هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الكتاب: "الاتصال الدعوي وتطبيقاته المنهجية"
المؤلف: الدكتور محمد بابكر العوض عبد الله
الناشر: المعد العالمي للفكر الإسلامي
الطبعة الأولى 2019
عدد الصفحات: 304
عرفت المكتبة الإسلامية تراكما كبيرا في فقه الدعوة، وتميزت عدد من الكتب التي تخصصت في فن الدعوة وفي الخطاب الدعوي ومرتكزاته، واقتربت كتابات أخرى استغلت بفقه الدعوة وخطابها من حيث التماس مع المجال الإعلامي، فنشرت دراسات حول الأذان وخطبة الجمعة كوسائل إعلان وإعلام، بل وتوجهت دراسات أخرى إلى دراسات النص القرآني باعتباره خطابا إعلاميا، لكن، مع الوفرة البحثية التي حاولت أن تقرب الشقة بين فن الدعوة وبين مجال الإعلام، فإن البعد النظري في وصل المجالين أو في وصل الدعوة بالمجال الاتصالي بقي في الحدود الدنيا، وذلك ربما لأسباب تتعلق بالتخصص الأكاديمي، أو تتصل بمحدودية الضغط الذي كان يفرضه التأصيل.
بيد أن المشروع الذي انخرط فيه المعهد العالمي للفكر الإسلامي، والذي كان من بين مهامه الأساسية في البدء أسلمة المعرفة وانتهى في مساره الأخير إلى البحث عن التكامل المعرفي، هذا المشروع أعاد طرح موضوع بحث العلاقة بين الدعوة وبين علم الاتصال، بل سمح باختبار فرضية وجود اتصال دعوي بالمعنى النظري والأكاديمي وهل بالإمكان الحديث عن الدعوة بوصفها مفهوما اتصاليا أو على الأقل سمح ببحث حدود العلاقة بين الدعوة وبين الاتصال بالشكل الذي استقر في الكتابات الأكاديمية في حقل الاتصال والإعلام.
من المراجعة النقدية للخطاب الدعوي إلى تبرير الحاجة لاتصال دعوي
لا يتردد الباحث (الدكتور محمد بابكر العوض عبد الله) في الكشف عن هدفه من كتابه "الاتصال الدعوي وتطبيقاته المنهجية"، فهو يقصد القيام بجهد نظري أكاديمي للوصل بين الدعوة وعلم الاتصال، بل يقصد تأصيل ما أسماه بالاتصال الدعوي، ووضع الإطار العلمي لتكامل الدعوة بعلم الاتصال، لكن هذه المهمة في نظره، تشترط القيام أولا بنقد التراكم العلمي والمنهجي الحاصل في مجال الدراسات الدعوية، وقراءة مختلف المعطيات المعرفية المتعلقة بالدعوة من جهة وعلم الاتصال من جهة أخرى، لبناء رؤية وتحديد موقف يمكن الاستناد إليه في إعادة بناء كل من دراسات الدعوة والاتصال، بحيث تصير معبرة عن وقائع الفعل التواصلي الجارية بين مجتمعات المسلمين أو التي تتم بينهم وبين غيرهم.
فهدف الدراسة إذن، هو إعادة بناء كل من مفاهيم الدعوة والاتصال وتحقيق التكامل بينهما، فإن السعي لتحقيق ذلك في نظر الكاتب يتطلب تطبيق المناهج العلمية على الأبحاث والمناشط الدعوية من جهة وتزويد الواقع بنتائجها من تطوير لنتائج الدراسة والتدريب لمتخصصي الدعوة وتمليك العالمين في مجلها من دعاة وخطباء ووعاظ أسرار العملية الاتصالية.
يتنوع هدف الدراسة إذن إلى قسمين، قسم معرفي يتعلق بصياغة العلاقة بين الدعوة وعلم الاتصال (التأصيل) وقسم علمي تطبيقي، يتعلق بتمليك العاملين في مجال الدعوة بالمهارات والمعارف والقدرات التي توفرها عملية الاتصال من أدل تجويد الخطاب العدوي وترصيد عائداته.
يقر الباحث في كتابه أن مهمة التأصيل ليست سهلة في المتناول، وإنما هي مهمة شاقة تتطلب رحلة جماعية موثقة من إمعان مرهق في النظر بحثا عن التأسيسات المعرفية معاناة دائبة في التواصل والبحث التماسا لتطبيقات منهجية تجرى في جامعات العالم الإسلامي وتقع تحت عناوين حقوق الدعوة والاتصال.
ولأن وسائل الاتصال الجماهيرية تعد اليوم الجهاز المركزي الذي يوجه الفر والمجتمع، فإن صياغة منهج للإعلام الإسلامي يعمل على سد الفراغ الهائل في منظومات المنهج الإسلامي بات يمثل ضرورة ملحة، حتى يتبلور أنموذج جديد للإصلاح الإسلامي يقوم على الشمول والتكامل والواقعية.
