هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
خصصت مجلة "إيكونوميست"، افتتاحية في عددها الأخير، ترجمتها "عربي21"، تحدثت فيها عن خروج الولايات المتحدة من أفغانستان بأنه هزيمة منكرة، محذرة من تداعيات النزاع على الأفغان والتي تبدو الآن كارثية ومن المحتمل أن تزداد سوءا.
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات الرئيس جوزيف بايدن للصحافيين بداية تموز/ يوليو حين قال "يا رجل، أريد أن أتحدث عن الأشياء الجميلة". و "لم يكن عجبا أنه يريد تغيير الموضوع: فالأمريكيون يقاتلون في أفغانستان منذ 20 عاما وأنفقت أمريكا تريليوني دولار على الحرب وخسرت آلافا من جنودها وشاهدت وفاة عشرات الآلاف من الأفغان، الجنود والمدنيين على حد سواء. واليوم يصف الأمريكيون كل العملية بأنها مغامرة بدون أن يكون لديهم نتائج ليتحدثوا عنها".
وقالت: "صحيح لم يعد تنظيم القاعدة الذي كان السبب وراء الغزو بعد ضربه أمريكا في 9/11 قويا، لكن لم يتم القضاء عليه بشكل كامل".
وأضافت: "المسألة لا تتعلق بالقاعدة فقط، فهناك جماعات مسلحة معادية لأمريكا بما فيها فرع لتنظيم الدولة يواصل العمل من أفغانستان. وعاد المتحمسون من طالبان الذين منحوا أسامة بن لادن الملجأ الأمن وأطاحت بهم أمريكا من السلطة في 2001. وهم يسيطرون بشكل كامل على نصف البلاد ويخططون لغزو النصف الباقي".
أما الحكومة الأفغانية التي قواها الدم والمال الأمريكي فهي فاسدة ومكروهة وفي هزيمة مستمرة. ومن الناحية النظرية فحركة طالبان والحكومة التي تدعمها أمريكا تتفاوضان حول تسوية سلمية، يسلم فيها المقاتلون أسلحتهم ويشتركون في الحكومة داخل نظام سياسي سيعاد تشكيله.
وفي أحسن السيناريوهات يمكن أن يؤدي الدعم الأمريكي للحكومة، ماليا وعسكريا الذي يرفق بضغط على أصدقاء طالبان مثل باكستان إلى تشارك في السلطة.
وحتى لو حدث هذا -والفرص قليلة- فإن المشهد سيكون مثيرا للكآبة. فستصر طالبان على العودة إلى الوراء وممارسة الحكم الوحشي الذي طبقته في فترتها الأولى، حيث أجبرت النساء على البقاء في البيوت ومنعت الفتيات من المدارس ومارست أقسى العقوبات لتجاوز بسيط مثل ارتداء الملابس الخطأ أو الاستماع للموسيقى غير المناسبة.
وما سيحدث هو محاولة طالبان الإطاحة بالحكومة بدلا من التوصل معها لاتفاق. حيث سيطروا على الأرياف فيما انحصرت قوات الحكومة في البلدات والمدن، وهرب الجنود الذين انهارت معنوياتهم من مواقعهم.
وفي هذا الأسبوع فر أكثر من 1,000 جندي من ولاية بادخشان، في الشمال الشرقي إلى طاجيكستان. وربما لم يكن لدى طالبان القدرة على احتلال المدن والحفاظ عليها مرة واحدة بسبب نقص القوات.
وربما فضل قادتها خنق الحكومة ببطء بدلا من مواجهتها. لكن الزخم إلى جانبهم. وعلى أقل تقدير فالحرب الأهلية ممكنة، حيث تواصل طالبان الضغط وتحاول الحكومة القتال من أجل البقاء.
وستحاول الدول الأخرى مثل باكستان والصين وروسيا وإيران والهند ملء الفراغ الذي خلفه الأمريكيون. وربما قدم البعض الدعم المالي والعسكري لأمراء الحرب.
وستكون النتيجة حمام دم ودمار في بلد يشهد الحرب المستمرة منذ أكثر من 40 عاما. وهناك من عبروا عن مخاوفهم من تخلي أمريكا عمن تعاونوا معها ولكنهم يفقدون الصورة الأوسع، وهي تخلي أمريكا عن بلد كامل وسكانه الـ40 مليونا وتتركهم لمصيرهم البشع.
ولم يكن الوضع الآن ليصل إلى هذا، فخلال السنوات الست الماضية كان 10,000 جندي أمريكي وعدد مشابه من قوات الناتو يمنحون الجيش الأفغاني الدعم ويساعدونه للحفاظ على الوضع الراهن.
وانخفض عدد القتلى الأمريكيين للصفر ولم يعد موضوع أفغانستان الذي كان يقلق الناخب الأمريكي مهما له.
ومنذ وصوله إلى السلطة ركز بايدن على التهديد الصيني والروسي، دون تركيز على أفغانستان، نظرا لكون عديد القوات الأمريكية في أفغانستان أصبح قليلا لدرجة أنه لم يعد مهما في ملفات السياسة الداخلية وخطط الدولة.
وتتعامل الإدارة الأمريكية الحالية مع انسداد الأفق في أفغانستان بأن البقاء هناك لم يعد ضروريا، لكن الأفغان الذين حمتهم أمريكا من طالبان فقدوا داعمهم الرئيسي، وسيكون هناك نقاش طويل حول خسارة أمريكا لمصداقيتها من الانسحاب.
ولم تكن أمريكا بثروتها وعظمتها العسكرية قادرة على إقامة دولة مستقرة معتمدة على نفسها، علاوة على هزيمة تمرد كهذا.
وأكثر من هذا أنه لم تعد الولايات المتحدة مستعدة لوضع ثقلها ودعم الحكومة الأفغانية، وهو ما زاد غضب المسؤولين الأفغان.
ومهما حدث فإن الانسحاب هو مأساة لأفغانستان، وفي 2001 عبر الكثيرون عن أملهم في تحرير أمريكا لهم من الحكم الديني والحرب الأهلية المستمرة منذ 20 عاما.
وفي ذلك الوقت بدا وكأن الأمل يتحقق. ولكن حياة الأفغان اليوم ليست آمنة كما كان في وقت الغزو. وزادت نسبة الضحايا بين المدنيين 30% على ما كانت عليه في 2001. والاقتصاد لم يعد كبيرا كما كان قبل عقد، وكل ما جرى أن أمريكا لم تعد قادرة على حل مشاكل أفغانستان ولكن مغادرة البلد وإعادته للمربع الأول هو بمثابة فشل ذريع.