كتاب عربي 21

اضحك كركر.. الصين تغزو مصر

أحمد عمر
1300x600
1300x600
لم يكن عادل إمام زعيماً وحسب، بل كان إماماً نحريراً، وقائداً خطيراً، وساد مذهبه على المذاهب الأربعة في بلاد العرب "المستغربة". ورأينا نسخاً كثيرة من مسرحيته مدرسة المشاغبين، التي كتبها علي سالم، أحد أئمة التطبيع المصريين، في تونس والسعودية، وسنراها في سوريا في قابل الأيام، فهي سيناريو ستذوق منه كل الشعوب العربية، بل هي وجبة وحيدة في المرحلة الانتقالية الطويلة.

نذكّر بخبر عادل إمام عندما زار تونس، وكان قد اشترط أن يستقبله رئيس الدولة الباجي قايد السبسي، ورأينا السبسي سعيداً به، وجلسا سوياً جلوس الأنداد، على رؤوس الأشهاد، وتبادلا نوادر ونكات قديمة جداً، مثلها مثل أسلحة العرب الفاسدة في حروبها الودية مع العدو، وسبب فساد أسلحتهم هو فساد عقولهم، أسلحتهم صالحة وفعالة فقط مع شعوبها.

شاهدنا عروضاً مسرحية كثيرة في الربيع العربي، حتى أن الرئيس الأمريكي أثنى على عرض الثورة المصري الفدائي، ومدحها، ووصفها بكرامة الإلهام.. العرض الجيد هو الذي يكون فيه الصراع حقيقياً، وقد رأينا الشعوب العربية العزلاء تبارز وحوش الأنظمة، في رابعة، وفي درعا، وبنغازي، وسائر الأرض الثائرة، وشاهدنا عرض رابعة البطولي، ورأينا الأبرياء يُقتلون، والجرافات تجرف الأحياء والجرحى والشهداء..

ذلك عرض الشعب، أما عرض الزعماء، فشاهدناه في مجلس الشعب المصري، الذي كان الإخوان المسلمون يقودونه قبل "ثورة" السيسي على الثورة المصرية، وشعرت وأنا أشاهد عرض حزب النور، أنه قد تتلمذ على يد عادل إمام، ويحاول أن يقتدي ببهجت الأباصيري في مسرحية مدرسة المشاغبين، ورأينا شيوخاً لهم هيبة ووقار يعيدون عرض مدرسة المشاغبين إلى الأذهان، الخالق الناطق. وكان النظام العربي قد استغفَلَنا بها عقدين أو أكثر، ثم رأينا عرض مدرسة المشاغبين في تونس. ولكن بفريق تقوده "ولية " برلمانية كوميدية اسمها عبير موسى، وقيل إنها النسخة التونسية من بهجت الأباصيري، أو النسخة السياسية الاستعراضية من مرتضى منصور.

من الجدير بالذكر أن نتذكر أن علي سالم جعل من معلم مدرسة المشاغبين أنثى، وجعلها تنتصر على الطلاب المشاغبين، بأن ذكّرتهم بنخوة العرب والمسلمين تعريضاً، عندما قالت للأباصيري: ترضى أختك يتعمل لها كده؟

لم تذكر لهم مقولة من كتاب رأس المال، فهو كتاب في الاقتصاد، ولم تذكر لهم كتاب "روح القوانين" لمونت سيكو، ولا شعاراً من كتاب "هكذا تكلم زرادشت"، فهي كتب لن تؤثر في التلاميذ المصريين المشاغبين.

ومن المشاهد الكوميدية التي رأيناها في مجلس الشعب المصري تعطيلاً لعمل البرلمان، مشهد الشيخ السلفي ممدوح إسماعيل يؤذن في مجلس الشعب حين الصلاة، وهي ذروة المشاهد وأجودها، فوقعت ملاسنة بينه وبين رئيس البرلمان الدكتور سعد الكتاتني، فكَّ الله أسره، ولأنَّ الفتوّة عبير موسي يسارية وعلمانية على الطريقة العربية، من فلول ابن علي، فقد اقتدت بشيخها السلفي، الذي كان يقتدي بعادل إمام، في تجربة مقلوبة ومعكوسة هذه المرة.

