قضايا وآراء

العربي والقدر الذي يُرد

نزار السهلي
1300x600
1300x600
مهد الاختراق الصهيوني على الجبهتين الفلسطينية والعربية؛ الطريق لتحقيق انهيارات واختراقات اشمل على الصعيد العربي، تمثلَ بفتح أبواب التطبيع السياسي والاقتصادي والثقافي، وخاصة من قبل عدة أنظمة في الخليج العربي كالإمارات والبحرين، إلى المغرب العربي. ويتآكل بشكل محزن قرار المقاطعة العربية لإسرائيل، وهو ما تجلى بوضوح في سلسلة الاتفاقات المبرمة في السر والعلن بين بعض الأنظمة العربية وسلطة الاستعمار الصهيوني، وبما يتجاوز أعراف ومواثيق التعاون والاتفاقات بين الدول، إلى التحالف المتين بين الطاغية العربي والمحتل الصهيوني ضد حقوق المنكوبين.

تلك الاختراقات العميقة باتت تمثل سلاحاً اسرائيلياً- أمريكياً لتعزيز الهجوم على الطرف الفلسطيني صاحب الأرض والحق، والمستمر في نضاله لاستعادتهم، وحين يتعهد رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بإطلاق رحلات جوية مباشرة من تل أبيب إلى المملكة العربية السعودية، في حال فوزه بالانتخابات القادمة، ويذكر في أكثر من مناسبة بشرى فتح صناديق المليارات الإماراتية والعربية خدمة لمشاريع الاستيطان والسيطرة وتعزيز الصناعات العسكرية الاسرائيلية باستثمارات عربية، تكون حلقات التآمر مكتملة والانهيار العربي الرسمي ناجزا ومكملا للاستثمار الفعال لاختلال الموازين بين قوتين ضاربتين: قوة الاستبداد مع قوة الاحتلال، وما تمثله قوة الاحتلال الضاربة في المنطقة بهدف تصفية القضية الفلسطينية، مع قوة الاستبداد القاطعة لكل الطرق المؤدية لمشروع عربي نهضوي.

إبقاء المجتمعات العربية تحت وطأة الاستبداد والقتل والتبعية والتمزق والنهب الشامل والإحباط، مع استعراض واقع حال الثورات المضادة وتحالف التطبيع العربي مع القوة الاستعمارية الصهيونية، وبما تحمله من أثقال وصعوبات الانهيار والتمزق، يُبرز أسئلة مهمة ورئيسة:

هل هي نهاية المطاف بتحالف صهيوني عربي ضد قضية الأمة (فلسطين) وضد قضايا التحرر العربي؟

وهل الأنظمة والقوى الناطقة بـ"المقاومة والممانعة" بمقدورها الاستمرار بشعاراتها على ضوء اللوحة العارية والقاتمة لواقعها المنشغل بقمع وقتل من يفترض به مقاومة المشروع الصهيوني؟

الإجابة على هذه التساؤلات بدقة وعلمية مسألة في غاية الأهمية، إذ أن التحديات الماثلة أمام المجتمعات العربية وأنظمتها القائمة على القمع والاستبداد؛ موضوعات لم تعد تحتمل العبث القائم على انتهاك الحقوق والكرامة الوطنية والشخصية للإنسان العربي. والمبالغة بالتفاؤل دون إسناد مادي هو انعكاس لواقع عربي مرير وقاسٍ في صيرورته، ودون إخراج الرؤية والممارسة من سياق رد الفعل والشعارات التلقائية وإرسائها على أساس موضوعي؛ ينعكس بأمانة موضوعية الواقع بكافة جوانبه وحركته وتناقضه، فلا يمكن التعامل مع الأسئلة المثارة أعلاه بغير الصراحة. فنجاحات المشروع الصهيوني باختراق أنظمة التصهين العربي والتحالف معها ليست قدراً لا يرد على الشعب الفلسطيني والعربي.

وما نشهده من انكفاء وتراجع وإحباط ليس نهاية المطاف لأحلام التحرر من الاستبداد والاحتلال. صحيح أن مرحلة الثورة المضادة صعبة ودامية وقاسية، لكن بالرغم من كل ما يجري فليس هو نجاح السيطرة على إرادة عربية وفلسطينية ما تزال رغبتها وقناعتها الذاتية بالتحرر تنبع من طبيعة وجوهر التناقضات التي تحكم الصراع مع المحتل؛ ومشروعه الاستعماري في فلسطين والمنطقة ومع الاستبداد والطغيان المتحالف معه..

تناقضات واضحة وعميقة بين مكونات الصراع تجلت في الموجة الأولى من الثورات العربية، التي كانت ردا واضحا على حالة تخاذل رسمي عربي تجاه الإنسان وقضاياه المختلفة من التنمية إلى التحرر، فلم تغادر هذه التناقضات واقع الإنسان العربي، بل زادت مفاعيلها في العقد الأخير وأسست لعقبات رئيسة أمام تدجين العقل العربي لهزيمته، بالرغم من عدم تبلور تفاعلات هذا التناقض بصورة كافية حاليا.

العلاقة المأزومة بين أنظمة الاستبداد والشارع العربي باقية، والتناقض مع المشروع الصهيوني سيبقى قائماً لثقة يقينية يتسلح بها الإنسان العربي والفلسطيني لتخطي هذه المرحلة الصعبة مهما اشتدت وقست الوقائع، وتمتن التحالف التطبيعي بين أنظمة التصهين العربي ومشروعها الاستعماري في فلسطين. فكل ذلك مناقض لطبيعة الأشياء ولمصالح الإنسان العربي والفلسطيني، وهو ما أدركته شوارع عربية تنزف من دموية المستبد والمحتل، ولم تدركه للأسف قوى وحركات وأحزاب "وطنية وثورية" لم تزل ناطقة بخفوت عن مقاومتها، ومغيبة تماماً لسلاحها الأهم: حرية الإنسان العربي ومقاومته للظلم والقتل والدمار الناجم عن الطغيان خدمة للاحتلال ومشروعه الاستعماري.

أخيراً، إذا بقيت نظرة حركة التحرر الوطني الفلسطيني والعربي مع نخبها المختلفة تعاني إخفاقا معرفيا لواقع عربي متصهين ومستبد، فإن الوقوع الفج والتعري الشامل بعيداً عن الاهتمام الجدي بمتطلبات الحرية والكرامة والمواطنة لن يؤدي إلا إلى هزائم جديدة، في وقت أسقط فيه العقل العربي هالة الطاغية، وما تحالفاته المتصهينة إلا تأكيد أيضا على أن طفرة التطبيع وترتيب كرسي الحاكم العربي لن يكونا قدرا لا يُرد.
التعليقات (0)