كتاب عربي 21

سوريا والإمبريالية واليسار

جوزيف مسعد
1300x600
1300x600
في تاريخ الإمبريالية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، ثمة عدد من حالات العدوان الإمبريالي على بلدان وأنظمة اعتبر العديد من اليساريين الاشتراكيين المعادين للإمبريالية حول العالم بعضها أنظمة رجعية أو على الأقل أنظمة لا تستحق الدعم. وفي بعض الحالات، كان هنالك إجماع على أنه في حين أن النظام المعني لا يجب الدفاع عنه، فإن العدوان الإمبريالي ضده لم يكن يهدف إلى إنقاذ الناس من طغيانه، الذي سيتواصل بعد تقويض النظام، بل كان الهدف الرئيس منه هو تأمين الهيمنة الإمبريالية والمكاسب الاقتصادية. وحتى في الحالات التي اعتبر اليساريون فيها أن النظام المستهدف يستحق الدفاع عنه، فقد كان جلّ اهتمامهم عادة ينصب على معارضة العدوان عليه لا الدفاع عنه.

لكن على الرغم من ذلك، فإن معارضي العدوان الأمريكي في جنوب شرق آسيا في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانوا غالباً ما ينعتون من قبل "الوطنيين" الأمريكيين بوصفهم عملاء للسوفييت، أو من أتباع الفدائيين الفيتناميين "الفييت مينه"، أو شيوعيين، أو خونة، وما إلى ذلك من أوصاف تخوينية.

ولعل أكثر هذه الغزوات شهرة في الحقبة الأخيرة هو الغزو الذي قادته الولايات المتحدة لشبه الجزيرة العربية في 1990/1991 وغزو العراق في عام 2003. لم يكن أي من المعارضين اليساريين للإمبريالية، ناهيك عن الليبراليين، يكنون أية مشاعر حب لنظام صدام حسين الاستبدادي، إلا أنهم كانوا يدركون جميعاً أن هدف الغزوات الأمريكية هو تأمين المصالح الإمبريالية ولا صلة له بتقويض الدكتاتورية، لا سيما وأن صدام كان حليفاً للغرب منذ أن استجاب للدعوة الإمبريالية لغزو إيران الثورية في عام 1980. صحيح أن كثيرين في دول العالم الثالث ومناطق أخرى من العالم، غير المطلعين على طبيعة نظام صدام، خُدعوا بشعارات نظام صدام حسين ودعايته المناهضة للإمبريالية، ودافعوا عنه ضد الغزو الأمريكي، لكن الاشتراكيين المناهضين للإمبريالية في جميع أنحاء العالم كانوا يعون طبيعة نظامه. وحتى عندما كشف الصحفيون عن أكاذيب أفراد من الأسرة الحاكمة في الكويت والتي زعمت زوراً بأن جنود صدام قتلوا أطفالاً في حاضنات قسم الخداج في مستشفى كويتي، فإن كشف هذه الأكاذيب لم يكن دفاعاً عن صدام بل هجوما على الدعاية الكاذبة.

كانت هناك أيضاً حالات أخرى مربكة في دول مثل أنغولا، بعد أن اعتلى نظامها الاشتراكي الثوري البلاد بعد حرب التحرير من الاستعمار البرتغالي في عام 1975. وكان قد تم التعاقد من الباطن مع حركة "يونيتا"، وهي جيش "ثوري" محلي كانت تدعمه الولايات المتحدة ونظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، لإسقاط النظام الاشتراكي، عبر الزعم بأن حركة "أونيتا" هي الممثل الحقيقي للشعب الأنغولي "المضطهد".

لقد بذل الاشتراكيون المناهضون للإمبريالية قصارى جهدهم لشرح معارضتهم لهذا العدوان الإمبريالي، وأصروا على أنهم يعرفون أن صناعة النفط الأنغولية خاضعة لسيطرة الشركات الأمريكية التي مارست ضغوطاً على حكومة الولايات المتحدة لتردعها عن دعمها المالي والسياسي لغزو جنوب أفريقيا ووكلائها المحليين لأنغولا، لأنه يضر باستثمارات هذه الشركات. وكان أعداء الإمبريالية يدركون أيضاً المفارقة المتمثلة في أن القوات العسكرية الكوبية كانت تدافع عن النظام الأنغولي وعن المصالح النفطية الأمريكية ضد العدوان الأمريكي والجنوب أفريقي، لكنهم أصروا مع ذلك على أن هذا الموقف لا ينبغي أن يردع أي شخص عن معارضة العدوان الأمريكي والجنوب أفريقي.