القوى الخفية تؤاخي بين السلفيين والعلمانيين:

السلفية السياسية والعلمانية العربية تياران متباينان في الطريقة، لكنهما متآخيان في الغاية، لأن المخرج واحد، وكاتب النص واحد، والعبرة بالمآلات. ورأينا الفتوة عبير موسي تسبق ممدوح إسماعيل وتبذّه، وتحمل بوق الصوت، وتحاول إخراس صوت زميل لها من غير آذان، كأنها تهتدي بقول أسلافها: "لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ".

ورأينا مشاهد كوميدية وإيفيهات صادمة أخرى لم نرها في مسرحية العيال كبرت، ومدرسة المشاغبين، مثل البطانيات على شرفة البرلمان وثياب الغسيل. ولم يحضر الشيخ الجليل الغنوشي يومها، خوفاً على ما بقي له من هيبته، فلن تنفعه شيبته، ولم تنفع مرسي يوماً. وكان مرسي تأسى بمعلمة مدرسة المشاغبين، فقال للإعلام الذي افترسه وسخر به: هل ترضون أن تسخروا بشيخ كبير من عمر أبيكم؟ وهذا قد ينفع في مدرسة لكنه لا ينفع في الصراع السياسي، فالكوميديا دامية هذه المرة والصراع هو على العروش.

وشاهدنا الكاميرا العالمية تتابع حركات عبير موسي من قاعة إلى قاعة، ولو أن عبير موسى انتصرت على الغنوشي كانت ستنال جائزة مثل جائزة اونغ سان سو تشي، وهي نوبل للسلام، لكنها لم تفلح حتى الآن، وستكون لها كرّة أخرى.

قواعد اللعب وقواعد الذبح:

كان حال الفريق الحاكم الذي جاءت به صناديق الانتخاب لا يملك أسباب السلطة في مصر وتونس، إنه يلتزم بقواعد "اللعب"، وهي استعارة وليست لعباً، فهي مصائر بشر ، بينما يخرقها الفريق الآخر، لأنه شديد القوة، والطرف الثاني شديد الضعف، ليس له سوى الأصوات وهي لا تغني أمام السيف، فهي حرب والحرب خدعة، وقد وردت تقارير مؤكدة عن أموال طائلة دُفعت لأعضاء فريق مدرسة المشاغبين المصري والفريق التونسي، وبينما سيمرَّ عرض رابعة السوري عشر سنوات بنجاح متواصل، وما يزال، إلى أن يصل إلى محطة الكوميديا بعد كتابة الدستور، منتقلاً من محطة التراجيديا.

لم يكن الدستور يوماً سوى ورقة، لا يشرب ماؤها، فالقانون هو القوة، والمعارضة في مصر وتونس وسوريا ليست من القوة على شيء. سندخل مرحلة الكوميديا بعد حصول التوافق إذا حصل، وسنرى حكومة سورية بعدة رؤوس؛ رئيس علوي وحكومة سنّية وبرلمان متعدد الرؤوس، وسنرى عرض مدرسة المشاغبين السوري، الذي تأخر، لأن العرض المأساوي له لذته وجماله، وكانت المسرحية الكوميدية الشهيرة إحدى أدوات النظام العربي في مخاتلة الشعوب العربية وتخديرها.

منومات الكوميديا السورية:

كان دريد لحام يتصدّر معارضة المسرح، وكانت الكوميديا رمزية في مرايا وبقعة ضوء، وهي في النهاية تمثيل للتسلية، ولو أن كثيرين يجدون في عروض مجلس الشعب السوري الذي يصفق جميعاً وينام جميعاً؛ عرضاً مضحكاً، وإن كانت كوميديا، فبعد تأويل، وليست كوميديا صريحة. السبب هو أن النظام السوري جعل السياسة مقدساً وديناً، ونظامها من أعتى الأنظمة العربية على الإطلاق، فالرئيس إله، وتخفت بشريته أو تكاد تنعدم في الخطاب الرسمي، بينما كانت الأنظمة العربية في مصر وتونس قد وزعت القداسة بين الرئيس وبين مؤسسات الجيش في مصر، وكذلك الأمر في تونس.

