هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تتجه الأنظار بعد إعلان نتائج الانتخابات التشريعية في الجزائر، إلى التحالفات الممكنة داخل البرلمان الجديد، بهدف تشكيل الحكومة على ضوء الدستور الجديد المستفتى عليه قبل سنة.
وأفرزت نتائج الانتخابات التي أجريت يوم 12 حزيران/ يونيو الجاري، في المجمل ستّ كتل كبرى، تتقاسم مقاعد المجلس الشعبي الوطني البالغ عددها 407، لكن من دون أغلبية واضحة لأي حزب.
وتصدرت الأحزاب الفائزة جبهة التحرير الوطني بمائة و5 مقاعد، يليها المستقلون بـ78 مقعدا، ثم حركة مجتمع السلم بـ46 مقعدا، يتبعها التجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل وحركة البناء الوطني.
ورغم مرتبتها الأولى، لم تطالب جبهة التحرير الوطني على لسان أمينها العام أبي الفضل بعجي، بأحقيتها في قيادة الحكومة، كماأنه لم يظهر أي تحالف إلى حد الآن يمتلك الأغلبية التي تخوله ذلك.
نقاش دستوري
ويعود سبب النقاش حول الحكومة، إلى ما تضمنه الدستور الجديد للبلاد، الذي يُميز بين حالتي أغلبية رئاسية وبرلمانية، ويبني على كل واحدة منها طريقة في تعيين من يقود الحكومة.
وتنص المادة 103 من الدستور الجزائري، على أن الحكومة يرأسها وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية، ورئيس حكومة في حال كانت هناك أغلبية برلمانية.
ويوضح الدستور أن الفرق يكمن في أن الوزير الأول يطبق برنامج رئيس الجمهورية في حين أن رئيس الحكومة ينفذ برنامج الأغلبية البرلمانية بعد أن يقوم الرئيس باختياره وجوبا من داخل هذه الأغلبية.
وعلى هذا الأساس، يدور نقاش في الجزائر، حول أي حالة يوجد فيها البرلمان اليوم، بين من يقول إنها بالضرورة أغلبية رئاسية وبين من يرى أن المسألة لم تتضح بعد.
ويذهب أصحاب الرأي بوجود أغلبية رئاسية، إلى أن أغلب الأحزاب الكبرى الفائزة تدعم الرئيس عبد المجيد تبون أو إنها في طريقها إلى ذلك، مثل جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وغيرهما.
وتعتقد الخبيرة الدستورية فتيحة بن عبو، أنه يجب التريث لمعرفة شكل التحالفات داخل البرلمان، لكنها ترجح أن يعين الرئيس وزيرا أول وليس رئيس حكومة لعدم وجود أغلبية برلمانية ظاهرة من أحزاب معارضة.
وتقول بن عبو في حديثها لـ"عربي 21"، إن الدستور يتيح للرئيس اختيار الوزير الأول الذي عليه أن يعرض مخطط عمله على المجلس الشعبي الوطني، وفي حال رفضه مرتين يسقط الوزير الأول ويُحلّ البرلمان.
اقرأ أيضا: 18 مليون عازف عن الانتخاب بالجزائر.. والأوراق الملغاة بالصدارة
لكن بحسب ناصر حمدادوش عضو المكتب التنفيذي لحركة مجتمع السلم، فإن الانتخابات لم تفرز أغلبية رئاسية ولا أغلبية برلمانية، وهو ما يجعل كل الخيارات ممكنة بحسبه.
ويشرح حمدادوش في حديثه مع "عربي21" فكرته بالقول: "لا توجد أغلبية رئاسية لأن الرئيس لا يملك حزبا سياسيا، ناهيك عن فوزه بأغلبية، وكل الأحزاب الفائزة في هذه الانتخابات لم تكن مساندة له ولا لبرنامجه في الرئاسيات، كما أنه لا توجد أغلبية برلمانية لأن الحزب الوحيد المعارض الفائز في هذه الانتخابات وهو حركة مجتمع السلم لم يحصل على أغلبية".
