تواجه حركة
حماس وبعض فصائل
المقاومة الفلسطينية اليوم تحديات عديدة في التوفيق بين مشروع المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني من جهة، وبين دورها وموقعها في الصراع السياسي والشعبي والعقائدي في العالم العربي والإسلامي.
فأي موقف من حركة حماس من التطورات في الدول العربية والتي تشهد صراعات سياسية وشعبية؛ يتفاعل بشكل كبير بين مؤيد ومعارض في داخل الحركة وبين جمهورها ومؤيديها.
وقد يكون موقف الحركة من الصراع في سوريا خلال السنوات العشر الماضية أحد أبرز النماذج التي شهدتها الحركة، والتي كان لها انعكاس خطير على دورها وموقعها في الصراع مع العدو الصهيوني.
والملف الثاني الأكثر حساسية على صعيد دور ومستقبل الحركة في المقاومة والسلطة في قطاع غزة، كان الموقف من التطورات في مصر بعد الانقلاب على حركة
الإخوان المسلمين والأحداث الأليمة التي شهدتها مصر بعد ذلك، والتي لا تزال آثارها وانعكاساتها الخطيرة مستمرة حتى اليوم.
وثالث هذه الملفات الموقف من الأوضاع في اليمن في ظل الصراع بين
حركة أنصار الله (الحوثيين) ومن يدعمها من جهة داخل اليمن وخارجه، وبين القوى اليمنية الأخرى والتي تضم حزب الإصلاح اليمني وأنصار الحكومة وحلفاءهم في الداخل والخارج.
وإذا أردنا توسيع دائرة الصراع نصل إلى حالة الانقسام ما بين محورالمقاومة
بقيادة إيران من جهة، والمحاور الأخرى المتنوعة، والتي تأخذ أحيانا أبعادا سياسية واستراتيجية، وأحيانا أخرى أبعادا طائفية ومذهبية.
أي موقف تأخذه الحركة في كل هذه التطورات ستكون أمام معادلة واضحة بين الربح والخسارة، وسيكون لهذا الموقف تداعياته الخطيرة على دورها المقاوم وموقعها في الصراع مع العدو الصهيوني
ففي أي موقف تأخذه الحركة في كل هذه التطورات ستكون أمام معادلة واضحة بين الربح والخسارة، وسيكون لهذا الموقف تداعياته الخطيرة على دورها المقاوم وموقعها في الصراع مع العدو الصهيوني. فإذا شكرت
إيران وحزب الله على الدعم الذي قدماه لها انبرت شخصيات مؤيدة للحركة تستنكر ذلك، وإذا أشادت بموقف الحوثيين المؤيد لقضية فلسطين أثيرت علامات الاستفهام حول ذلك لأنه يشكل دعما لفريق يمني ضد فريق آخر، وإذا أخذت موقفا معارضا للنظام في سوريا وخرجت من سوريا وأقفلت مكاتبها هناك؛ خسرت موقعا استراتيجيا مهما في الصراع. وفي المقابل، إذا حاولت إعادة ترتيب العلاقة مع النظام في سوريا ومحور المقاومة تمهيدا للعودة إلى دمشق، شنّت عليها حملات قاسية من المعارضة السورية والقوى الإسلامية التي تواجه النظام حاليا.
وأما في الصراع الجاري في مصر، فقد دفعت الحركة أثمانا كبيرة خلال السنوات الماضية نظرا لعلاقتها الممّيزة مع حركة الإخوان المسلمين، ولذلك سارعت إلى معالجة الأمر والإعلان عن مواقف صريحة بعدم التدخل في الصراع الدائر في مصر، والعمل لتعزيز العلاقة مع النظام المصري والقبول بالمساعدات التي يقدّمها لقطاع غزة، وخصوصا بعد معركة سيف القدس الأخيرة.
هذه بعض النماذج من الإحراجات والإشكالات التي تواجهها حركة حماس اليوم، وقد توجهها أية حركة مقاومة، مما يجعل المراقب أو الحريص على دور المقاومة والقضية الفلسطينية يسأل: ما هي الأسس التي ينبغي اعتمادها في المواقف السياسية لقوى المقاومة؟ وما هو الأصلح: هل الدخول في الصراعات داخل الدول واتخاذ موقف مؤيد لفريق دون آخر، أم الأفضل إعطاء الأولوية لدعم المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني بغض، النظر عن الملاحظات على أداء النظام السياسي أو الصراع الداخلي في كل دولة؟
ما هي الأسس التي ينبغي اعتمادها في المواقف السياسية لقوى المقاومة؟ وما هو الأصلح: هل الدخول في الصراعات داخل الدول واتخاذ موقف مؤيد لفريق دون آخر، أم الأفضل إعطاء الأولوية لدعم المقاومة ومواجهة العدو الصهيوني بغض، النظر عن الملاحظات على أداء النظام السياسي أو الصراع الداخلي في كل دولة؟
والسؤال الأعمق في هذه المرحلة: هل الأولوية اليوم للصراعات المذهبية والعقائدية والطائفية وإثارة الأحقاد والخلافات التاريخية؟ أم الأولوية لتوحيد الموقف واعتبار القضية الفلسطينية والصراع مع العدو الصهيوني المدخل لتوحيد الطاقات والتعالي عن الصراعات السياسية أو المذهبية؟
كل هذه الأسئلة والإشكالات تواجهها حركة حماس بوضوح وصراحة، وقد شهدنا نقاشات وسجالات عديدة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وحتى داخل الحركة وبين قيادييها حول هذه الملفات والقضايا، مما أدى لنقل الخلافات إلى الداخل الفلسطيني، وبدل أن يكون الموقف من المقاومة عامل توحيد يتحول إلى عامل انقسام وخلاف.
