هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز"
تقريرا لمديرة مكتبها في إسطنبول تشارلوتا غال قالت فيه إنه في مخيم لاجئين على
قمة تل فوق مدينة عفرين، تكافح 300 عائلة سورية لتدفئة نفسها تحت المطر والطين.
نزحوا ثلاث مرات منذ فرارهم من مزارعهم
بالقرب من دمشق قبل سبع سنوات، ويعيشون على معونات ضئيلة ويرسلون الأطفال للبحث عن
لقمة عيش.
وقالت بشرى سليمان الحمدو، 65 عاما،
وهي ترفع غطاء الأرض لتظهر الأرض الرطبة حيث يرقد زوجها طريح الفراش: "الوضع
سيء للغاية، المطر يدخل إلى الخيمة.. لا يوجد طعام كاف ولا توجد منظمة إنسانية ولا
مياه شرب".
وأشارت إلى أن التدخلات التركية لقيت
انتقادات غربية أكثر من مرة، ولكن مع نهاية الحرب الأهلية السورية المستمرة منذ
عقد من الزمان والتي لا تزال تثير حيرة العالم، أصبحت تركيا القوة الدولية الوحيدة
على الأرض التي تحمي حوالي خمسة ملايين من النازحين والمدنيين المعرضين للخطر.
وأصبح الجنود الأتراك، اليوم، هم كل ما يقف بينهم وبين المذابح المحتملة على يد
قوات الرئيس بشار الأسد وحلفائه الروس.
وقام المسؤولون الأتراك مؤخرا بمرافقة
الصحافيين في زيارة نادرة لعفرين، وهي منطقة في شمال غرب سوريا، حيث أنشأت تركيا
منطقتها الآمنة بحكم الأمر الواقع على طول الحدود. حرص الأتراك على إظهار
إنجازاتهم في البنية التحتية والتعليم والخدمات الصحية.
لكنهم أيضا لم يخفوا المحنة المستمرة
للسوريين تحت مسؤوليتهم، الذين أوضحوا على الرغم من معاناتهم الواضحة أنهم سعداء
بوجود الأتراك هناك، على الأقل في الوقت الحالي.
قال عمار محمد، 35 عاما، الذي يعمل
حمالا في سوق في عفرين: "هنا على الأقل يمكنني البقاء على قيد الحياة".
وهو مقاتل سابق مع المعارضة من دمشق، قال إنه خاطر بالقتل أو الاحتجاز من قبل
الحكومة السورية. "هناك كنت سأموت في الغالب. هناك، كنت سأفكر طوال الوقت، هل
سيعتقلونني؟".
اقرأ أيضا: المعارضة لـ"عربي21": تثبيت الهدنة بإدلب أهم مخرجات أستانا 15
لم يكن التدخل التركي في عفرين خاليا من
المصلحة الذاتية. فقد كان لتركيا دائما مصالحها الخاصة التي تأخذها في الاعتبار.
كان هدفها الرئيسي هو استئصال القوات الكردية التي تصنفها إرهابية، وتعتبرها
تهديدا أمنيا وتوفير مساحة لقوات الثوار المتبقية التي تقاتل ضد الأسد، المنافس
البغيض. فالسوريون الذين استقروا حول عفرين كانوا قد فروا من قوات الحكومة
السورية.
كان محمد وابن عمه محمد عمار من بين مقاتلي المعارضة الذين تم إجلاؤهم في قافلة
من الحافلات من الغوطة في ريف دمشق ونقلوا إلى عفرين بموجب اتفاق سلام تم التوصل
إليه بين روسيا وتركيا قبل ثلاث سنوات.
قال محمد: "لقد تم تهجيرنا قسرا". لم يحصلوا على فرصة للانضمام إلى
قوات الأمن المدعومة من تركيا، وتم تسريحهم وتركوا لكسب لقمة العيش بالشكل الذي
يمكنهم. وأضاف محمد: "أقسم بالله أن بعض الناس ينامون جوعى. نحن لا نعرف كيف
نعيش".