لا يندرج الكتاب ضمن كتب الدعوة أو كتب الإعلام أو كتب الإعلام الإسلامي، فالباحث يلح على أن يضع الحقل الذي يندرج فيه كتابه وهو حقل الاتصال الدعوي، كما يلح على أن مهمته الأساسية هو الدفع بالتأصيل العلمي والتنسيق المنهجي للدراسات الجارية في مجال الدعوة بحيث تتبلور في هيئة مساق تخصصي يلتقي مع مخرجات العقل الأكاديمي البحثي في مجال علوم ودراسات الاصال الإسلامي، وتتوفر مادة مرجعية تحتوي إعادة التعريف بالعلم الدعوي ومفاهيمه وقضاياه ومناهجه وتطوره التاريخي وعلاقته بالإطار المعرفي الذي يبرز من خلال الجماعة العلمية القائمة عليه والمؤسسات العلمية الممثلة له.
في الطموح الأكاديمي للاتصال الدعوي
لم يقتصر الكتاب فقط على جهد التأصيل وبحث التكامل في العلاقة بين علم الدعوة وبين علم الاتصال، ولكن طموحه امتد لأكثر من ذلك، مما له علاقة بإبراز القيمة المنهجية لدراسات الاتصال الدعوي من بين مباحث علم الاتصال العام، وتأكيد محورية الاتصال الدعوي ضمن مباحث علم الدعوة المعاصر. فهذا الطموح المزدوج الذي يسعى للبحث عن مكانة للاتصال الدعوي ضمن علم الاتصال العام وضمن علم الدعوة المعاصر، قصد بها الباحث بناء الجسر المتين بين علم الاصال وعلم الدعوة، وتأصيل الإفادة المتبادلة بين العلمين، وليس فقط محاولة تبيئة علم الدعوة المعاصرة مع المفاهيم المنهجية التي استقرت في علم الاتصال العام، فالباحث من خلال جهده الأكاديمي حاول أن يبرر الحاجة إلى التقارب بين العلمين في طبيعة الطرح وطريقة المعالجة للمقولات والمسائل المتعلقة بالإعلام والاصال والدعوة.
في الإطار النظري للاتصال الدعوي
يضم الكتاب أربعة أبواب، حاول الباحث في الثلاثة الأولى منها أن يشتغل على التأصيل النظري للاتصال الدعوي وتأكيد التكامل بين علم الاتصال وعلم الدعوة والخلوص للملامح العامة للإطار النظري للاتصال الدعوي، في حين خصص الباب الرابع للجوانب التطبيقية المرتبطة ببحث الاتصال الدعوي في أنظمة التعليم.
ففي الباب الأول الذي خصصه للتأسيس المنهجي للاتصال الدعوي، تعرض الباحث في سياق أكاديمي مدرسي لمفاهيم الدعوة والاتصال، وانتهى في هذه الرحلة المفاهيمية إلى إثبات نتيجتين مهمتين أولها إثبات المفهوم الاتصالي للدعوة، والثانية إثبات العلاقة بين الدعوة والاتصال، كما سعى في جانب آخر إلى بحث التكامل بين مناهج العلوم الاجتماعية والإنسانية وبيان واقع العلاقة بين علم الاتصال والعلوم الأخرى، لينتهي من ذلك إلى أن شواهد التكامل بين العلوم، وبخاصة بين علم الاتصال والسياسة أو علم الاصال وعلم النفس، أو علم الاصال وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا أو علم الاصال وعلم اللغة، إن هذه الشواهد تبرز حسب الكاتب التقدير الذي يكنه الاتصاليون للتفاعلية والرمزية باعتبارها نموذجا تفسيريا حقق تطورا تجاوز مستوى الفروض البسيطة وقدم منظورا يمتلك قدرة تفسيرية شاملة، بما يعني إمكان تجسير العلاقة بين علم الاتصال وعلم الدعوة والإفادة من هذا النموذج التفسيري الذي يقدمه علم الاتصال.
يقرر الباحث بعد التوقف طويلا على الأطر المذهبية والإيديولوجية التي تطبع علم الاتصال وأنظمته، إلى أن بناء أي نظام اتصال إسلامي يتطلب استحضار الخصوصية الثقافية التي تكسبه تميزه وفرادته المميزة وسط عالم يضج بخليط متعاظم من الأنظمة الاتصالية والمؤسسات الإعلامية.