شهدنا نقاشات وسجالات عديدة في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي وحتى داخل الحركة وبين قيادييها حول هذه الملفات والقضايا، مما أدى لنقل الخلافات إلى الداخل الفلسطيني، وبدل أن يكون الموقف من المقاومة عامل توحيد يتحول إلى عامل انقسام وخلاف
وقد تكون تجربة السنوات الأخيرة شاهدا مهما على الأولوية وكيفية اتخاذ الموقف، فرغم قسوة الصراع في مصر والأثمان الكبيرة التي دفعتها حركة الإخوان المسلمين من جراء هذا الصراع، فقد كان الحفاظ على الأهداف الاستراتيجية لحركة حماس وحرصها على حماية المقاومة وموقعها ودورها الكبير في قطاع غزة؛ هو السبب الذي جعلها تبتعد عن هذا الصراع وترفض التدخل في تفاصيله، وتتخذ مواقف متمايزة عن حركة الإخوان رغم العلاقة التاريخية والعقائدية والعضوية بينهما.
وأما في الصراع في سوريا، فلأن الحركة اتخذت قرارا بالخروج من دمشق وتبني مطالب المعارضة السورية طيلة فترة طويلة، فقد أدى ذلك لخسارة كل المميزات الاستراتيجية للدور السوري طيلة السنوات الماضية، وانعكس سلبا على طبيعة العلاقة مع محور المقاومة في فترة معينة، وإن كان تم تجاوز ذلك لاحقا لكن العلاقة مع سوريا لا تزال محورا لنقاشات مطولة.
إذن، على ضوء مصالح المقاومة وأولوية الصراع مع العدو الصهيوني، تستطيع حركة حماس أو غيرها من حركات المقاومة أن تحدد موقفها من التطورات، وعلى ضوء المتغيرات الميدانية والسياسية والاستراتيجية يمكن اتخاذ الموقف المناسب، دون أن يعني ذلك تخلي أية حركة عن ثوابتها السياسية والفكرية، ولكن يمكن لها أن تلعب دورا إيجابيا في معالجة المشكلات والدعوة للحوار السياسي والوصول إلى حلول لكل الخلافات، بدل أن تتحول جزءا من الصراع السياسي داخل أي بلد.
ولا تستطيع الحركة تجاوز الإشادة بكل من يقدم لها الدعم في صراعها مع العدو الصهيوني، ومن حق قيادة الحركة أن تحدد الأولويات والمواقف المناسبة في كل ما يخدم القضية الفلسطينية ومواجهة العدو.
قد لا يمتلك أحد جوابا ثابتا وحاسما في كيفية تحديد المواقف وهذا يعود لقيادة أية حركة، لكن على الأقل ينبغي التأكيد أن أهمية أية حركة أو قيادة مقاومة أن تنجح في تصويب الأداء لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وليس الانجرار وراء السجالات والخلافات
هذه الإشكالات التي نشهدها اليوم حول مواقف حركة حماس وأدائها يمكن أن تشكل نموذجا في الأداء السياسي والأداء المقاوم. فعلينا إعادة تقييم أداء كل الحركات الإسلامية وموقعها في الصراع، وهل المعارك التي خاضتها خدمت الصراع الأساسي مع العدو الصهيوني وفي مواجهة المشروع الأمريكي أو العكس؟ وكيف يمكن لأية حركة أن تتعاطي مع الصراعات والمتغيرات على ضوء مشروعها المقاوم؟
قد لا يمتلك أحد جوابا ثابتا وحاسما في كيفية تحديد المواقف وهذا يعود لقيادة أية حركة، لكن على الأقل ينبغي التأكيد أن أهمية أية حركة أو قيادة مقاومة أن تنجح في تصويب الأداء لتحقيق الأهداف الاستراتيجية، وليس الانجرار وراء السجالات والخلافات، والتحول من حركة مقاومة وحركة توحيدية إلى عامل انقسام وخلاف.
تجربة حركة حماس اليوم نموذج مهم تنبغي دراسته بعمق للاستفادة منه للمرحلة المقبلة في معركة تحرير فلسطين والقدس، وإعادة توحيد الأمة بدل تقسميها وتشتيتها.
twitter.com/KassirKassem