وكان قد أصر آخرون، من اليمين، على أن "يونيتا" كانت حركة أنغولية محلية لم تتمكن من العثور على حليف سوى نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا والإمبريالية الأمريكية، لكن هذا لا ينبغي أن يشوه مصداقية الحركة ونضالها من أجل الديمقراطية! قلة من معارضي العدوان الأمريكي والجنوب أفريقي وجدوا هذا المنطق المغلوط مقنعاً، حتى لو لم يدافع معظمهم بالضرورة عن أي من سياسات الحكومة الأنغولية.

أما في الحالة الليبية، فقد حذر العديد من مناهضي الإمبريالية من تدخل حلف شمال الأطلسي عام 2011 في ليبيا بوصفه مدفوعاً بالأطماع الإمبريالية الأوروبية والأمريكية لنهب ثروات البلاد، وليس بهدف تقويض الدكتاتورية في البلاد. وهنا كان رد مؤيدي التدخل الإمبريالي عليهم باتهامهم بالدفاع عن نظام القذافي. ولعل عمليتا التدمير والنهب المطلقتان لليبيا على أيدي الولايات المتحدة وأوروبا منذ ذلك الحين يكشف مَن من الفريقين كان مؤيداً للشعب الليبي ومَن كان عدوه. وينضم اليوم، ولا غرابة في ذلك، كثيرون من المؤيدين السابقين للتدخل في ليبيا إلى دعم جهود تغيير النظام السوري التي ترعاها الإمبريالية.

يحتقر اليساريون المناهضون للإمبريالية، من العرب ومن غير العرب في جميع أنحاء العالم، نظام الأسد في سوريا الذي لا يدافع عنه إلا الموالون للنظام وعدد قليل من المعارضين للإمبريالية الذين يعاني بعضهم من رهاب الإسلام والذين يعتقدون أنه إذا سقط النظام، فإن إسلاميين على غرار" داعش" سيحلون محله، وهذا السيناريو قد لا يكون مستبعدا بالضرورة. لكن هؤلاء ليسوا سوى قلة من بين أولئك الذين يعارضون التدخل الأمريكي في البلاد لإسقاط النظام على نفس الأساس الذي عارضوا فيه الغزو الأمريكي للعراق وشبه الجزيرة العربية، وغزو حلف شمال الأطلسي لليبيا، وغزو الولايات المتحدة وجنوب أفريقيا لأنغولا. والأساس هو أن الدافع لغزو البلاد المستهدفة كان دائماً الهيمنة الإمبريالية والنهب وليس كما يُزعم عادة، إحلال الديمقراطية.

لكن رغم ذلك، فإن التيار الواسع النطاق من المؤيدين الصريحين والضمنيين للتدخل الأمريكي والغربي في سوريا لا يصر فقط على أن مثل هذا التدخل سيكون بهدف دعم الديمقراطية ودحر الطغيان وأنه معاد للإمبريالية، بل أيضاً بأن جميع أولئك الذين يعارضون التدخل الإمبريالي هم بالتأكيد من مؤيدي نظام الأسد وأنهم فقط يختبئون وراء ستار معاداة الإمبريالية.

هاجمت رسالة نُشرت مؤخراً في إحدى صحف المعارضة السورية معارضي العدوان الأمريكي في سوريا. ويقول مؤلفو الرسالة:

"ظهرت عند بعض من يصفون أنفسهم عادةً بالتقدميين أو "اليسار" ولاءات مؤيدة لنظام الأسد تحت عنوان "مناهضة الإمبريالية". نتج عن ذلك انتشار معلومات مضلّلة ومغرضة بهدف حرف الانتباه عن الانتهاكات التي قام بها نظام الأسد وحلفاؤه، وهي انتهاكات موثقة جيداً بالمناسبة. تفاقمت هذه الظاهرة منذ بدء التدخل الروسي في سوريا لدعم بشار الأسد. يقدّم أصحاب هذه الولاءات أنفسهم كـ"مناهضين" للإمبريالية، لكنهم يعرضون انتقائية شديدة في الانتباه إلى مسائل "التدخل" وانتهاكات حقوق الإنسان؛ انتقائية تنحاز غالباً لحكومتي روسيا والصين. أما المعترضون على هذه المقاربات المفرطة التسييس فيتكرر وصمهم الكاذب بأنهم مجرد "متحمّسين لقلب النظام" أو مغفّلين وغافلين عن المصالح السياسية الغربية.. ما يجمع مثل هؤلاء الكتاب هو رفض مناقشة جرائم نظام الأسد، أو حتى الإقرار بحصول انتفاضة شعبية ضد نظام الأسد تعرضت للقمع الشديد". 

