قضايا وآراء

الزيادة السكانية.. معضلة الاستبداد الأزلية

إبراهيم بدوي
1300x600
1300x600
يتعمد جنرال مصر - بمناسبة أو دون مناسبة - لفت الأنظار إلى الزيادة السكانية، التي تعد من وجهة نظره خطرا على التنمية والاستقرار. ومؤخرا قرر تجييش وزاراته المختلفة ووسائل إعلامه جنبا إلى جنب مع دار الافتاء لعزف لحن موحد وبائس حول خطورة تلك المعضلة، أملا في تحويل الأنظار عن فشله المستمر في إدارة الدولة، وتعليق أسباب التردي الذي تعانيه البلاد على شماعة الزيادة السكانية.
 
تشير معطيات الواقع إلى أن الدول المتقدمة تعتمد على مواردها البشرية في الارتقاء بكافة مناحي الحياة، وتوليها اهتماما بالغا من التطوير والرعاية المستمرة لتتمكن من أداء دورها كأبرز عوامل التنمية المستدامة، بينما لا تلقي الدول المحكومة بأنظمة قمعية بالا لهذا الجانب، رغم وجود أمثلة عديدة تؤكد عدم إمكانية التنمية دون تحقيق الاستفادة القصوى من الموارد البشرية.
تشير معطيات الواقع إلى أن الدول المتقدمة تعتمد على مواردها البشرية في الارتقاء بكافة مناحي الحياة، وتوليها اهتماما بالغا من التطوير والرعاية المستمرة لتتمكن من أداء دورها كأبرز عوامل التنمية المستدامة، بينما لا تلقي الدول المحكومة بأنظمة قمعية بالا لهذا الجانب

اليابان على سبيل المثال، دولة صغيرة المساحة نسبيا، تبلغ مساحتها ثلث مساحة مصر تقريبا، وتحتل المرتبة الحادية عشرة عالميا من حيث الكثافة السكانية، ومواردها الطبيعية محدودة للغاية، وتتعرض بين حين وآخر لكوارث طبيعية مثل الفيضانات العارمة والزلازل المدمرة. ورغم شح الموارد الطبيعية لديها واعتمادها على استيراد مختلف المواد الخام التي تحتاجها في الصناعات الثقيلة وتكنولوجيا المعلومات، تمكنت اليابان من إحراز تقدم تكنولوجي هائل، واحتلت موقعا متميزا على خارطة الصناعة العالمية.
 
بدأت اليابان خطواتها الأولى مع النهضة بعدما وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها - في توقيت متقارب جدا مع استلام الجنرالات حكم مصر عام ١٩٥٢م - فبعد فترة وجيزة من هزيمتها في الحرب العالمية، التي خرجت منها منهارة اقتصاديا وغير قادرة على الإنتاج، وإعلانها الاستسلام وقبول مبادئ مؤتمر بوتسدام، استثمرت اليابان في البشر، فأولت التعليم مكانة خاصة، وفي غضون سنوات قليلة تحولت مرارة الهزيمة إلى إنجازات في شتى المجالات، ليسجل ميزانها التجاري ربحا سنويا يصعب تصوره، بعدما اعتمدت مفهوم الجودة الشاملة كشعار لمنتجاتها التي حظيت بسمعة مرموقة ساعدتها على الاستمرار والمنافسة، إلى حد تجد معه الدول الصناعية الكبرى صعوبة في اللحاق بها تكنولوجيا فضلا عن إيقافها أو منافستها.
 
الصين، العملاق الاقتصادي، والدولة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان -التي لو فكر قادتها بعقلية عسكر مصر لتخلصوا من ثلاثة أرباع الشعب - لم تجد الزيادة السكانية عائقا عن التنمية، وعلى العكس من ذلك ساهمت مواردها البشرية في تعزيز مكانتها الاقتصادية على المستوى الدولي، لتنتشر منتجاتها في كل مكان، فلا يكاد يخلو بيت في أركان المعمورة منها، بدرجات متفاوتة من الجودة تناسب موازنات أصحاب الطلب، وتتواءم إلى حد بعيد مع اشتراطات الجودة، إن وجدت.
 
تحكمت الصين في الإنتاج العالمي بمواردها البشرية، وباتت من الصعوبة منافستها نظرا لاعتمادها على اقتصاد الحجم، الذي يمكنها من تقديم منتج قد تصل قيمته الإجمالية إلى ما هو دون سعر التكلفة عند مقارنته بآخر خرج في سوق محلي آخر، وهو ما يضمن للتنين الصيني ميزة تنافسية لا تتوافر لدى كثير من منافسيه على الساحة الدولية.
 
غم هذه النماذج وغيرها، إلا أن السيسي - الذي جرب مرارة الحرمان بعدما ظلت ثلاجته فارغة إلا من الماء طوال عشر سنوات - لم يقتنع يوما بما يطلقه من شعارات، فالرجل له أربعة أبناء، فيما لا يزال مصرا على مطالبة المصريين بألا ينجبوا أكثر من طفلين

وغير بعيد عن الصين واليابان، تقبع مجموعة من النمور الآسيوية مثل ماليزيا وإندونيسيا وسنغافورة، تمكنت من الارتقاء بالعنصر البشري، وأغلقت صنبور الفساد بالقدر الذي يؤهلها لتحقيق معدلات عالية من النمو، لتقفز اقتصاداتها قفزات نوعية خلال العقود الأخيرة، وتحتل مكانة بارزة بين الكبار.
 
ورغم هذه النماذج وغيرها، إلا أن السيسي - الذي جرب مرارة الحرمان بعدما ظلت ثلاجته فارغة إلا من الماء طوال عشر سنوات - لم يقتنع يوما بما يطلقه من شعارات، فالرجل له أربعة أبناء، فيما لا يزال مصرا على مطالبة المصريين بألا ينجبوا أكثر من طفلين، كي يشعروا برغد العيش، والنعيم المقيم الذي أعده للشعب ولا يتحمل الصمود أمام غول الزيادة السكانية المزعوم، فتتهاوى الإنجازات تباعا أو تتوارى عن الأنظار.

وبينما يتوسع الجنرال في بناء القصور والاستراحات الرئاسية في مناطق مميزة بالسواحل المصرية، لا يكف عن محاولة إقناع الشعب - المحصور في شريط ضيق على ضفتي النيل لا تتجاوز مساحته ٦ في المئة من إجمالي مساحة مصر - بالصبر على مصاعب الحياة العام تلو الآخر، دون إيجاد بدائل تنموية تحقق حد الكفاية للمواطنين، أو تساهم في تمكين جيل الشباب الذي يقضي المخلصون منهم زهرة عمره بالسجون والمعتقلات، ليستكمل - دونما خجل - رحلة البحث عن مشجب جديد يعلق عليه إخفاقاته التي لا تنتهي.
التعليقات (0)