هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
صحافة العالم العربي، متهمة دوما بتزوير الحقائق، وتلوين القناعات، بسبب إرث طويل على مدى عقود من التجاوزات في مهنة الصحافة أمام جمهور يميز جيدا ويدرك أن هناك فرقا كبيرا بين ما يقوله الإعلام العربي، وما يراه الإنسان العربي على أرض الواقع.
الفرق هنا بين صحافة العالم العربي، والعالم الغربي، إن الثانية لا تكذب، ونادرا ما تم تسجيل مخالفات صحفية ومهنية على تاريخ مصداقيتها، خصوصا، في المجموعات الإعلامية الكبرى التي غالبا ما تتحرى الدقة، وتخشى على مصداقيتها، وسمعتها، ولا تقبل أن تكون جسرا لأجندة سياسية، عدا حالات محدودة انحازت فيها هذه الوسائل لممولها أو مصالح إدارتها، وهي حالات مسجلة ضد هذه المؤسسات ومعروفة لدى الخبراء.
لكن حين تنشر صحيفة الغارديان البريطانية نصا خطيرا لمحرر شؤون الشرق الأوسط يتحدث فيه عن معلومات حصرية، وتسجيلات تم الاستماع إليها، حول دور رئيس الديوان الملكي الأسبق د. باسم عوض الله، ورفيقه الشريف حسن، في ملف الأمير حمزة، والمخطط الجاري تنفيذه، للتحشيد من أجل الفوضى في الأردن، تدرك أن هذه القصة خطيرة جدا، وأن هناك تداخلا دوليا فيها، عبر إدارة الرئيس الأمريكي السابق، الذي اتسمت علاقته بالسوء مع الأردن، وكانت تلك الإدارة تريد فرض تغييرات على الحكم في الأردن، من أجل حلول إقليمية تتعلق بالقضية الفلسطينية، وملف القدس، حين وقف الملك موقفا معاندا، ما يزال الأردن يدفع ثمنه حتى هذه اللحظة، على درجات مختلفة، سواء صدّق الناس، أو لم يصدقوا، في زمن باتت استعادة الثقة فيه، صعبة؛ جراء عوامل كثيرة ومتداخلة ومتناقضة.
جزء من الجمهور في الأردن، لا يصدق الروايات الرسمية، ربما بسبب الشكوك المتراكمة، والاعتقاد أن كل رواية رسمية مجروحة، وأحيانا يتم صد الرواية الرسمية من باب المعاندة على خلفية احتقان اجتماعي واقتصادي، لكن لا يعني هذا بالضرورة أن كل رواية غير صحيحة، خصوصا، أننا في ملف د. باسم عوض الله، قد نشهد انتقالا إلى المحاكمة، وهذا يعني أن الرواية الرسمية، ستكون محكمة ومؤكدة بالتفاصيل، والأدلة، والمعلومات، وليس على أساس الشك والظنون، وهذا يعني أن ما كان يعد سرا في تفاصيل كل هذا الملف، لن يبقى سرا، حتى النهاية، خصوصا أن الدولة يهمها إثبات صدقية روايتها في هذا الإطار.
النص الذي نشرته الغارديان البريطانية خطير، ويثبت أن التحرك الذي كان سيحدث في الأردن، في سياق مشروع دولي، له وكلاء محليون في الأردن، والأدهى والأمر، هنا، أن يكون هناك دور أساس ورئيس للرجل المدلل في تاريخ الدولة الأردنية، الذي حمته الدولة على مدى عشرين عاما، وكانت الدولة تتعرض للنقد بسبب سياساته، وبسبب حمايته، بما جعل كلفة وجوده مرتفعة، وبما يثير التساؤلات اليوم، عن السبب الذي يجعل رجلا مثله يتصرف على هذا الأساس، برغم كل الحماية التي كان يحظى بها خلال عقدين فائتين، وهذا لا يعزز البراءة هنا، بقدر ما يثبت أن عدم الوفاء طبيعة بشرية، قد يمارسها أي شخص، أيا كان حجم الدعم الذي ناله على مدى عقدين.
إذا ذهب رئيس الديوان الملكي السابق إلى المحاكمة، فإننا سنجد من يحاول أن يسيس المحاكمة، ويحاول إضعاف بنية الأدلة، وهذا طبيعي فقط من جانب المحامين، وغير طبيعي من جانب الجمهور، لكن لا بد أن يقال؛ إن الأردن لم يكن مضطرا أن يدخل هذه العاصفة، بهذه الطريقة، لولا أن القصة كانت خطيرة، والمخطط أكبر من التصور، وقد نجد أنفسنا أمام جدل كبير خلال المحاكمة، وهو جدل سينخفض عند عرض الأدلة والمعلومات، خصوصا، كما أشرت إلى أن الدولة لم تكن مضطرة لهذه القصة، لولا أنها كانت أمام توقيت حساس.
أنا أحد الذين اعتبروا سابقا أن الرواية الرسمية غير متماسكة، وأننا أمام زلزال سياسي، لم نكن مضطرين له، لكن المعلومات التي تتسرب، تقول إن كلفة كل الملف، تم تخفيضها إلى حدودها الدنيا، فيما الكلفة المتبقية، لا مناص من التعامل معها خلال الفترة المقبلة.
الغارديان لا تقبل أن تكون وسيلة بيد أحد، لتمرير اجندة سياسية، وهي في هذه الحالة، لم تنشر معلوماتها التي نسبتها إلى تسجيلات استمعت إليها، لولا أنها تحمي مصداقيتها أولا.