مدونات

مأساة "راجل"

إلهام عبد اللاه- كاتبة صحفية مصر
إلهام عبد اللاه- كاتبة صحفية مصر
في أحد الأحياء الشعبية تعيش أسرة خليل أفندي أو أبو حسن أفندي كما كانوا يلقبونه في الحي.. هيا بنا لنتعرف على أسرة أبي حسن أفندي: الحاجة راضية زوجته وأم ابنه وبناته.. 60 عاما وأربع فتيات يدرسن بمراحل متفاوته وعلى درجة كبيرة من الهدوء والأخلاق الحميدة وحسن شاب في الثلاثي، حاصل على مؤهل جامعي وابن لموظف بسيط، وورث عن والده العمل الوظيفي تحت شعار إن "فاتك الميري اتمرمغ في تربه".

حسن شخص روتيني جدا يحب جارته سامية مزة الحته، ولكنها شخصية متسلطة وسليطة اللسان وزي ما بيقولوا شايفة نفسها على الآخر. كان حسن في البداية معجب بجمالها ولم يلتفت لكلام أمه وأخواته بأنها لا تصلح له، ولكنه صمم على الزواج منها وذهب هو ووالده وطلب يدها وقرأ الفاتحة دون وجود أمه وأخواته، ثم أخذ إجازة عامين من عمله بدون مرتب وسافر إلى دولة من دول الخليج وعمل في وظيفتين وجمع فلوس الشقة والشبكة والفرح، وعاد محملا بالهدايا معظمها لسامية، ولكنه فوجئ بأن سامية سوف يُكتب كتابها على مهندس، فكتم في نفسه ودخلت عليه أمه لتطيب خاطره ولكنها فوجئت به يقول لها أكيد أنت وبناتك السبب، تلاقيكم زعلتوها.

أم حسن: أحنا هو أحنا نقدر نطلع صوت ولا ينفع. ربنا يسامحك اسأل أبوك ولا علي صاحبك. هي العيلة دي حد يعرف ياخد معهم حق ولا باطل، دول مفتريين.

حسن: حقك عليا ياما أنا بس مخنوق والدنيا حاطة عليه حلمي اللي قعدت أحلم به وجاي وكلي أمل وأحلام ألقى إن كل إللي بنيته طار.

أم حسن: والله لأجبلك عروسة أجمل منها وكمان تكون زي أخواتك هادية ومؤدب.

حسن: ربنا يخليك لي يارب ياما وما متزعليش مني عشان خاطري.

أم حسن: أزعل منك دا أنت ابن عمري قلبي ما يطاوعنيش.

المهم أم حسن جابت لحسن عروسة ما شاء الله، أخلاق وتربية وجمال وعزمت البنت وأمها على البيت عشان حسن يشوف البنت، وبالفعل جت البيت وكل أخواته البنات فرحوا جدا بها وحسن لما شافها قال لأمه خالص إللي تشوفي.

أم حسن: دا جواز يا بني يعني لازم تكون راضي ومقتنع. هو انت بنت هنفرض عليها عريس؟ حتى البنات ما ينفعش نفرض عليهم.

حسن والله اللي انتي شايفه أنا مش شايف إنها حلوة. وبعدها سأل أخواته فكلهم مدحوا فيها وفي مميزاتها، فوافق حسن. في الوقت نفسه سمعت سامية أن حسن جاء ومعه فلوس كتير ولكن باقي أسبوع على فرحها، فذهبت لبيت حسن وتحدثت مع أخت له كانت تميل لها وباقي أخواته كانوا في قمة الغيظ. وفي نفس الوقت اتصل به أخوتها الأولاد وقالوا له يا حسن؛ سامية من الآخر عايزاك ولو انت لسه عايزها من بكره نفركش مع المهندس وتتجوز انت وسامية.

حسن: بس أبويا والحاجة وأخواتي البنات.

أخوها: مالكش دعوة إنت. أمي هتتكلم مع أمك وأبوك وأخواتك مش هيمشوك على مزاجهم، أنت كدة هتقلقنى على أختي.

حسن: ليه؟

أخوها: لما تتجوز يعملوا معها مشاكل ويضايقوها، لأ كدة ما ينفعش انت الراجل.

حسن: لأ طبعا أخواتي مؤدبين وفي حالهم.

أخوها: خلاص يبقى يخليهم في حالهم.

وبالفعل تزوج حسن من سامية، ولكن كان شرطها أن الشقة تكون باسمها، وبالفعل وافق، ورجع شغله. وطبعا المرتب لا يكفي سامية، فطلبت منه أن يتقدم باستقالته ويسافر مرة أخرى للخليج، وعندما علم والده وقف في وجهه وقال له: اصبر كام شهر وقدم على إجازة بدون مرتب وبعد كدة اعمل اللي انت عايزه. وبالفعل أخذ إجازة وطلب منها أن تسافر معه، ولكنها رفضت وقالت له أنا مقدرش ابعد عن أمي. أنت سافر، وأنا هضبط الدنيا هنا. معلش انت عارف أمي مالهاش غيري ومقدرش أسيبها. مين هيخدمها؟ أخواتي كلهم ولاد مش هينفع.

حسن: جاية دلوقتى تقولى كدة ليه خليتنى أطلعلك جوز سفر.

سامية: نعم ياخويا أنت هتعيرني جواز سفر. إيه يا أبو جوز سفر اهوووه عندك خدوا معك يمكن تحتاج له.