وتضيف الرسالة بأن معارضي التدخل الإمبريالي قد "تكاثروا" في السنوات الأخيرة، لكنها تؤكد أن "الولايات المتحدة غير مركزية في ما حصل في سوريا، على عكس ما يدّعيه هؤلاء. إن ادعاء ذلك، رغم كل الأدلة المغايرة، هو نتاج لثقافة سياسية محلية غربية تركّز على مركزية القوة الأمريكية على المستوى العالمي".

ويكشف مؤلفو الرسالة، ويا للعجب، بأنه ليس فقط لم يكن للإمبريالية الأمريكية أو الغربية دور فيما حدث في سوريا منذ عام 2011، بل إن "التدخل الإمبريالي لروسيا وإيران والصين" هو التدخل الوحيد! يبدو أن حقيقة التحالف الغربي الضخم بين تركيا وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر وإسرائيل والاتحاد الأوروبي، الذي استثمر مليارات الدولارات ودرب مليشيات مسلحة لإسقاط النظام السوري، لا تستند إلى الحقائق بل هي ليست أكثر من "نتاج لثقافة سياسية محلية غربية"! لكن متى تدخلت الصين في سوريا أصلاً؟ وفي حجة أصبحت شائعة - وإن كانت مثيرة للاستهزاء - تتهم الرسالة كل من يصر على مناقشة الحقائق الصارخة حول التدخل الإمبريالي الهائل في سوريا بأنه يلغي دور "فعالية" الشعب السوري!

يدين مؤلفو الرسالة، التي وقع عليها العديد من المؤيدين للتدخل الإمبريالي للولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في ليبيا أو سوريا (مثل جلبير أشقر وياسين الحاج صالح)، المعارضين للتدخل الإمبريالي في سوريا، لا سيما الصحفيين الاستقصائيين منهم والذين كشفوا الأكاذيب الدعائية لوسائل الإعلام ووكالات الاستخبارات الغربية، والذين لم تكشف الرسالة عن أسمائهم، مصرة على أن هؤلاء الصحفيين هم من المعتذرين والمدافعين عن نظام الأسد. أما تركيا وإسرائيل والولايات المتحدة، التي لم يتوقف عدوانها العسكري على سوريا منذ عام 2011، والتي يتواصل احتلالها للأراضي السورية في الشمال والشرق والجنوب حتى كتابة هذه السطور، فلا وجود لها في الرواية التي تسردها هذه الرسالة عن عصابة مزعومة من المدافعين الدوليين عن نظام الأسد والذين يختبئون وراء مناهضة الإمبريالية. بل إن جبروت هذه العصابة، بحسب الرسالة، وصل حد أنها قامت بتضليل الناس وحرفت انتباه العالم أجمع عن ضحايا الأسد السوريين وقامت بـ"محوهم" تماماً من الوجود!

في حقيقة الأمر ينتشر أنصار التدخل العسكري الغربي في سوريا ودول أخرى عبر وسائل الإعلام الغربية ووسائل التواصل الاجتماعي، حيث يقوم بعضهم بمهاجمة وترهيب معارضي التدخل بشكل منتظم على تويتر، ويكيلون لهم الشتائم والسباب دون توقف. علاوة على ذلك، فإن بعض أبرز المنظمات التي تضغط من أجل التدخل في سوريا يتم تمويلها مباشرة من قبل تحالف يضم العشرات من الأنظمة الغربية والشرق أوسطية المناهضة للديمقراطية ومن شركات الأسلحة. رغم ذلك، فإن مؤلفي الرسالة يعكسون هذه المعادلة ويزعمون بأن معارضي التدخل الإمبريالي الأمريكي في سوريا هم أصحاب النفوذ الذين يقفون عقبة في طريق تحرير الشعب السوري!

بالتأكيد ابتهج مؤلفو الرسالة لأن البروفسور الشهير نعوم تشومسكي من بين الموقعين عليها (وإن كان هنالك شائعات تقول إن تشومسكي اشترط إزالة أسماء الصحفيين التي تمت مهاجمتهم بالاسم في النص الأصلي قبل أن يوقع عليها لأنه معجب بأحدهم). من المفارقة أن يوقع تشومسكي على مثل هذه الرسالة التي تتهم معارضي الإمبريالية بأنهم مدافعون عن ديكتاتور، لا سيما أنه كان ضحية رئيسة لمثل هذه الديماغوجية في السبعينيات من القرن الماضي. في تلك الحقبة، تكثفت الدعاية الأمريكية ضد جماعة "الخمير الحمر" عند انسحاب الولايات المتحدة من كمبوديا في عام 1975، بعد الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد نتيجة القصف الأمريكي الذي قتل ما يصل إلى نصف مليون كمبودي. اتهمت الدعاية الأمريكية النظام الثوري الجديد بالتسبب في مجاعة على نطاق واسع في الأشهر التي أعقبت الانسحاب الأمريكي وأودت بحياة مئة ألف شخص، فاجعة استخدمتها الدعاية الأمريكية كتحذير لمن تسول له نفسه معارضة العدوان والاحتلال الإمبريالي الأمريكي.

