هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ظاهرة الإساءة إلى الإسلام
والمساس برموزه الدينية وأحكامه الشّرعية ظاهرة قديمة، إلا أنّها تزداد توسّعا
وجرأة وانتشارا، وهيمن أعداء الإسلام طبيعية ومنتظرة، أمّا من أبناء جلدتنا فهي
باعثة على القلق والحيرة، وخاصّة عندما لا تخضع إلى المنطق العلمي بل إلى الأهواء
والتشهّي، تحت غطاء حرية الرأي والفكر، وهي أمام ضعف الحصانة الحضارية والمناعة
الثقافية أخطر، في ظلّ هذه الثورة المعلوماتية والفوضى الإعلامية، وهي تكاد تكون
مركّزة على الإسلام دون غيره، مع أنّ العلمانية والنّزعة الحداثية تدّعي الحيادية
وأنها على مسافة واحدة من جميع الأديان، إلاّ أنّ التدقيق في حالهم يؤكّد جهلهم
بحقيقة الإسلام، ونزعتهم المتطرّفة ضدّه، واللاّ مسؤولية العلمية والأخلاقية لديهم.
ولاشكّ أن هذه الظاهرة مستفزّة للمشاعر
الدينية لأيّ مسلم غيور على مقدّساته، وهي حتما ستؤدّي إلى نوع من الإثارة
والاستقطاب والتوتّر، وأنّ جزءا من الأزمة هو المساس بحرمة الدّين استخفافا
واستهزاء وإمعانا في الإساءة، بعيدا عن احترام التخصّص العلمي والنقد الموضوعي
والمنهجية المعرفية. هناك تداخل استعماليّ لمفهوم الحرّية، وأنّ ازدحام الواقع
الإنساني بالعديد من المرجعيات الدينية والخلفيات الثقافية والتصوّرات النظرية
لهذا المفهوم هو ما جعل النظر إليها والاستناد إليها مختلفا، وهو ما يفتح النقاش
حول الحدّ الفاصل بين حريّة الرّأي وبين الطّعن في الدّين، وإلى أيّ حدّ يمكن
التوفيق بين حرية الرأي وبين احترام المقدّسات بعيدا عن هذه الكراهية الدينية؟ وما
هي مساحات هذه الحرّية وتطبيقاتها الواقعية في الممارسة؟ ومدى تقييدها بالقوانين
والأعراف والتقاليد وأحكام الدّين؟ وهل الإساءة إلى الدّين هو عمل يقتضي التجريم
القانوني؟ أم أنه توريط للقضاء في مسائل تتعلّق بقضايا الرّأي والحدّ من حريّة
الإبداع والفكر. إنّ حرية التعبير والرأي في المجتمعات المتقدّمة تتأسّس ممارستها
على جملة من المبادئ والضوابط الأخلاقية والقانونية، وذلك لا يُعتبر تضييقا لها،
إذ أنّها ليست مطلقة، بما لا يسمح من التعسّف في استعمالها والمساس بغيرها من
الحرّيات والحقوق للآخرين، إذ أنه لا توجد حصانة مطلقة في الفكر والرأي دون
مسؤولية أخلاقية وقضائية وجزائية، وإلاّ تحوّلت هذه الحرّية إلى فوضى، ضرُّها أكبر
من نفعها.
ومع أنّ الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان في مادته 19 ينصّ أنّه: (لكلّ شخص حقّ التمتع بحرية الرأي والتعبير.. يشمل
هذا الحقّ حرية اعتناق الآراء دون مضايقة أو تدخّل.. له الحقّ في التماس الآراء
والأفكار وتلقيها ونقلها للآخرين بأيِّ وسيلة، ودونما اعتبار للحدود)، فإنّ هذا
مفهوم غربيّ هلامي ومثالي للحرّية غير واقعي، إذ لا توجد هذه الحرّية حتى عند مَن
يدّعيها، فالقانون الفرنسي – مثلا – يمنع أي كتابة أو حديث علني يؤدي إلى حقد أو
كراهية، لأسباب عرقية أو دينية، وكمثال على ذلك، فهو يمنع أيّ تكذيب لما تعرّض له
اليهود من إبادة جماعية من قبل النازيين.
ومفهوم الحرّية في الإعلان العالمي لحقوق
الإنسان مع بداية الثورة الفرنسية سنة 1789م كان يعرّفها ويقيّدها بأنها: (حقّ
الفرد أن يفعل ما لا يضرّ بالآخرين، وأنّ الحدود المفروضة على هذه الحرية لا يجوز
فرضُها إلاّ بقانون)، وهي تُعرّف أيضا بأنها: (قدرة الإنسان على التصرّف، إلاّ
لمانع أو أذى من ضرر له أو لغيره).
