مرّة أخرى تنطلق بعض الأصوات المُحذّرة من انهيار العمليّة السياسيّة في
العراق بعد أن وصلت إلى طرق مسدودة، وتنخرها
أزمات قاتلة وساحقة.
وهذه التحذيرات ليست جديدة، وقد حذّرت منها عشرات الشخصيّات والمنظّمات والهيئات المشاركة في العمليّة السياسيّة والمعارضة لها، ولكنّ الحكومات المُتعاقبة تجاهلت تلك التحذيرات، وكأنّها لا تسمع، ولا ترى!
التحذيرات الأخيرة جاءت من بعض السياسيّين الفاعلين في اللّعبة السياسيّة. ففي الثاني من شباط/ فبراير 2021 حذّر السياسيّ الكرديّ محمود عثمان من أنّ "العمليّة السياسيّة في العراق أقربُ إلى الانهيارِ والفشل وحالةِ اللا دولة بسببِ الأوضاع التي يشهدُها العراق من عسكرة وسوء الخدمات"، ومُحذّراً ممّا وصفها بـ"القوى المنفلتة التي لم تتمّ السيطرة عليها حتّى الآن".
هذه التحذيرات ليست جديدة، وقد حذّرت منها عشرات الشخصيّات والمنظّمات والهيئات المشاركة في العمليّة السياسيّة والمعارضة لها، ولكنّ الحكومات المُتعاقبة تجاهلت تلك التحذيرات
تحذيرات عثمان ليست جديدة، فقد سبق للشريف علي بن الحسين، رئيس الحركة الملكيّة الدستوريّة العراقيّة، أن كشف نهاية العام 2020 بأنّ النظام السياسيّ العراقيّ سيسقط قبل نهاية الصيف القادم، وأنّ "النظام لن يستطيع دفع رواتب الموظّفين، ودخلنا في العدّ التنازلي، واللّعبة انتهت".
هذه التصريحات تؤكّد أنّ
الانتخابات البرلمانيّة القادمة لن تجري في موعدها المحدّد نهاية العام الحالي، والسؤال العريض هنا:
ما الذي سيحدث فيما لو انهارت العمليّة السياسيّة في العراق؟
أتصوّر أنّنا ربّما سنكون حينها أمام عدّة سيناريوهات مُحتملة، ومنها:
- تصاعد الغضب الشعبيّ، والمظاهرات الجماهيريّة في بغداد وعموم المدن الرافضة للخراب المُستشري في غالبيّة مؤسّسات الدولة العسكريّة والمدنيّة.
- سعي بعض القوى السياسيّة الكبيرة لترميم المشهد السياسيّ قبل الذهاب إلى
الفوضى، وضياع كافّة مكتسباتها، وسقوطها في مرحلة "العقاب الجماعيّ"!
- سيطرة قوّات مكافحة الإرهاب (أو غيرها من القطعات العسكريّة) على البلاد، وربّما إعلان حالة الطّوارئ لستّة أشهر قابلة للتّجديد.
- في حالة تردّد القوى العسكريّة في الخيار السابق، ربّما سنرى بعض القوّات غير الرسميّة تُسارع للسيطرة على الحكم، وأكثر القوى المرشّحة لهذا الخيار هما تيّار مقتدى الصدر، ومنظّمة بدر بزعامة هادي العامريّ، وقد تنضمّ إليهما بعض فصائل الحشد الشعبيّ.
في حالة تردّد القوى العسكريّة في الخيار السابق، ربّما سنرى بعض القوّات غير الرسميّة تُسارع للسيطرة على الحكم، وأكثر القوى المرشّحة لهذا الخيار هما تيّار مقتدى الصدر، ومنظّمة بدر بزعامة هادي العامريّ، وقد تنضمّ إليهما بعض فصائل الحشد الشعبيّ
- احتماليّة عودة تنظيم "داعش" للسيطرة على بعض المدن، وفي مقدّمتها الأنبار والموصل وديالى وصلاح الدين وربّما كركوك، وذلك بسبب الفراغ الأمنيّ المتوقّع، ومع تأكيد واشنطن بأنّ هنالك أكثر من عشرة آلاف مقاتل من التنظيم يتنقّلون بين العراق وسوريا!
- عودة ظاهرة التفجيرات في الأماكن العامّة، وتجدّد موجة الاغتيالات، وبالذات للشخصيّات السياسيّة والدينيّة والشبابيّة المعارضة، ممّا يجعل البلاد على كفّ عفريت!
- الذهاب إلى فوضى الحروب المليشياويّة- المليشياويّة، أو العشائريّة- المليشياويّة، أو الداعشيّة- العشائريّة، أو المليشياويّة- الداعشيّة، أو المليشياويّة (أو الداعشيّة) في مواجهة القوّات الرسميّة، وكلّ هذه المواجهات تعتمد على النفوذ الميدانيّ، والموقع الجغرافيّ الذي تنتشر فيه تلك القوّات!
- إعلان محافظات الأنبار وشمال وشرق العاصمة بغداد الإقليم السنّيّ، وحينها سنكون أمام ثلاثة أقاليم: كردستان العراق، والسنّة، والشيعة!
- الاحتمال الأخير، والمتوقّع بقوّة، وهو عودة انتشار القوّات الأمريكيّة وغيرها في عموم البلاد، وهذا الاحتمال هو الأقرب للتطبيق في نهاية المطاف، بعد حدوث بعض السيناريوهات السابقة، وفي مقدّمتها انهيار العملية السياسيّة وفوضى المواجهات!
ومع هذه الصور المتوقّعة أرى أنّ إقليم "كردستان العراق" سيكون بمنأى عن هذه الدوّامات، وسيحافظ على مجمل الأوضاع الأمنيّة والسياسيّة، وربّما تبسط قوّات الإقليم سيطرتها على كركوك، وغالبيّة المناطق المتنازع عليها مع بغداد.
هذه السيناريوهات ليست ضرباً من الخيال، وإنّما هي توقّعات من قراءة دقيقة لواقع مرير ومريض يحمل في طياته العديد من القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أيّ لحظة، وأبرز تلك القنابل هو الإرهاب المتنامي في الشارع العراقيّ، والفشل في إدارة الدولة رغم الفرص التاريخيّة التي توفّرت
هذه السيناريوهات ليست ضرباً من الخيال، وإنّما هي توقّعات من قراءة دقيقة لواقع مرير ومريض يحمل في طياته العديد من القنابل الموقوتة التي يمكن أن تنفجر في أيّ لحظة، وأبرز تلك القنابل هو الإرهاب المتنامي في الشارع العراقيّ، والفشل في إدارة الدولة رغم الفرص التاريخيّة التي توفّرت، ومنها الدعم الدوليّ والموازنات الطائلة ومع ذلك لم نر أيّ نجاح يُذكر في بناء دولة المؤسّسات، ولهذا فإنّ الانهيار المُرتقب نتيجة طبيعيّة لتلك السياسات الفاشلة، والتي جعلت نسبة ليست قليلة من العراقيّين يشعُرون بأنّهم غُرباء في داخل وطنهم!
ما ذكرناه مجرّد توقّعات قريبة جداً، ونرجو أن تكون بعيدة عن سفك الدماء وترهيب المواطنين لأنّ نزيف ماء العراقيّين لم يتوقّف منذ العام 2003 وحتّى الآن!
اللهمّ سلّم العراق.
twitter.com/dr_jasemj67