بعد هذا الجهد النظري التأصيلي، انتقل الباحث إلى القرآن، ليستأنف مهمة التأصيل من الجهة المقابلة، أي بالبحث عن الأسس القرآنية للاتصال الدعوي، بدءا بتقديم لمحة عن الأسس القرآنية للمعرفة الاتصالية، وذلك بالتركيز على الأبعاد الوجودية والحضارية للاتصال في القرآن، واستكشاف بعض مركزات التواصل الإنساني في القرآن واستخلاص السمات العامة للاتصال في الرؤية القرآنية، لينتقل الباحث بعد ذلك إلى السنة النبوية، متوقفا على مقام النبوة ودعوة الرسل وأهمية دراسات السنة والاتصال محاولا استخلاص معالم الرؤية التواصلية في السنة النبوية وكيف تنظمت حركية الاصال في عهده عليه الصلاة والسلام.
وهكذا انتهى الباحث من البابين الأول والثاني، إلى وضع الإطار النظري للاتصال الدعوي مركزا في ذلك على خصائص النظرية الاتصالية وأهم موضوعاتها، مفيدا من الخبرة التي قدمتها نظريات التأثيرات المعرفية لوسائل الاتصال وكذا اتجاهات نقد النظرية الاتصالية، لينتهي به هذا المسار النقدي إلى تحديد ملامح لنظام اتصال إسلامي.
يقرر الباحث بعد التوقف طويلا على الأطر المذهبية والإيديولوجية التي تطبع علم الاتصال وأنظمته، إلى أن بناء أي نظام اتصال إسلامي يتطلب استحضار الخصوصية الثقافية التي تكسبه تميزه وفرادته المميزة وسط عالم يضج بخليط متعاظم من الأنظمة الاتصالية والمؤسسات الإعلامية.
ويرى الباحث تبعا لذلك أن النظام الاتصالي الإسلامي هو ذلك النظام الذي ينشأ في سياق الإسلام ويصدر في عمله من أصوله ومقاصده ويلتزم بمبادئه ويعبر عن قيمه وهو النظام الاتصالي الذي يعبر محتواه عن الوجود الاجتماعي والثقافي للإنسان المسلم في إطار علاقته بذاته ومجتمعه والآخر الإنساني ويتميز بمخرجاته بما يميز مجتمعاته من سمات فكرية وثقافية، بحيث ينبغي للنظام الاتصالي الإسلامي أن يعبر بآلياته المختلفة عن حقيقة الممارسة الاتصالية الجارية في المجتمعات الإسلامية.
يخصص الباحث الباب الثالث لبحث الجوانب العملية للاتصال الدعوي، فبعد تعريفه لمفهوم الفعل الاتصالي، عرج الباحث على اركان هذا الفعل ومستوياته وميادينه، مركز بشكل أساسي على مقاصد الفعل الاتصالي وبشكل خاص ما يرتبط بوظيفته وتأثيره.
يركز الباحث على أربع مستويات من الـتأثير يختص بها الاتصال الدعوي ويميزه عن غيره من أنواع الاصال الأخرى، فإذا كانت هذه الأنواع تشترك مع الاتصال الدعوي في الإقناع كتأثير مرجو من العملية الاتصالية، فإن الاتصال الدعوي يتعدى الإقناع إلى إحداث تأثيرات أخرى ترتبط بالهداية والبلاغ فضلا عن التأثير على مستوى القيم.
في تقييم المخرجات البحثية والعلمية في مجال الاتصال الدعوي
وينهي الباحث كتابه بالحديث عن المخرجات سواء منها المناهج الدراسة أو البحوث العلمية وإلى أي حد يمكن أن تعتبر مقدمات لبوادر بروز اتصال دعوي كمساق معرفي صاعد وطبيعة وحجم التمثلات التي تحققت على مستوى مناهج الجامعات وما تعلق منها بمجالات الدعوة والاتصال.
فقد حاول الباحث في الفصل الأول من الباب الرابع المعني بتقييم هذه المخرجات، أن يعرف بالمفاهيم المتعلقة بالمنهج الجامعي مستعرضا عددا من التجارب في مجال تدريس مناهج ومقررات الاصال الدعوي وما يرتبط بذلك من تحولات وتعديلات داخل المؤسسة الأكاديمية من إنشاء كليات وأقسام للدعوة والاصال وتصميم المقررات العلمية والمناهج الدراسية ومدى قربها وبعدها من مفهوم الاصال الدعوي، فيما سعي في الفصل الثاني من تقييم هذه المخرجات إلى استكشاف واقع البحث في مجال الاتصال الدعوي وذلك من خلال اتباع الصيغ المختلفة للبحث العلمي من بحوث الجامعات وإصدارات المجلات العلمية وبحوث المؤتمرات، حيث ركز على طبيعة هذه البحوث في مجال الاتصال الدعوي وأهمتها وأهم اتجاهاتها مقترحا في ألأخير جملة مقترحات لبحوث جامعية في مجال الاتصال الدعوي.