ملفات وتقارير

انتخابات بريطانيا: جونسون أقوى وحرب بالعمال.. وأسكتلندا للواجهة

عزز جونسون موقعه في السلطة رغم اتهامات الفساد- جيتي
عزز جونسون موقعه في السلطة رغم اتهامات الفساد- جيتي
مُني حزب العمال البريطاني بانتكاسة جديدة في الانتخابات الفرعية والمحلية التي أجريت الخميس الماضي، في حين بدا رئيس الوزراء المحافظ بوريس جونسون منتشيا بتعزيز موقعه السياسي، لكنه يواجه الآن مطالبات جديدة بعقد استفتاء حول استقلال أسكتلندا على ضوء النتائج التي حصل عليها القوميون الأسكتلنديون.

ودعي 48 مليون ناخب لتجديد حوالي خمسة آلاف مقعد في 143 مجلسا محليا في إنكلترا، وبرلماني ويلز واسكتلندا، إلى جانب 13 رئيسا للبلدية، بينها خصوصا العاصمة لندن، في أكبر اقتراع محلي منذ نحو خمسين عاما.

وفي انتخابات الخميس الماضي، حقق المحافظون تقدماً في إنكلترا وحصلوا على أكثر من مئتي ممثل إضافي في المجالس المحلية.

فقد تعرض حزب العمال لخسارة مدوية بالانتخابات البرلمانية الفرعية في دائرة هارتليبول ولأول مرة منذ إنشاء الدائرة عام 1974 ليعزز جونسون أغلبيته البرلمانية. ونالت المرشحة المحافظة جيل مورتيمر التي ستخلف النائب العمالي المستقيل بسبب اتهامات بالتحرش الجنسي، أكثر من 15 ألف صوت أي ضعفي نتيجة منافسها العمالي المؤيد للاتحاد الأوروبي.

كما فقد حزب العمال لصالح المحافظين السيطرة على مجلس دورهام (شمال شرق) للمرة الأولى منذ العام 1925.

غير أن حزب العمال احتفظ بعدة معاقل مهمة وخصوصاً في لندن، حيث أُعيد انتخاب صادق خان في مواجهة منافسه المحافظ شون بيلي، وكذلك الأمر في مانشستر وليفربول (شمال) وبريستول (غرب).

وحقق الحزب أيضاً نتائج جيدة جداً في ويلز، حيث حصل على 30 مقعداً من أصل 60 في البرلمان المحلي، مقابل 16 مقعداً للمحافظين، ما سمح له بالبقاء في السلطة.

وبشكل عام، انخفضت أصوات حزب العمال قليلا مقابل زيادة بسيطة في أصوات حزب المحافظين. وفي المجمل، أضاف المحافظون لسيطرتهم 12 مجلسا محليا و239 عضوا في المجالس المحلية، في حين فقد حزب العمال سبعة مجالس محلية و301 عضو في المجالس.

بذلك يكون جونسون قد نجح في أول اختبار انتخابي له منذ فوز المحافظين الساحق في الانتخابات التشريعية في كانون الأول/ ديسمبر 2019، ودخول بريكست حيز التنفيذ.

وقالت جاين غرين، أستاذة العلوم السياسية في جامعة أكسفورد، على تويتر: "يجب ألا ننسى أن جونسون أنجز بريكست، ورئيس الوزراء يحظى بشعبية في صفوف الناخبين الذين صوتوا لصالح خروج (بريطانيا). حكومة المحافظين أنفقت أموالا طائلة خلال الوباء وأشرفت على حملة تلقيح ناجحة جدا" ضد كوفيد-19 كما أن "الاقتصاد انتعش".

هذه العناصر لها وزن أكبر من الحصيلة السيئة للوباء (أكثر من 127 ألف وفاة)، والفضائح الأخيرة التي أظهرت روابط وثيقة جدا بين الحكومة ومصالح خاصة. كما تجري تحقيقات بحق جونسون بشأن تلقيه أموالا غير قانونية لتجديد شقته وأخرى لقضاء عطلة.

حرب في حزب العمال 

وتشكل النتائج ضربة قاسية لزعيم حزب العمال المعارض كير ستارمر. فعند تسلمه مهامه على رأس الحزب، وعد ستارمر بإعادته إلى المسار الصحيح بعد هزيمته التاريخية في الانتخابات التشريعية لعام 2019 وانتزاع المحافظين "الجدار الأحمر" من حزب العمال.

ويحاول ستارمر استخلاص العبر من الانتكاسة التي تعرّض لها حزب المعارضة الرئيس في الانتخابات المحلية البريطانية، لكن الجناح اليساري في الحزب اعتبر أن التدبير الأول الذي اتخذه الأحد عقب خسارته، "غير عادل".

وقال ستارمر إنه يشعر "بخيبة أمل مريرة"، واعداً بأنه سيفعل "كل ما بوسعه" لاستعادة ثقة الشعب، إلا أن قراره الأول السبت أثار غضب الجناح اليساري في حزبه. فقد أقال المسؤولة الثانية في الحزب أنجيلا راينر من منصبها كمسؤولة عن الانتخابات.

وانتقدت النائبة العمالية دايان أبوت القرار، وقالت عبر شبكة سكاي نيوز: "أعتقد أن من دواعي القلق إقالة أنجيلا راينر، فهي لم تتخذ أي قرار كبير بشأن هارتليبول"، معتبرةً أنه قرار "غير عادل".

