قضايا وآراء

الأزهر والمقاومة بالفتوى ضد أعوان المحتل الصهيوني

عصام تليمة
1300x600
1300x600

كان الأزهر ـ ولا يزال ـ في معظم مراحله صاحب موقف تاريخي، وبخاصة مع القضية الفلسطينية، سواء بالبيانات التي تقف إلى جانب المقاومة، والتنديد بما يقوم به العدوان الصهيوني من اعتداءات، وتجاوزات، أو بالفتوى بوجوب دعم كل جهود المقاومة المختلفة، ماديا ومعنويا.

وكانت فتاوى علماء الأزهر الكبار، لا تقف عند الحديث عن مجازر المحتل الصهيوني، بل كان لديها وعي كبير بالتطرق للحديث عن حكم المتعاونين مع المحتل، فبلا شك المحتل يحتاج إلى عملاء، أو معاونين له على أطماعه وأهدافه الاستعمارية، فهم أذرع له، سواء كانت هذه الأذرع مادية أم معنوية، وهو ما سعى إلى تكثيف تواجدهم وجهودهم في الآونة الأخيرة، وأصبح لدينا ما يسمى بـ : الصهاينة العرب، فهم في دفاعهم عن المحتل، والتخذيل في المقاومة، والإرجاف في المجتمع المسلم، أكثر حماسة في العمالة والتعاون مع المحتل أكثر من الصهاينة أنفسهم.

قد يكون المتعاون مع المحتل نظاما، وقد يكون فردا، سواء كان التعاون اقتصاديا، أو سياسيا، أو ثقافيا، أو إعلاميا، سواء بتأييد الاحتلال، أو بتخذيل مقاومته، والإرجاف، وهو ما تحدث عنه القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة. ولذا تنبه لخطورة هذا الأمر مبكرا علماء الأزهر الكبار، قبل قيام إسرائيل، وبعد قيامها وعدوانها المتكرر، فرأينا فتاوى تهتم بالحكم على هؤلاء المتعاونين على مر العصور.
 
فقد سئلت لجنة الفتوى بالأزهر في الرابع عشر من شعبان سنة 1366هـ (1946م) عن مساعدة الصهاينة وإعانتهم في تحقيق مآربهم في فلسطين، فأجابت اللجنة برئاسة العلامة الشيخ عبد المجيد سليم والذي تولى منصب مفتي مصر، ثم مشيخة الأزهر في فتوى صدرت فقال فيها: (الرجل الذي يحسب نفسه من جماعة المسلمين إذا أعان أعداءهم في شيء من هذه الآثام المذكورة وساعد عليها مباشرة، أو بواسطة، لا يعد من أهل الإيمان، ولا ينتظم في سلكهم، بل هو بصنيعه حرب عليهم، منخلع من دينهم، وهو بفعله الآثم أشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين..

ولا شك أن بذل المعونة لهؤلاء؛ وتيسير الوسائل التي تساعدهم على تحقيق غاياتهم التي فيها إذلال للمسلمين، وتبديد شملهم، ومحو دولتهم؛ أعظم إثما؛ وأكبر ضررا من مجرد موالاتهم.. وأشد عداوة من المتظاهرين بالعداوة للإسلام والمسلمين.. والذي يستبيح شيئا من هذا بعد أن استبان له حكم الله فيه يكون مرتدًا عن دين الإسلام، فيفرق بينه وبين زوجه، ويحرم عليهم الاتصال به، ولا يُصلَّى عليه، ولا يدفن في مقابر المسلمين).

