هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
برغم ما نقله الإعلام المصري عن الموقع البريطاني "lovemoney" الأحد الماضي، أن مصر ستكون بقائمة "أكثر الدول ثراء في 2030"، متفوقة على ألمانيا واليابان وروسيا، إلا أن نشرة السندات الدولية التي طرحتها مصر جاءت صادمة وكشفت أن البلاد يتعين عليها سداد 21 مليار دولار كالتزامات خارجية في 2021.
وزارة المالية المصرية قالت إنه وفقا لجدول سداد الديون المحدث في 30 حزيران/ يونيو 2020، فإن على مصر سداد 21.4 مليار دولار خلال 2021 بينها 10.2 مليار دولار بالنصف الأول و11.2 مليار بالنصف الثاني.
وأوضحت أن المبالغ المفترض سدادها تشمل ودائع خليجية ووصلت إلى 17.2 مليار دولار، بينها 7.5 مليار للسعودية و5.7 مليار للإمارات و4 مليارات للكويت، فيما يقوم البنك المركزي المصري بتوقيع اتفاقيات عدة لتجديد هذه الودائع.
وتبلغ الديون المصرية المستحقة للمؤسسات الدولية نحو 43 مليار دولار، وللصين، أكبر مقرض لمصر بعد السعودية والإمارات، نحو 4.1 مليار دولار.
وتواصل مصر عمليات الاستدانة وطرح السندات الدولية حيث طرحت القاهرة سندات دولية في 8 شباط/ فبراير 2021، بقيمة 3.8 مليار دولار على 3 شرائح آجال 5 و10 و40 عاما، كما رفعت مصر برنامجها للسندات ببورصتي لندن ولوكسمبورغ إلى 40 مليار دولار، وفق نشرة طرح السندات الدولية.
وفي أيار/ مايو 2020، باعت مصر سندات دولية بقيمة 5 مليارات دولار في أكبر طرح للسندات الدولية المصرية، وفي أيلول/ سبتمبر 2020، باعت أول سندات خضراء سيادية بالمنطقة بقيمة 750 مليون دولار.
اقرأ أيضا: ماذا تعني السندات الخضراء.. وهل تختلف عن أدوات الدين الأخرى؟
ووفقا للبنك المركزي، فقد سجل الدين الخارجي لمصر 125.3 مليار دولار بنهاية أيلول/ سبتمبر 2020، فيما تقوم سياسة الحكومة المصرية على استراتيجية إطالة أجل الدين الخارجي، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد فجوة تمويلية بنحو 8 مليارات دولار في موازنة 2020-2021.
"صندوق أسود"
وعن "متطلبات الديون من أقساط وفوائد على المستوى الخارجي"، أكد الخبير الاقتصادي المصري، عبدالحافظ الصاوي، في حديثه لـ"عربي21"، أن "النظام في مصر اعتمد على آلية تدوير الديون بمعنى أن يقوم باقتراض ديون جديدة لسداد القروض الماضية".
وأضاف: "لكن لعل المبلغ المطلوب سداده في 2021، والبالغ نحو 21 مليار دولار بالفعل كبير"، ويعتقد أن مصادر سداد هذه الالتزامات تأتي بأن "يجري النظام مفاوضات أخرى مع دول الخليج لإعادة جدولة الديون المطلوبة التي تخصهم، كما أنه سيقوم بالسداد الفوري لالتزاماتها الخارجية بأن يقترض مجددا".
وفي توصيفه للموقف قال إن "مصر أصبحت الآن من الدول التي تقدم سعرا أعلى على سنداتها في الأسواق الدولية؛ ولذلك تجد إقبالا على الاكتتاب فيها".
وحول حجم ونوعية الضمانات التي تقدمها مصر للدائنين للحصول على مزيد من القروض، ألمح الخبير الاقتصادي إلى أن "الصندوق الأسود في هذه الاتفاقات على القروض يجب أن تكشف عنه الحكومة بكل شفافية وهو الضمانات التي تقدمها الحكومة لأصحاب هذه السندات".
وأوضح أنه "في الماضي قدمت مصر صادرات النفط كضمانة للحصول على قرض بـ ملياري دولار من سوق السندات الدولية بعهد حسني مبارك، عندما كان أحمد نظيف في رئاسة الوزراء وكان الدكتور مدحت حسانين وزيرا للمالية".
وبشأن الضمانات التي يقدمها النظام الآن للدائنين، قال الصاوي إنه "في ظل هذه السندات المتوالية التي تصدر كل سنة في السوق الدولية أتوقع أن صادرات الغاز الطبيعي قد تكون هي الضمانة".
اقرأ أيضا: ما دوافع السيسي من مشروع قطار سريع بتكلفة 23 مليار دولار؟
ولفت إلى أن "الأمر يحتاج إلى إعلان الحكومة لحقيقة الضمانات"، مشددا على أن "هذا حق الشعب ليعرف ما هي الضمانات مقابل تلك القروض".
وجزم بأن الأمر "الأهم من هذا وفي ظل استمرار الحكومة في سياسة الاقتراض هو أن تعلن كيف تقوم بتوظيف هذه الديون؟ سواء الديون القديمة أو الجديدة؟".