عندما كشف باحثون مثل نعوم تشومسكي وغيره عن حقيقة أن المجاعة في كمبوديا كانت في الواقع من صنع الولايات المتحدة، حيث انسحبت الولايات المتحدة من البلاد وتركتها بلا احتياطيات غذائية على الإطلاق، تم اتهامهم بالدفاع عن الخمير الحمر، على الرغم من أن كل ما فعله تشومسكي هو كشف تفاصيل طبيعة القصف الأمريكي الوحشي للبلاد، وأنه وفقاً لتقارير وكالة التنمية الدولية التابعة لقوات الاحتلال الأمريكية لم يكن قد تبقى في البلاد سوى ستة أيام فقط من احتياطي الأرز عندما انسحبت القوات الأمريكية. وبغض النظر عن الجرائم التي ارتكبها النظام بعد ذلك، فقد أظهرت الأبحاث أن المجاعة التي أعقبت وصول الخمير الحمر إلى السلطة لم تكن من ضمنها. لم ينج تشومسكي من الاتهام الباطل بأنه مدافع عن الخمير الحمر (نتيجة لتقييمه الدقيق لسياسات الولايات المتحدة في كمبوديا) والذي طارده لعقود لاحقة، على الرغم من أنه لم يدافع عن نظام الخمير الحمر البتة.

إن تشومسكي اليوم بالطبع ليس تشومسكي في عقد السبعينيات، بينما ظل تشومسكي معارضاً للإمبريالية الأمريكية ومنتقداً لبعض السياسات الإسرائيلية، فإن موقفه اليوم أقل راديكالية في عدد من المسائل. فمنذ العقد الماضي، يعارض تشومسكي بشراسة ونشاط دعوة حركة المقاطعة لمقاطعة إسرائيل (علماً أنه يدعم مقاطعة المستوطنات في الأراضي المحتلة فقط)، ويعارض أيضاً المطالبة بممارسة الشعب الفلسطيني حقه المعترف به دولياً في العودة إلى وطنه. عدا عن ذلك، وهذا من الأهمية بمكان اليوم، فقد كان تشومسكي دائماً محارباً من محاربي الحرب الباردة في مناهضته وعدائه السافر للاتحاد السوفييتي، حتى في ذروة عدائه للإمبريالية الأمريكية (ومعاداة السوفييت، ومن بعدها معاداة روسيا التي تلتها، كانت دائماً متأصلة في اليسار الأمريكي الليبرالي والاشتراكي على حد سواء).

لم تعتمد التزامات تشومسكي السياسية المناهضة للإمبريالية أبداً على أي نظرية أو تفسير صريح أو مقبول لطبيعة الإمبريالية على أساس أنها الاستغلال الاقتصادي الرأسمالي من دولة لدول أخرى، ونتيجة ذلك كان غالباً ما يتهم تشومسكي السوفييت بشكل متعسف بأنهم "إمبرياليون"، ورفض التمييز بين السعي السوفييتي للهيمنة على أوروبا الشرقية من جانب والإمبريالية الأمريكية الاقتصادية والهيمنة الأمريكية في جميع أنحاء العالم من جانب آخر، بل ساوى بينهما. ومن خلال توقيعه على رسالة تتهم معارضي تدخل الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي في سوريا بالدفاع عن نظام الأسد فقد، انتقل تشومسكي إلى نفس الموقع السياسي الذي كان يحتله أعداؤه عندما اتهموه بأنه مدافع عن الخمير الحمر.

وليست مسألة توقيت هذه الرسالة أيضاً من محض الصدف، بل لقد تم نشرها في سياق تعيش فيه فرنسا تحت نظام قانوني، شبيه بقوانين نورمبرغ النازية، يستهدف ما يقرب من 10 في المئة من سكانها المسلمين، لا سيما بعد الحظر الأخير على الذبح الحلال (ولكن ليس الذبح اليهودي الكوشر) بعد حظرها للنقاب وإغلاق المساجد. كما شنت الحكومة الفرنسية مؤخراً حرباً ضد المثقفين الفرنسيين، من مسلمين وغير مسلمين على حدٍ سواء، تتهمهم بـ"اليساروية الإسلامية"، التي يُزعم أنهم استوردوها من الولايات المتحدة، وهي بصدد تطهيرهم وطردهم خارج السجالات العامة المشروعة، زاعمة أنهم مدافعون عن "الإرهاب الإسلامي".