 

تنبيه المسلمين في جميع أقطار الأرض إلى أن العمل الجدي الدائم على إنقاذ فلسطين من أيدي الصهيونيين الباغين الغاصبين هو فرض في عنق كل مسلم ومسلمة، وتحذيرهم من فتنة المروق من الإسلام بالتعاون مع الصهيونيين الغاصبين الذين أخرجوا العرب والمسلمين من ديارهم،

 



ﻭﻓﻲ ﺭﺑﻴﻊ ﺍﻷﻭﻝ ﻋﺎﻡ 1380 ﻫـ ﺃصدر الأزهر ﺑﻴﺎﻧﺎ ﻧشر ﺑﻤﺠﻠﺔ ﺍﻷﺯهر ﺑﺎﻟﻤﺠلد ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ ﻭﺍﻟﺜﻼﺛين ﺍﻟجزآن الثالث والرابع ‏( ﺹ 263 ‏) ﺑﺘﻮﻗﻴﻊ ﺷﻴﺦ ﺍﻷﺯﻫﺮ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﻣﺤﻤﻮﺩ ﺷلتوت: (ﻓﻠﺌﻦ ﺣﺎﻭﻝ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻤﺪ ﻳﺪﻩ ﻟﻔﺌﺔ ﺑﺎﻏﻴﺔ ﻳﻀﻌﻬﺎ ﺍﻻﺳﺘﻌﻤﺎﺭ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﺟﺴﺮﺍ ﻟﻪ؛ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﺇﻟﻰ ﻏﺎﻳﺎﺗﻪ، ﻭﻳﻠﺞ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﻫﺪﺍﻓﻪ، ﻟﻮ ﺣﺎﻭﻝ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺫﻟﻚ ﻟﻜﺎﻥ ﻋﻤﻠُﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻋﻠﻰ الدين ﺑﻌﻴﻨﻪ).

وما صدر عن علماء كبار من الأزهر، هو ما انتهت إليه المجامع العلمية والفقهية لعلماء المسلمين، وفي هذا يقول مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، والذي حضر جلساته ممثلو معظم الدول الإسلامية برعاية من جمال عبد الناصر رئيس مصر آنذاك، في مؤتمره الثالث إذ في قراراته وتوصياته:
 
(تنبيه المسلمين في جميع أقطار الأرض إلى أن العمل الجدي الدائم على إنقاذ فلسطين من أيدي الصهيونيين الباغين الغاصبين هو فرض في عنق كل مسلم ومسلمة، وتحذيرهم من فتنة المروق من الإسلام بالتعاون مع الصهيونيين الغاصبين الذين أخرجوا العرب والمسلمين من ديارهم، أو التعاون مع الذين ظاهروا على إخراجهم، وتوكيد ما تقرر في المؤتمر الثاني من دعوة الدول الإسلامية التي اعترفت بإسرائيل بسحب اعترافها). 

انظر: مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية الثالث ص: 512،511. قراراته وتوصياته الصادرة في 26 من جمادى الآخرة سنة 1386هـ ـ 11 من أكتوبر سنة 1966م.

وما صدر عن مجمع البحوث الإسلامية، في دورته (السابعة) سنة 1392هـ ـ 1972م ، والذي حضره ممثلو أربعين قطرا إسلاميا من إفريقيا وآسيا وأوربا، وكان على رأس الحضور رئيس مصر آنذاك محمد أنور السادات وشيخ الأزهر د. محمد الفحام، وعلماء الأزهر، وعلى رأس الموقعين على البيان: قاضي قضاة دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو نفس ما صدر من قبل، بل وزاد تفاصيل أخرى مهمة تتعلق بدعم المقاومة بكل ألوانها وأشكالها.

كنت أقرأ هذه الفتاوى الصادرة عن حكم المتعاون مع المحتل الصهيوني، وأظنها تصعيدا في النبرة الفقهية، لأننا كنا نقرأها بعيدا عن أجواء المعارك، فقد كنا نقرأها فتاوى معزولة عن واقع معيش، لكن عندما رأينا الدور الخبيث لعملاء ومتعاوني الاحتلال، نجد أن هذه الفتاوى صدرت عن بصيرة فقهية، سواء بالنصوص، أو بالواقع، أو بالنظر إلى مآلات أفعال هؤلاء الخونة لأمتهم وقضاياها.

[email protected]

التعليقات (0)