تأثير عادل إمام في دعاة الإسلام:

رأينا بعد صعود نجم عادل إمام أئمة كثراً يداعبون عباد الله ويتظارفون ويروون الطرائف تقربا إليهم، حتى صارت الطرفة إحدى أدوات الدعوة الإسلامية، وبلغت الطرافة ذروتها مع الشيخ فتحي صافي، الذي جعل له النظام ركناً في الإذاعة، يجيب عن أسئلة المستفتين، وكان شيخاً صاحب طرفة، فنقول مجتهدين في تأويل المسألة: إنَّ النظام أدرك شعبية الشيخ، من غير طعن في إخلاص الشيخ لدينه، ولا نجزم إن كان قد تأثر من حيث يعلم أو لا يعلم بالإمام الأكبر عادل إمام، فوجد النظام أن يستغل شعبيته في برنامج إذاعي، وليس في برنامج تلفزيوني، لأن جماهير الصوت أقل أثرا من الصورة. وكان يمكن أن يجعل له برنامجاً في التلفزيون الرسمي أو البديل، وله تلفزيونان وصيفان، وليس السماع كالرؤية، لولا أنه يخاف على علمانيته من الكسر والشمس والرطوبة. ثم إن الشيخ صافي كان يفتي في الأحوال الشخصية، مثل الطلاق والحيض والنفاس والوضوء، وليس في علوم الإسلام الحضارية والعامة. وكان الشيخ المتصوف يخلط الجد بالهزل، وهذا أيضاً مفيد للنظام، ولم يكن معارضاً ولا موالياً، أو لم تظهر منه معارضة صارحة ولا موالا ة فاضحة، بل إن بعض الأسئلة التي دُسّت له قد تكون مكتوبة في السيناريو من حيث لا يعلم الشيخ.

خلاصة الحديث، إن الحقبة الكوميدية في سوريا قادمة، إذا وقع التوافق على الدستور العظيم، وسنرى مسرحيات كثيرة في مجلس الشعب، وتخاصما في الحكومة الائتلافية، وسنأكل كثيراً من مرق الأرنب.

عادل إمام الصيني:

انتشر أمس مشهد كوميدي لسيدتين صينيتين تؤديان مشهداً من شاهد ما شفش حاجة، وقيل في الخبر إنَّ أثر عادل إمام بلغ الصين، والحق هو أنَّ الصين بدأت الغزو، ولها في ذمة السيسي دين، وكانت أقرضته قرضاً بستة مليارات دولار قبل أربع سنوات، وكانت مصر مفلسة، وليس في البنك المركزي سوى ما يكفي شهراً للشعب المصري، وجاء أوان رد الدين.

ويظهر غزوها من أمرها السيسي ببناء سكة حديد في الصحراء لخدمة طريق الحرير الصيني، من السخنة في البحر الأحمر إلى رأس العين في البحر المتوسط، وهو بقرض قدره مليارا دولار سيدفعه الشعب المصري، والسكة ليست لخدمة الشعب المصري، وهو قطار سريع ستغزو فيه الصين مصر، ثم وجدنا هذا المشهد الكوميدي الصيني، الذي انتشر للسيدتين الصينيتين على سكة حرير الضحك إلى قلب الشعب المصري المكتوف.

الواد محروس بتاع الوزير:

يمكن أن نتذكر فيلم "الواد سيد الشغال" الذي صار جسراً للزوج المطلق زوجته ثلاث طلقات ومحللاً وتيساً مستعاراً، وأن نتذكر فيلم "الواد محروس بتاع السيد الوزير". وفي الفيلم سفارة صينية وشخصيات صينية أيضاً، ويحكي الفيلم حكاية صعود عسكري صغير إلى الوزارة من القاع، وهي قصة صعود السيسي نفسها، والفيلم يسخر من الشعراوي في أحد المشاهد.

يقول محروس في ختام الفيلم: "الوزير لازم يكون مرتاح علشان يعرف يدّي"، أي لكي يؤدي واجبه في نهب الشعب المصري والتغرير بنسائه. والسيسي هو محروس مصر، ولم تعد مصر محروسة، فهي مستباحة. لقد علا شأن الحارس علواً كبيراً، وهو يضرب السكّة لغزاة مصر على القطار السريع.

خدّرت الحكومات العربية الشعوب بعادل إمام عقوداً، ثم وجدت الصين أن تعيده استثماره.. عاد عادل إمام باللغة الصينية.

لقد كان عادل إمام حقاً، سيد الأئمة.

مشهد السيدتين الصينيتين الظريف: بضاعتنا رُدّت إلينا من الصين.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (0)