قضايا وآراء

الحاضنة السياسية في السودان: ما بين التلاشي والاختطاف..

إبراهيم الصديق علي
1300x600
1300x600
(1)
ثلاثة بيانات مهمة صدرت من جهات ومنابر سياسية، الرابط بينها "الحاضنة السياسية" بينما المشارب شتى. وهي ودون ترتيب:

- بيان مجموعة العودة لمنصة الانطلاق، وقد وقع عليها ٥٤ من قيادات حزبية وأكاديمية يتقدمهم الأستاذ محجوب محمد صالح، والبروفيسور خالد الياجي، والبروفيسور مهدي أمين التوم، والبروفيسور قاسم بدري، وآخرون من قوى وأحزاب سياسية وتجمعات مهنية.. وهو ما يمكن أن نطلق عليه تيار الوسط.. ويهدف لإعادة ترتيب البيت الداخلي للحاضنة السياسية والعودة للمواثيق وإعلان قوي الحرية والتغيير (قحت)..

- بيان خلاصة اجتماع قوي سياسية وحزبية بدار حزب الأمة القومي، مساء ١٤ أيار/ مايو ٢٠٢١م، وشهدته أغلب أحزاب وقوي الحاضنة السياسية ما عدا الحزب الشيوعي السوداني. وناقش بالتفصيل "تحديات الفترة الانتقالية ومشاكل الحرية والتغيير"، وتم تشكيل لجنة لجمع مبادرات القوى السياسية وإضافتها لمبادرة حزب الأمة القومي.

والمهم في هذا اللقاء أنه ضم ممثل عن مبادرة العودة لمنصة الانطلاق.. ويمكن أن نطلق على هذا التيار: إنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو تيار اليمين المحافظ..

- والبيان الثالث أصدرته تنسيقية لجان المقاومة بولاية الخرطوم في ١٣ أيار/ مايو ٢٠٢١م، ويدعو بوضوح لإسقاط الشراكة "بين المكون العسكري والمدني" تحت شعار "يا داب الثورة بدأت"، وحدد مواقيت للتصعيد واتخذ تدابير انطلاق، كان بدايتها إعلان المتهم في "فض اعتصام القيادة ٢٠١٩م"، وحددت يوم ٣ حزيران/ يونيو ٢٠٢١م لإعلان نتيجة تحقيقات فض الاعتصام.

وهذا تيار يسعى لاتهام المكون العسكري وإخراجه من معادلة السياسة، وهو أقرب لنفس اليسار وتحديدا الحزب الشيوعي السوداني.

وخلاصة هذه البيانات هي "عمق الهوة السياسية بين هذه القوى وخطورة تدابيرها السياسية على استقرار البلاد وأمنها ووحدة أراضيها"، وفوق ذلك حالة الإنكار والهروب من مناقشة معاناة المواطن الحقيقية وانسداد الأفق السياسي.

(2)
من الواضح أن التيار المحافظ يسعى للحفاظ على الشراكة السياسية وتزيين صورة الحكومة الانتقالية وتطوير التحالفات السياسية، وأما تيار لجان المقاومة فإنه توجه لإنهاء الشراكة، بينما مجموعة منصة الانطلاق تبحث عن حل وسط.

لقد استخدم الحزب الشيوعي السوداني وخلال فترات سياسية مختلفة، الهيئات والجمعيات في إدارة معاركه السياسية، وقد أضاف إليها هذه المرة:

- استغلال عواطف الشارع وبعض الشباب في الضغط على الحكومة الانتقالية، وتحديدا المكون العسكري..

- استفاد من فاعلية الإعلام الاجتماعي ومنصاته في توسيع وتقوية رسالته، وخاصة تويتر وإنستغرام، وكثير من الأحداث التي لم يسمع بها أغلب المواطنين كانت "تريند" عالميا، مثل قضية "أبوي قتلني"، وذلك من خلال التشبيك مع مجموعات ومنظمات وحملات علاقات عامة.

- شكل مجموعات ضغط خارجية، في عواصم غربية مهمة وذات تأثير وفاعلية، مع تأثير في منابر داخلية تعزز من وظائفه وأهدافه..

ويبدو ووفق هذه الشواهد، فإن البلاد مقبلة على مأزق سياسي وتجاذبات واسعة بين من يحاول إختطاف الواقع السياسي بكلياته ومن يسعى للحد الأدنى.

(3)
وأسوأ إفرازات هذه الواقع هو وجود "لمحة من أجندة أجنبية تطفو للساحة كل مرة مرة أخرى". إن دولاً إقليمية تدعم خيارات سياسية وتروج لها، وأحزاب سياسية تستعين بمنظمات دولية للضغط لفرض أجندة سياسية وتشريعات ومواقف، بينما رأي المواطن مغيب ولا حديث عن انتخابات أو استفتاء..

لقد فوت الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة الانتقالي، فرصة للعب دور أكبر في تجميع الشتات وتقوية الجبهة الداخلية، وجاءت كلمته بمناسبة عيد الفطر المبارك قاصرة على "قوى الثورة"، وهو مصطلح مربوط بقوى التغيير (قحت)، وكان بإمكانه أن يؤسس منصة سياسية جامعة انطلاقاً من موقعه، يستجمع فيها القوى الوطنية والمدنية والمجتمعية، ويستقطب الشارع الغاضب..

إن الراهن السياسي محتقن ومأزوم، ويبدو أن أحزاب الحاضنة السياسية لا تدرك ذلك، وأبعاد سياساتها خطيرة على وحدة البلاد وأمنها، فإما أن تتوحد على أجندة وطنية أو ترد الأمانة للشعب من خلال انتخابات شفافة..
التعليقات (0)