف
المساهمة في توفير مداخيل إضافية تساعد هذه الأسر على تلبية حاجاتها الأساسية، خصوصا في ظل جائحة كورونا التي فاقمت معدلات الفقر".
الأمر لا يقتصر على
هذا الحد، كما يرى عوض، إذ "خلق التعلم عن بعد طبقية في التعليم، فمن يملك
قدرات مالية عالية أو متوسطة من العائلات استطاعوا تأمين تعليم جيد لأبنائهم، على
عكس الفقراء غير القادرين على التجهيزات الفنية، والمساعدات التي قدمتها الحكومة
لتوفير أجهزة حاسوب غير كافية".
ويعتقد عوض أن هذه
الفجوة في الإمكانيات وسوء الأوضاع الاقتصادية "دفعت بأبناء الفقراء للعمل في
السوق، ما نسف جهود سنوات من محاربة عمالة الأطفال في الأردن".
وزارة التربية تقر
بالمشكلة
وزير التربية والتعليم
الأردني، تيسير النعيمي، وفي رده على سؤال للنائب ينال فريحات كشف أن "7% من الطلبة لا يتابعون دراستهم عبر
منصة "درسك"، وذلك بسبب عدم توفر التقنيات التكنولوجية لديهم، وعدم
توفّر شبكة الإنترنت في مناطقهم، ووزارة التربية تتابع هؤلاء الطلبة عبر مديريات
التربية لتعويضهم ما فاتهم".
وتابع الوزير: "هناك
برامج متخصّصة لتدعيم هؤلاء الطلبة، وتعويضهم بالدروس، عبر مديريات التربية في
مختلف المناطق، لافتا إلى أنّ 62% من الطلبة يتابعون دروسهم بانتظام على مدار
خمسة أيام، و32% يتابعون دراستهم على مدار أربعة أيام بالأسبوع أو أقل".
إلا أن الوزير نفى أن
يكون هنالك ارتفاع لعمالة الأطفال؛ بسبب تطبيق التعلم عن بعد "المعطيات
الأولية، بحسب دراسات جهات مختصة، لا تشير إلى ارتفاع بنسب التسرب المدرسي
للطلبة".
"نحو عودة آمنة إلى المدارس"
وفي محاولة لإنقاذ
الأطفال من التسرب وسلبيات التعليم عن بعد أطلق أهالي طلاب وناشطون حملة تحت اسم
"نحو عودة آمنة إلى مدارس". لمطالبة السلطات الأردنية إعادة أكثر من مليوني
طالب وطالبة إلى التعليم الوجاهي ضمن بروتوكول صحي.
عضو مؤسس في الحملة
الصحفية نادين النمري، تقول لـ"عربي21" إن "جائحة كورونا تسببت
بإغلاقات واقتطاعات للرواتب، ما أثر على الأوضاع الاقتصادية للكثير من الأسر، ما
دفعها للتكيف السلبي مع ذلك كتشغيل الأطفال في ظل التعلم عن بعد، إذ إن هناك طلابا لم
يدخلوا على المنصة أبدا أو يتابعوا دروسهم أثناء العمل".
الإشكالية الكبيرة -بحسب
النمري- أن "عددا من الطلاب اليافعين الذين باتوا يعملون ويحصلون على النقود أبدوا رغبتهم في عدم العودة إلى المدرسة، وبقاء التعلم عن بعد كي يستمروا في
العمل".
وأوضحت أن "جائحة
كورونا كرست الفجوة في التعليم بين المدارس الحكومية والخاصة، وليس في الجودة فقط، إنما في الوصول إلى التعليم كله، فالعائلات التي تتمتع بقدرة مالية استطاعت تخصيص
جهاز حاسوب لكل طفل وتخصيص غرفة خاصة للدراسة وإنترنت سريع، على عكس الفقراء الذين
لا يملكون أحيانا إلا هاتفا أو جهازا واحدا لكل العائلة، وباستخدام إنترنت أقل جودة،
و أحيانا الأسر الأكثر هشاشة لا تملك إنترنت أو أجهزة حاسوب".
وتساءلت النمري: "الأهم
من الأرقام التي دخلت على منصة درسك هو كم الاستفادة للذين يتابعون المنصة؟.. لذا
سيكون لدينا إشكالية كبيرة أثناء العودة للمدرسة، مثل الفاقد التعليمي، التسرب
المدرسي، ما يستدعي ضرورة تدخل تربوي ونفسي".
وزارة العمل نعمل على
مكافحة الظاهرة
وزارة العمل بدورها أكدت
أنها تعمل على مكافحة عمالة الأطفال من خلال قسم تفتيش الحد من عمل الأطفال الذي
تأسس في العام 1999، ومن خلال مركز الدعم الاجتماعي التابع للصندوق الأردني
الهاشمي للتنمية البشرية، وتبعا للمشروع الممول من وزارة العمل، ومذكرة التفاهم
الموقعة بين الطرفين، التي تهدف إلى سحب وإعادة تأهيل الأطفال العاملين، ومساعدة
أسرهم.
ويقول الناطق باسم
الوزارة، محمد الزيود، لـ"عربي21": "في جائحة كورونا، نفذت الوزارة
حملات تفتيشية وزيارات مفاجئة؛ للحد من عمالة الأطفال، لكن ازدياد عدد الأطفال
المتسولين في الآونة الأخيرة، ووقوفهم على الإشارات الضوئية وعلى عربات التسوق في
الأسواق، غير خاضع لقانون العمل؛ لأنه لا يوجد صاحب عمل ليتم مخالفته، إنما تتابع
أوضاعهم وفقا لقانون الأحداث ووزارة التنمية الاجتماعية".
وحسب إحصائيات حديثة
زودتها الوزارة لـ"عربي21"، بلغ عدد حالات عمل الأطفال التي ضبطتها
الوزارة في 2020 ما مجموعة 504 حالات، حيث تم تحرير مخالفات ضمن ما يقارب من 12
زيارة ميدانية لطواقم الوزارة".
هذا وقررت السلطات
الأردنية العودة للتعليم الوجاهي للفصل الدراسي الثاني في السابع من شهر شباط
المقبل، بشكل متدرج، والدمج بين التعليم الوجاهي وعن بعد، وسيبدأ التعليم وجاهيا
للفصل الثاني للصفوف من رياض الأطفال إلى الصف الثالث والصف الثاني عشر (التوجيهي)، بحيث يكون الدوام بالتناوب بواقع يومين أو ثلاثة أيام، ويجمع ما بين الوجاهي
وعن بعد، ويترك الخيار للأهالي بين التعلم عن بعد أو وجاهيا.