هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بالطبع، ما سأتناوله بالتحليل ليس دفاعاً على التحرش بكافة أشكاله. التحرش مُدان اجتماعياً وأخلاقياً؛ ولا نقاش في هذا. لكني بنفس الوقت أطالب بوضع ضوابط لمحاسبة المتحرش، حتى لا يختلط الحابل بالنابل، وحتى لا تتحول هذه الظاهرة إلى سلاح خبيث للتخلص من أي مختلف؛ أو من يحمل فكرا أو رأيا مُعارضا أو من يُغرد خارج السرب.
دوما هناك مؤامرات التخلص من هؤلاء بفبركة فيديو صامت لا صوت واضحا أو موحيا أو كاشفا للحقيقة ضد المتحرش. تجد الضحية نفسها عرضة لأصابع اتهام قاسية - أو قد مزيفة - تواجهها من كل حدب وصوب. بالطبع سيبتهج المجتمع ويثور بسبب الميل الجمعي الذي يستقبل الإشاعة دون تمحيص.
سنسمع كل الأصوات ماعدا صوت المتهم؛ لأنه إذا تكلم ربما يثير القلق لمن قاموا بإدانته. لهذا سيتم حجب صوته تماماً عن مسرح الأحداث؛ إلى أن تكتمل فصول الإدانة تماما ويحكم الطوق الجائر على المُتهم، ويصبح الذهن الجمعي متقبلا أقصى لاستقبال أقسى العقوبة على هذا المتحرش.
يصبح المُتحرش بذهن الناس ذلك المريض ذا الأفعال الشاذة.. ذاك النبات السام في تربة صالحة يجب استئصالها من جذورها. هكذا يتم التخلص من بريء تريد جهة ما التخلص منه.
لعل ما يؤكد ما أقوله أن الفيديو، أي فيديو، قد يُشتغل عليه تكنولوجياً وتُمكن معالجته حتى يظهر كما يريده صاحب الأمر، لذلك من الصعب أن يُعتّد به ويكون مصدر ثقة.
الآن يشيع استخدام خاصية تكنولوجية تستطيع خلط ملامح الوجه في غير محلها، وبالطبع ستكون لهذه التقنية نتائج كارثية على الضحايا؛ أبسطها تلفيق التهم ضد الأبرياء.
تحضرني هنا قصة حقيقية حدثت في أمريكا في التسعينيات؛ عن زوجين كانا على وشك الانفصال. ولكي يحرز الزوج قضية قانونية لصالحه لفق المؤامرة التالية:
اتصل الزوج بالزوجة ودعاها إلى تصفية الأمور بينهما بهدوء. أتت الزوجة بحسن نية إلى زوجها، وحالما دخلت تفاجأت به يجري إلى بلكونة شقته في العمارة مُستنجداً ورافعاً يده في الهواء، وكأنه يستغيث لئلا توقع به ضررا بالغا. لم تفهم الزوجة هذا التصرف الغريب من زوجها إلى أن قَدّم الزوج شريط فيديو منزوع الصوت لمحكمة أمريكية، يطالب فيه أن تحمية الحكومة الأمريكية من بطش زوجته الشريرة، متهمها بأنها جاءت لتقتله.
للأسف اعتُمد الشريط كإثبات دامغٍ على شر زوجته، وحكمت المحكمة بسجن الزوجة الشريرة وتغريمها مبلغاً ضخماً كعقاب على ميولها الإجرامية بحق زوجها. هكذا نجح الزوج في خطته الشريرة ضد زوجته البائسة؛ والتي لم تنتبه لهذه المؤامرة الدنيئة من زوجها.
كان الزوج قد اتفق مع أحدهم أن يصوره من العمارة المقابلة، لكي يُظهر الشريط الذي قضى به على زوجته المسكينة.
ولهذا أدعو إلى الدقة في المعايير والضوابط حتى لا يُظلم من اتهم بتهمة التحرش، وحتى لا يختلط الحابل بالنابل.. محبتي.