حسن: آسف ما قصدتش يا سوسو يا حبيبتي الدنيا كلها تحت رجلك، بس أنا اتعشمت انك تكوني معايا.

سامية: بص بئا من الآخر البلاد. دي صحرا وانا ماليش في الحر والجو دا.

حسن: صحراء إيه وحر إيه البلد أحسن من هنا وأنظف. كلها أبراج والشوارع نظيف ومولات تسوق.

سامية: تسرح قليلا.. خلاص شوية وأجيلك كام يوم. أشوف المولات وأجيب كام حاجة وأرجع عشان أمي.

حسن: طيب حبيبتي اللي تشوفيه ودموعه تسيل على خده سامية إيه يا سونسون بتحبني أوي كدة وشوية دلع من سامية.

وبالفعل سافر حسن، وبعد سفره بأيام اكتشفت أنها حامل وأبلغته بالحمل وفرح كثيرا وضاعف شقائه وكل اللي بيشتغل به يحاولون وطلبتها لا تتوقف لسحب كل ما يملك وأنجبت طفلتها الأولى وهو مسافر. وبالفعل عاد حسن إلى أرض الوطن في إجازة ليرى مولودته وعرضت عليه ساميه أن يبني لها شقة في بيت أهلها حتى تكون في وسط أهلها وهو مسافر. وبالفعل أقنعته زي كل مرة وسافر وأرسل لها وبالفعل عرض الشقة للإيجار بعد أن أرسل إليه توكيل وذهبت لتعيش هي وابنتها في شقتها الجديدة في بيت أهلها، واكتشفت أيضا أنها حامل وأنجبت الولد وزادت المصاريف والطلبات فقررت أنها تفتح محل كوافير وتعرض فيه بعض الاحتياجات النسائية والإكسسوارات، وقامت بفتح الكوافير واشترت سيارة لها وزادت المشاكل بينها وبين حسن الذي بدأ يشعر بالمصيبة اللي جابها لنفسه ولكنه لا يستطيع البوح لأهله لأن والده وأمه ومعظم أخوات حذروا من هذه الفتاة.

واستمر الحال عدة سنوات على هذا الحال حتى اتصلت به وطلبت منه.

كفاية كدة ويجي ويستقر علشان يربوا العيال سوا فرح جدا بقرارها وعاد محمل بالهدايا لإرضائها، وعندما وصل كان في استقباله أخوها وضع الشنط بالسيارة ولكنه عندما وصل على بيتهم وجد أخوها الآخر البلطجي يقف أمام باب البيت ومعه سكين وأخذ يسبه والآخر دخل الشنط في البيت وسمعت أمه بأصوات مرتفعة وسب وألفاظ قذرة، ولكنها لم تستطيع أن تخرج وقالت في داخلها ربنا يستر فأغلقت النوافذ بإحكام حتى لا يصل الصوت لزوجها المريض ويزعجه، حتى وجدت الباب يدق ووجدت أمامها ابنها بشنطة صغيرة فيها بعض ملابسه، واحتضنته وبكت بحرقه وطلبت منه أن يحكي، ولكنه رفض وفي الصباح علمت من جيرانها أن سامية وأخواتها كانوا عاملين خطة على ابنها وضربوا وأخذوا منه كل إللي راجع به وطردوه، والكارثة الأكبر أنه لا يستطيع أن يعود إلى عمله لأن سامية لم تدفع التأمينات ولا يوجد مكان يعيش فيه ولا يستطيع العودة للخارج لأنه عمل خروج نهائي.

ولم تكتف الحية الشنعاء بذلك بل طلبت الطلاق وبدأت في رفع قضايا متتالية حتى أصبح لا يملك شيئا، وتوفيت أمه ثم أباه وسامية تلاحق حسن بالقضايا دون أي إنسانية. وسيطرت على شقته الأخرى باتفاق مع المستأجر وبعض المحضرين، وكلما رفع قضايا ذهبت للمحامي واتفقت معه لكي يبيعوا لها، وأصبح مطاردا من المحضرين فترك المحافظة وذهب إلى محافظة أخرى يعمل لكى يعيش وهي لم توقف القضايا، والأمر الأعجب أن ابتزازها وصل لأخواته وطبعا أولادها.

حدث ولا حرج على انعدام الأخلاق وحسن يتمنى الموت حتى يرتاح من العقربة التي تلدغه في حياته كل يوم، وهي في قمة الانشكاح والزهو وعندما سألتها أحد أقاربها ليه بتعملي كده دا حسن غلبان فكان الرد غريبا: أنا خدت إللي أنا عايزه منه أيوة بس عايزة أكسر أخواته اللي كانوا حاطين مناخرهم فوق ورفضوا يحضروا جوزي من أخوهم، وقال إيه مش عجبهم أخلاقي. أنا هعرفهم أخلاقي طول ما أنا عايشة، يلا يستهلوا. حرام عليك دول مؤدبين وفي حالهم، وبالتالي تطاولت سامية على جارتهم وأصبح حسن مطاردا ينتقل من محافظة لمحافظة ومن قضية لقضية هي وعيالها، ولا يوجد قانون يحمي حسن ويردع وما زال حسن مطاردا وسامية تتلذذ بإيذاء حسن.

* كاتبة وصحفية

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم

خبر عاجل