فحق إبداء الرأي وإن كان في مقام
رفيع من الأهمية، إلا أنه مثل سائر الحقوق يخضع لمبدأ المسؤولية والواجب، فهو ليس
حقّا سابحا في المطلق، وإنما يخضع لضوابط المصلحة ودفع المفسدة، وأنّ الشرائع على
اختلافها -وإن تباينت في كمية ونوعية الضوابط التي ترسم حدود هذه الحرية- إلاّ
أنها تتفق في المجمل على أنه لا مكان لشيء اسمه حرّية التعبير المطلقة، وبالتالي
فإنّ ظاهرة الشذوذ الفكري في فهم الحرّية، والذي ينعكس على حالة الشذوذ السلوكي
والعملي، والذي لا يفرّق بين: الحرية والتشهير، وبين الحرية والإساءة، وبين الحرية
والاستهزاء، وبين حرية التعبير وواجب احترام المقدسات الدّينية هو من العبث وليس
من الحرية في شيء، فبين حدود العقل والفكر وبين مساحة النصّ وحقل المقدّس يجب أن
يكون هناك اتفاق على تحديد مجالات الرّأي، وهي وفق ضوابط الشريعة التي لا تتجاوز
ما هو مجمع عليه بنصّ قطعيِّ الثبوت والدلالة، مع مراعاة مآلات الرأي إن كان مفضيّا
إلى مفسدة محقّقة أو مضرّة واضحة، مثل قوله تعالى في سدّ ذريعة سبّ الله تعالى:
“وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ
عَدْوا بِغَيْرِ عِلْم كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّة عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى
رَبِّهِم مَّرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُون.” (سورة
الأنعام: 108).
ولا يجوز الإلزام بما فيه خلاف معتبر، كما قال
شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى: 20/ 207): (مسائل الاجتهاد من عمل فيها
بقول بعض العلماء لم يُنكر عليه ولم يُهجر، ومن عمل بأحد القولين لم يُنكر عليه)،
وهو ما يعني أنّ الاجتهاد البشري لا يُستبدُّ به ولا يُحتكَر الصواب فيه، فهو غير
معصوم، وأنّ الخطأ عليه وارد والخلاف فيه سائغ، فكيف يُجعل من الرّأي البشري أقدس
وأصوب من الحكم الإلهي؟ من كان مسلما حقيقة فهو يخضع بحكم الرّبوبية والألوهية إلى
منطق التسليم لله والرّضا به في مجال الأحكام القطعية للدّين، كما قال تعالى:
“وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرا
أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ.” (الأحزاب: 36).إنّه لمن غير
الدقّة العلميّة اعتبار ناقدي الأديان والمستهزئين بها أصحاب رأي وفكر، وحملة
مشروع إصلاحي تنويري وتجديدي كما يتوهّم البعض، بل إنّ كثيرا منهم طالبُو شُهرة
فقط، وهم مُعبّرون عن مواقف سياسيّة وإيديولوجيّة لا تثقل بحمولة علمية ولا بمضمون
معرفيّ حقيقيّ.
إنّ تقديس الحرّية هو تقديس لتصوّرات بشرية هي
أقلّ شأنا من حرمة المقدَّس الدّيني، وهذه القداسة مُوجَّهة وكيل بمكيالين، لأنّ
مجالها المفضّل هو استعراض بطولاتها على الدّين لا غير. إنّ نفي القداسة عن الدّين
وسحبها على الحريّة هو سذاجة فكرية مكشوفة، إذ لا تعارض بين الحقيقة الدينية وبين
المفهوم الصحيح للحرية. إنّ المسلم الحقيقي لترتعد فرائسُه من الجرأة على الدّين
والاستهزاء به، وهو يقرأ قوله تعالى: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ
إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ
كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ.”(التوبة: 65،66). نعم، يجب التمسّك الشرس بحرّية الرأي والتعبير،
وهي من أهمّ الحقوق الأساسية التي نحارب من أجلها، لكنّ الرّد العلمي بالحجة
والبرهان على هذه الإساءات إلى الدّين تحت غطاء حرية الرأي يبقى أمرا مهمّا ومطلوبا،
وهذا يكون مع أصحاب الفكر والرأي الحقيقي، ولكنه لا يتعارض مع تفعيل الأدوات
القانونية وأدوات حماية ثوابت الشعب وهويته، خاصة عندما تكون الإساءة لا علاقة لها
بأيّ مضمون علمي أو فكر نقديّ موضوع.
والدستور الجزائري ليس بدْعا من
الدساتير والقوانين في العالم في تقييد هذه الحرّية، إذ ينصّ في المادة: 34 أنه لا
يمكن تقييدُ الحقوق والحرّيات والضمانات إلاّ بموجب قانون ولأسباب مرتبطة بالنظام
العام والأمن وحماية الثوابت الوطنية، وكذا تلك الضرورية لحماية حقوق وحرّيات
أخرى. كما ينصّ على حرمة حرية الرأي، وعلى الحرية في التعبير، وأنّ ذلك يكون في
إطار القانون واحترام ثوابت الأمة وقيمها الدينية والأخلاقية والثقافية.
وينص قانون العقوبات في المادة
144 مكرر (2) جديدة: (يُعاقَب بالحبس من 03 سنوات إلى 05 سنوات، وبغرامة من 50.000
دج إلى 100.000 دج أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كلُّ مَن أساء إلى الرّسول صلى
الله عليه وسلّم أو بقية الأنبياء، أو استهزأ بمعلوم من الدّين بالضّرورة، أو بأيّ
شعيرة من شعائر الإسلام، سواء عن طريق الكتابة أو الرّسم أو التصريح أو أيّ وسيلة
أخرى.. تباشر النيابة العامة الإجراءات الجزائية تلقائيّا).