أنشأت تركيا إدارتها الخاصة، ودربت
ودمجت القوات السورية الصديقة في قوة الشرطة العسكرية وأنشأت مجالس محلية سورية
لإدارة الأمور. وتم ربط المدينة بشبكة الكهرباء التركية، مما أنهى سنوات من انقطاع
التيار الكهربائي كما تستخدم الهواتف المحمولة والعملة التركية وسجلت 500 شركة
سورية فيها للتجارة عبر الحدود.
قال أورهان أكتورك، نائب حاكم مقاطعة
هاتاي التركية المجاورة، والمسؤول عن عفرين: "هدفنا الرئيسي هو جعل حياتهم
طبيعية أكثر، والمحافظة على المدارس مفتوحة، والمستشفيات تعمل حتى يتمكن الناس من
استئناف حياتهم".
ولكن تركيا موجودة أيضا في سوريا حتى
لا ينتهي الأمر بالسوريين في تركيا. ولطالما دعا أردوغان الذي يستضيف بالفعل أكبر مجتمع للاجئين السوريين في العالم - 3.6
ملايين سوري مسجلين داخل تركيا - إلى إنشاء منطقة حظر طيران، أو منطقة آمنة محمية
دوليا، في شمال سوريا.
في الوضع الحالي، قامت قواته باقتطاع
تلك المنطقة بأنفسهم. بينما تقدم الأمم المتحدة الكثير من المساعدة للسوريين.
تدخلت تركيا لأول مرة في سوريا عام
2016 في عملية مشتركة مع الجيش الأمريكي ضد تنظيم الدولة، ثم في عفرين عام 2018،
ومرة أخرى في عام 2019، بعد أن سحب الرئيس دونالد ترامب فجأة القوات الأمريكية من
المنطقة.
أتاح اتفاق أردوغان مع ترامب لروسيا والحكومة السورية استعادة موطئ
قدم في شمال شرق سوريا، وهو ما كان كارثيا للمعارضة. لكن بعد ذلك، اتخذت أنقرة
موقفا غير متوقع ضد هجوم حكومي روسي وسوري العام الماضي في محافظة إدلب، مما أظهر
أن الجيش التركي ليس فقط مستعدا للدفاع عن الخط بل قادرا عليه.
قال معاذ مصطفى، المدير التنفيذي لفريق
الطوارئ السوري، وهي منظمة مقرها واشنطن تعمل في الدفاع عن سوريا، إن وضع خط أحمر
في إدلب حول تركيا من لاعب سيء في المنطقة إلى لاعب جيد، أو على الأقل طرفا يشارك
واشنطن في مصالح مشتركة.
ودعا إدارة بايدن إلى استئناف
الاتصالات العسكرية مع تركيا وتزويدها بالدعم اللوجستي والاستخباراتي لتعزيز
دفاعها عن الجزء من إدلب الذي لا يزال في أيدي المعارضة.
وأضاف: "شمال غرب سوريا وإدلب هما
مفتاح الكل". وأشار إلى أن إدلب، التي تضم أربعة ملايين شخص، مليون منهم من
الأطفال، مكتظين في مساحة تتقلص باستمرار، تمثل ضرورة إنسانية واستراتيجية.
"إدلب وحدها، إذا تعرضت للهجوم، ستضاعف عدد اللاجئين في أوروبا".
وقال أكتورك إن سيطرة الأتراك، على
الرغم من ترحيب العديد من السوريين الذين فروا من حكومة الأسد، ليست بلا منازع.
فقد واجهت مهمة تركيا في عفرين، في الواقع، ومنذ بدايتها، الهجمات الإرهابية
المستمرة - 134 في عامين ونصف - بما في ذلك أربع سيارات مفخخة في المنطقة هذا الشهر.
وقد أحبطت قوات الأمن مئات الهجمات الأخرى.