وفي هذه الأثناء، قد يكون التزام إدارة بايدن بالقصف الإمبريالي لسوريا على غرار قصف أوباما أثناء حكمه، يميل إلى المغامرة بتغيير كامل للنظام هناك أيضاً. وقد تكون هذه الرسالة بمثابة ضربة استباقية ضد المعارضة اليسارية لحرب بايدن المكثفة على سوريا وحرب فرنسا المستمرة على اليسار المعادي للعنصرية. أما إدراج الصين، التي لم تتدخل أبداً في سوريا، في قائمة القوى "الإمبريالية" في ذلك البلد، فهي ليست خطوة بريئة أيضاً، نظراً للحملة الشرسة الأخيرة المناهضة للصين التي شنتها إدارة بايدن وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي.

وليست هذه الرسالة التي تزعم أن هدفها هو الدفاع عن "الشعب السوري" من الاضطهاد الحقيقي (والمتخيل) للنظام السوري المستبد أكثر من محاولة جديدة، وإن كانت متواضعة، لدعم الإمبريالية بدعوى الدفاع عن الشعب السوري. أما اليساريون المناهضون للإمبريالية الذين يصرون على معارضة التدخلات العسكرية الإمبريالية، ويهاجمون طغيان نظام الأسد الذي أدانوه، كما قمت أنا بإدانته مراراً، قد قدموا دائماً عراق ما بعد الغزو وليبيا ما بعد الغزو على أنهما عبرة لمن يعتبر وعلى أنهما المصير الذي ينتظر سوريا وشعبها بعد الغزو الإمبريالي الذي ينادي به هؤلاء.

وللأسف فإن مؤلفي وموقعي هذه الرسالة هم الذين لا يظهرون أي تعاطف مع الشعبين العراقي والليبي والدمار الذي أصابهما بعد الغزوات الإمبريالية. من الواضح أن مؤلفي الرسالة والموقعين عليها مستعدون للتضحية بالشعب السوري من أجل التخلص من نظام تتوق الإمبريالية الأمريكية وحلفاؤها لإسقاطه من أجل مصالح إمبريالية، وليس لأسباب ديمقراطية، ولا نتيجة لأي تعاطف مزعوم مع المعاناة المستمرة للشعب السوري.
التعليقات (3)
محمد
الجمعة، 02-04-2021 03:38 م
هذا المقال يعبر عن خيبة اليسار الأبدية. يدعي أنه ضد الاستبداد ولكنه يمرر ذلك في كلمتين ثم يركز هجومه على المساكين الذي يقتلون بكل أنواع الأسلحة متجاهلا ايضا طبيعة النظام الطائفي وفساده عبر عقود ولا يشبه حتى الأنظمة الأخرى في المنطقة. والغريب أن اليسار يلتقي مع اليمين المتطرف في أوروبا في دعم روسيا وخصوصا في الملف السوري. اليسار يعيش أوهام الإمبريالية
جهاد أورفلي
الأربعاء، 31-03-2021 02:07 م
مقال بائس ومليء بالأكاذيب التي يُبنى عليها تحليل أكثر بؤساً على طريقة أسعد أبو خليل. الموقّعون أسماء معروفة بمعاداة الامبريالية والعنصرية والاحتلال، لكنّهم لا يأخذون ذلك ذريعة للدفاع عن أنظمة جرائم ضد الانسانية وسجون وفساد مثل نظام الاسد. ويا ليتنا نسمع رأي الكاتب بإمبريالية روسيا في سوريا وبقصفهم المستشفيات وقتل آلاف المدنيين! ويا ليت الكاتب يأتي ويعيش محلّنا في سوريا الأسد ويكتب من هنا عوض العيش في قلب أميركا والاستفادة من جامعاتها ومن حرية التعبير فيها. يا للانحطاط والعهر!
خدوا بضاعتكم لا نريد
الثلاثاء، 30-03-2021 03:58 م
الإمبريالية هي من صنعت المجرمين مثل صدام و القدافي و آل البهرزي... لا مانع الإستعانة بها لتخلص من تلك الدمى، الحرية و الديمقراطية ليست "ماركة"لشيوعية و لا لليبرالية هي إنتاج محلي محض "