وحمل مسؤول آخر في حزب العمال، هو جون ماكدونيل الذي يُعتبر أيضاً من الجناح اليساري في الحزب، المسؤولية لستارمر، معتبراً أنه ارتكب "خطأ فادحاً".

وقال ماكدونيل لمحطة بي بي سي إن "زعيم الحزب صرّح الجمعة بأنه يتحمّل مسؤولية نتيجة الانتخابات في هارتليبول، ثم جعل أنجيلا راينر كبش فداء، أعتقد أن كثراً من بيننا يعتبرون ذلك غير منصف".

وبحسب وكالة أنباء "برس أسوشييشن"، فإن ستارمر سيُقدم على تعديل في قيادة الحزب، وقد عيّن ديبوره ماتنسون، المسؤولة السابقة عن الإحصاءات في عهد رئيس الوزراء الأسبق غوردن براون، في منصب المسؤولة الاستراتيجية للحزب. كما بدأ ستارمر بإعادة تشكيل قيادة الحزب مع إجراء تغييرات في حكومة الظل.

وتشكل النتائج إذلالا ونذير شؤم بالنسبة لهدفه لإعادة بناء الحزب قبل الانتخابات العامة المقبلة في 2024. 

وقال ستارمر إنه "يشعر بخيبة أمل مريرة من النتائج" وأعلن أنه يتحمل "المسؤولية كاملة"، ووعد بأنه سيفعل "كل ما في وسعه" لاستعادة ثقة الناخبين.

وقال جون كورتيس المتخصص في شؤون الانتخابات البريطانية لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي": "إنه الدليل الأوضح على أن الحزب فشل حتى الآن في التقرب من ناخبي الطبقات العمالية الذين صوتوا لصالح خروج" بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.

وقال كورتيس إن المحافظين تقدموا بما معدله 12 نقطة في مواجهة العماليين في المناطق المؤيدة لبريكست مقارنة بالانتخابات المحلية الأخيرة. وأوضح أن "هذا يظهر غياب التقدم لدى حزب العمال من أجل تعزيز الروابط مجددا مع الطبقة العمالية منذ الانتخابات التشريعية" لعام 2019.

وكتبت النائبة العمالية دايان أبوت: "كير ستارمر يجب أن يفكر مرتين في استراتيجيته". وقال زميلها ريتشارد بورغون: "نتراجع في مناطق يجب أن نكسبها. قيادة حزب العمال يجب أن تغير سريعا وجهتها".

واستغل الجناح اليساري في الحزب المعارض فوز المحافظين لانتقاد توجه كير ستارمر، مع قول أبوت إنه "يتعذر هذه المرة إلقاء اللوم على جيريمي كوربين".

ودعا النائب لويد راسل مويل؛ ستارمر للسير على خطى الرئيس الأمريكي جو بايدن "الذي دعا اليسار إلى الطاولة بدلا من انتقاده بشكل لاذع"، وهو يتحدث في آن واحد إلى "الليبراليين والعمال".

في المقابل، اعتبر النائب ستيف ريد أن حزب العمال يجب أن يواصل تحوله "بطريقة أكثر زخما وسرعة" لاستعادة ثقة الناخبين.

وعزا بيتر ماندلسن، النائب السابق عن هارتليبول وحليف رئيس الوزراء الأسبق لتوني بلير في التسعينات، نتائج الانتخابات إلى "حرفي سي (بالإنجليزية) هما كوفيد وكوربين وبعض بريكست"، معتبرا أن زعيم حزب العمال السابق جيرمي كوربين لا يزال ينفر الناخبين.

وكان ستارمر قد استبق الانتخابات بقوله: "لم أظن يوما أننا سنتمكن من تسلق الجبل الرابض أمامنا في غضون سنة. علينا أن نعيد بناء صفوفنا استعدادا للانتخابات التشريعية" المقبلة المقررة في 2024.
 
استفتاء استقلال أسكتلندا

وعلى ضوء نتائج الانتخابات في أسكتلندا، أبلغت زعيمة الحزب القومي الأسكتلندي نيكولا ستيرجن؛ جونسون بأن إجراء استفتاء آخر على الاستقلال أمر لا مفر منه بعد أن حقق حزبها فوزا انتخابيا قويا.

ويعارض جونسون وحزبه المحافظ، الذي يجلس على مقاعد المعارضة في أسكتلندا، بقوة إجراء استفتاء قائلا إن القضية سويت عام 2014 عندما صوت الأسكتلنديون برفض الاستقلال بنسبة 55 بالمئة مقابل 45 بالمئة.

وفازت الأحزاب المؤيدة للاستقلال بأغلبية في برلمان أسكتلندا، وهي نتائج تقول ستيرجن إنها منحتها تفويضا للمضي قدما بخطط إجراء استفتاء ثان بعد أزمة كوفيد-19.

وقال المكتب الإعلامي لستيرجن في بيان بعد أن تحدثت هاتفيا مع جونسون: "رئيسة الحكومة كررت نيتها بشأن ضمان أن يختار شعب أسكتلندا مستقبلنا عندما تنتهي الأزمة". وقال البيان: "أوضحت أن الاستفتاء هو الآن مسألة وقت وليس ما إذا كان هناك استفتاء".

وحصل الحزب القومي الأسكتلندي الذي تتزعمه ستيرجن على 64 مقعدا في برلمان أسكتلندا، أي أقل من الأغلبية المطلقة بمقعد واحد. ومع حصول حلفائها من حزب الخضر الذي يؤيد الاستقلال أيضا على ثمانية مقاعد، فإنها تهيمن بذلك على الأجندة السياسية لأسكتلندا.
التعليقات (0)