وأكد أن "التوظيف في ما يتعلق بالدين إذا وجه إلى الإنفاق الجاري وإلى الإنفاق على مشروعات لا يمكنها سداد الفوائد والأقساط عليها؛ فهي عبء بلا شك على الأجيال القادمة، وعبء على الموازنة العامة في ما يتعلق بالفوائد السنوية التي يتم تقديمها".
وأعرب عن أسفه الشديد لأن "ما يأتي في إطار البيان المالي لوزير المالية عن الدين العام هو مجرد إعلان عن استهلاك الديون القديمة بديون جديدة أو تحويل بعض أذون الخزانة إلى سندات على الخزانة أي تحويلها من قروض قصيرة الأجل إلى قروض طويلة الأجل".
وأكد أن "المطلوب هو أن تقدم الحكومة خطة وبرنامجا للتعامل مع الدين، ومتى يتوقف، وكيف سيتم سداده، ومتى يتوفر للدولة مصادر ذاتية أو اعتماد الدولة على الاستثمار لتمويل المشروعات".
وختم حديثه بالقول إن "كل هذه تحديات لم تفصح عنها الحكومة أبدا ولم تقدم عليها إجابة حتى الآن".
"كابوس يهدد المصريين"
وفي رؤيته قال الخبير الاقتصادي حسام الشاذلي، إن "جميع المؤشرات تشير إلى مدى استفحال حجم الدين الخارجي المصري في عصر النظام الحالي، والذي قام ببناء منظومته الاقتصادية على استراتيجية القروض طويلة الأمد وترحيل الالتزامات وتجديد الفوائد".
وجزم الشاذلي في حديثه لـ"عربي21"، بأن "كل هذه آليات تؤدي إلى طريق واحد؛ وهو انهيار المنظومة الاقتصادية طال الوقت أم قصر".
وفي توصيفه للموقف أكد أن "المعضلة الحقيقية في المنظومة المصرية الاقتصادية الحاكمة أنها لا تضم خبراء اقتصاديين متميزين نهائيا، وأن الاستراتيجية الاقتراضية بدائية تتشابه مع تجار العقارات والأراضي، ومع مشاريع المناقصات التي تطرحها القوات المسلحة، ولا تليق بحجم دولة مثل مصر".
وأوضح أن "سداد التزامات هذه الديون الفلكية لا يتم إلا عن طريق قروض جديدة، أو بإعادة الجدولة بفوائد ضخمة كما يحدث مع ودائع الخليج وقروضه، أو بطرح مستندات الحكومة وأصول الدولة بالبورصات العالمية كغطاء رسمي لتلك القروض".
وشدد الشاذلي، على أن "جميعها مؤشرات حُمر تدل على فشل نموذج الاقتراض بكل المعايير ومدى خطورة الوضع العام للمنظومة".
اقرأ أيضا: "صندوق النقد" يصدر تقريرا يحمل مؤشرات خطيرة عن ديون مصر
وأكد أن "غياب العقليات الاقتصادية المتخصصة يجعلنا نشهد خروج آليات للجباية مثل تسجيلات الشهر العقاري للملكيات، وقانون التصالح على البناء، وغيرهما"، مضيفا أن "جميعها مفاهيم بدائية توظف آليات قد عفا عليها الزمن لمحاولة دعم الميزانية، ويدفع ثمنها الشعب المصري من قوته وعيشه".
ولفت إلى أن "ذلك الأمر يستفحل أكثر وأكثر مع التزامات القروض، ومع عجز الحكومة عن السداد، ومع الضغوط الخارجية للمؤسسات المالية"، مشيرا إلى مخاطر ارتفاع حجم القروض الخارجية في عهد رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي.
الخبير الاقتصادي المصري أكد أنه "لا سبيل لإصلاح تلك المنظومة إلا بالتأسيس لاقتصاد منتج، تدعم فيه الحكومة المشاريع الصغيرة والمتوسطة على نطاق واسع، وتؤصل لمرحلة صناعية شراكية جديدة، توظف فيها السوق المصرية والشرق الأوسط كواحدة من أهم الأسواق الدولية".
وحول تأثير هذه المبالغ المطلوب سدادها خلال 2021 على الاقتصاد المصري وعلى الشعب المصري، أعرب الشاذلي عن أمله بأن "يتم ذلك سريعا حتي يتجنب الشعب المصري شبح الإفلاس والديون التي باتت كابوسا يهدد كل المصريين في حاضرهم ومستقبلهم".
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي عبر السياسي المصري رئيس حزب الجيل ناجي الشهابي، عن غضبه من "تضاعف الديون الخارجية والداخلية 5 مرات عما كانت عليه منذ 5 سنوات"، محذرا من أن "الأجيال القادمة لن تستطيع تسديدها".
وقال عبر "فيسبوك"، إن "الذي يزيد الأمر غرابة أنه بالرغم من رفع الدعم، وبيع البنزين، والكهرباء، والمياه، والغاز، بأسعار تحقق هامش ربح فإن وزارة المالية مستمرة فى الاستدانة..".
واعتبر أن "الاستمرار في سياسة الجباية هذه والضغط على المواطن سيكون لها آثار وتداعيات خطيرة من الممكن أن تعصف بالاستقرار الذي تعيشه البلاد".