وقال قائد الشرطة التركية في عفرين إن
99% من الهجمات كانت من عمل حزب العمال الكردستاني، الحركة الانفصالية الكردية،
وفرعها في سوريا، وحدات حماية الشعب، المتحالفة مع القوات الأمريكية في محاربة
تنظيم الدولة.
وقال أكتورك إن السيارات المفخخة الأخيرة تم إخفاؤها في شاحنات تم جلبها من
منطقة منبج التي يسيطر عليها المقاتلون الأكراد من قبل تجار غير عارفين بذلك، وفقد
أحدهم ابنه في انفجار في منطقة عفرين الصناعية.
قال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار
الأسبوع الماضي إن تركيا ستثير مسألة الدعم الأمريكي للميليشيات الكردية كأولوية
مع إدارة بايدن.
في عفرين، تعامل الأتراك مع الأمن مثل
أي قوة تابعة لحلف شمال الأطلسي، حيث أحاطوا مبنى إدارتهم بجدران خرسانية عالية
وأغلقوا "المنطقة الخضراء" التي تشمل شارع التسوق الرئيسي في وسط
المدينة.
ويشتكي أصحاب المتاجر السوريون من
تضاؤل الأعمال نتيجة لذلك.
قال إبراهيم حاج خليل، صاحب محل فايف
ستارز للبوظة: "إننا نعيش، لكن الأمر صعب للغاية". وقال إن العملاء
انخفضوا بشكل كبير بعد انفجار ضخم لشاحنة وقود مفخخة في السوق في نيسان/ أبريل
الماضي. "اعتدنا أن يكون لدينا أشخاص في طوابير في الشارع ولكن الآن لا يوجد
أحد".
طالب سعيد سليمان، زعيم المجلس المحلي،
بمزيد من المساعدة بما يتجاوز ما يمكن أن تقدمه تركيا. وقال: "نحن بحاجة إلى
مزيد من الدعم الدولي والمزيد من المنظمات غير الحكومية للمساعدة".
لكن بالنسبة للملايين، تعتبر تركيا هي
الفرصة الوحيدة.
قال نور حلاق، الناشط السوري الذي يعيش
في الجزء الخاضع للسيطرة التركية من محافظة حلب، إن الطلاب السوريين مشغولون بتعلم
اللغة التركية والبحث عن طرق للوصول إلى تركيا للدراسة أو العمل. وقال: "إنه
شيء يجعلني أضحك وأبكي في نفس الوقت.. اللغة التركية تنتشر، إنها اختيار
الشعب".
بالنسبة للعائلات في المخيم المشرف على
المدينة، كان طلب الحماية من تركيا خيارهم الوحيد.
قالت رسمية هونان العبد الله وهي تحمل
طفلا صغيرا بين ذراعيها، وزوجها طريح الفراش وفاقد للبصر: "نحن 16 شخصا في
خيمة واحدة.. كل شيء صعب للغاية، العثور على الحطب والطعام.. ويعمل الأطفال
أحيانا في جمع البلاستيك".
وتقدمت العائلات بطلب المساعدة في
البحث عن الأقارب المحتجزين في نظام السجون الحكومي السوري الواسع. قال منظم
المخيم إن كل فرد تقريبا كان لديه أحد أفراد أسرته محتجز من قبل حكومة الأسد.
قال جرير سليمان، أحد المسنين المتكئين
على عصيهم خارج خيمتهم الجماعية: "لو لم نكن خائفين، لما جئنا إلى هنا".
وقال سليمان، الذي كان يوما من مالكي
الأراضي الأثرياء، إن الحكومة السورية قطعت بساتين الزيتون الخاصة به بعد أن سيطرت على قريتهم، خيارة، جنوب دمشق.
واستبعد العودة إلى بلده ما بقي الأسد في السلطة.
وقال: "لن نعود إلى قرانا حتى توفر
لنا تركيا الحماية.. فبدون الأتراك لا يمكننا البقاء على قيد الحياة".