ولذلك، فإن القيادي بالحزب الفائز بالمرتبة الثالثة، يقول إن أي أغلبية تحتاج إلى حوار وطني جدي لهذه التحالفات على مستوى البرلمان أو الحكومة، مشيرا إلى انفتاح حزبه على كل الخيارات.
وأضاف يقول: "بحسب نتائج هذه الانتخابات فإننا في وضع مريح يسمح لنا بلعب أي دور سياسي في أي موقع نكون فيه، سواء في الحكومة أو المعارضة".
تأثير المقاطعة
وفي تحليله للمشهد، يرى رابح لونيسي أستاذ العلاقات السياسية بجامعة وهران، أن المقاطعة الواسعة للانتخابات، قد قلبت عدة حسابات وعقدت من الأوضاع.
وبلغت نسبة المشاركة بحسب الأرقام الرسمية 23.03 بالمائة، وهي النسبة الأضعف في تاريخ الانتخابات البرلمانية الجزائرية، منذ استعادة المسار الانتخابي سنة 1995.
ويعتقد لونيسي في تصريحه لـ"عربي 21"، أن هناك أطرافا داخل السلطة، راهنت على فوز المعارضة كي تشكل حكومة معارضة تسير الشأن العام وتتحمل مسؤولية الفشل لأن الجزائر تعيش وضعا اقتصاديا حادا، لكن هذا لم يحصل.
وبرأي أستاذ العلوم السياسية، فإن المقاطعة جعلت الأحزاب التقليدية المتمثلة في جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، التي تمتلك وعاء انتخابيا ثابتا تنال عدة مقاعد بإمكانها أن تشكل أغلبية رئاسية، خاصة إذا أضيف لها حزب المستقبل والكثير من الأحرار، مع إمكانية أن تنضم إليهم حركة البناء.
ولا يستبعد المتحدث أن يشكل كل هؤلاء تحالفا مع حركة مجتمع السلم لكن بتلبية بعض شروط هذه الأخيرة، ما يجعل الرئيس يتمتع حسبه بأغلبية رئاسية مضمونة، شبيهة بتجربة التحالف الرئاسي الذي كان في وقت بوتفليقة.
لذلك، فإن لونيسي يتوقع أن يكون الرئيس في أريحية تامة، لأنه يتمتع بالأغلبية ويعين وزيرا أول يكون دوره تنسيقيا، على عكس رئيس الحكومة الذي له صلاحيات واسعة لو جاءت الانتخابات بأغلبية برلمانية.
موقع الديمقراطيين
والخاسر الأكبر من كل ذلك، في نظر لونيسي، هو التيار الديمقراطي، الذي يغيب حسبه بسبب "المقاطعة والمعارضة العقيمة"، وهو ما سيسمح، حسبه، للمحافظين والإسلاميين القريبين أيديولوجيا في بعض القضايا بتمرير الكثير من القوانين والقرارات على حساب الديمقراطيين.
لكن بعض أحزاب التيار الديمقراطي رغم عدم مشاركتها في الانتخابات، بدت مبتهجة بنسبة المشاركة المتدنية التي تعكس حسبها رفض الجزائريين لهذه الانتخابات والمسار الذي أوصل إليها.
واعتبرت لويزة حنون الأمينة العامة لحزب العمال، أن "أكبر وأوضح رسالة جاء بها الاقتراع هي تجديد الأغلبية رفضها المطلق لهذا الوضع بالذات وتمسكها برحيل النظام لتمارس سيادتها بالكامل".
وذهبت حنون إلى أن نتائج هذه الانتخابات تعيدنا إلى بداية ثورة 22 شباط/ فبراير 2019، عندما طالبت الأغلبية برحيل النظام برمته وليس فقط السلطة التي كانت قائمة وعلى رأسها عبد العزيز بوتفليقة.
وأعلن من جانبه حزب "جيل جديد" الذي ينتمي للتيار الديمقراطي وكان من المشاركين في الانتخابات، أنه لن يدخل الحكومة بعد خسارته، مبررا ذلك بعدم تمتع البرلمان الجديد بالشرعية الكافية بسبب نسبة المشاركة الضعيفة.