قام الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير بزيارة
إسرائيل قبل أسبوعين والتقى برئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت، نجل مستوطنين أمريكيين قدموا من سان فرانسيسكو لاستعمار
فلسطين في تموز/ يوليو 1967. وقد تفاخر بينيت: "لقد قتلت الكثير من العرب في حياتي وليس لدي أي مشكلة في ذلك".
استعداداً لزيارته، قام شتاينماير بالدفاع الحماسي عن المسؤولين الإسرائيليين من الملاحقة القضائية من قبل المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب استعمارية. وأكد أن "موقف الحكومة الألمانية هو أن محكمة الجنايات الدولية ليست ذات اختصاص في هذا الشأن، لعدم وجود دولة فلسطينية". وقد شكر الرئيس الإسرائيلي المنتهية ولايته، رؤوفين ريفلين، شتاينماير على التزام ألمانيا بأمن إسرائيل ولمعارضتها التحقيق الدولي.
ووفقاً لتقليد جميع حكومات ألمانيا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، أوضح شتاينماير أن دعم ألمانيا الثابت للاستعمار
اليهودي لفلسطين هو محصلة الذنب الذي تحمله: "تتعايش ألمانيا مع الإرث التاريخي للانتهاكات الفظيعة للسلطة السياسية التي ارتكبها النظام النازي". وبالفعل، فقد اكتسبت الثقافة السياسية الألمانية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ضميراً بشأن القتل الجماعي لليهود الأوروبيين لم تنفك من التعبير عنه، وهو أمر جلي تماماً، لكنها لا يبدو أنها ندمت كثيراً على جرائم ألمانيا الاستعمارية والإبادات الجماعية الأخرى التي ارتكبتها منذ توحيدها في فترة 1870-1871، وهي كثيرة.
لقد نددت منظمة حماس بتصريحات شتاينماير وقالت إنه "يشجع الاحتلال على مواصلة جرائمه وعدوانه ويضع [إسرائيل].. فوق القانون الدولي"، كما وصفت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ملاحظاته بـ"المخزية والمتعجرفة" وبأنها "دعوة لإسرائيل لارتكاب المزيد من الجرائم." وحتى السلطة الفلسطينية المرتزقة وصفت التصريحات بأنها "خروج عن قواعد القانون الدولي"، و"تدخل في عمل المحكمة الجنائية الدولية وقراراتها".
ألمانيا هي بالفعل أحد ألد أعداء الشعب الفلسطيني، وقد كانت ولم تزل عدوة نضاله ضد الاستعمار الاستيطاني منذ القرن التاسع عشر. أما مساهمتها في استعمار فلسطين فهي أيديولوجية ومالية وجسدية وعسكرية.
ألمانيا هي بالفعل أحد ألد أعداء الشعب الفلسطيني، وقد كانت ولم تزل عدوة نضاله ضد الاستعمار الاستيطاني منذ القرن التاسع عشر. أما مساهمتها في استعمار فلسطين فهي أيديولوجية ومالية وجسدية وعسكرية
فقبل عقد من الزمن من شروع ألمانيا في استعمار أفريقيا والجزء الذي ضمته من بولندا، قامت مجموعة صغيرة من الألمان، تم طردهم في عام 1858 من الكنيسة اللوثرية بسبب معتقداتهم الألفية، بإعادة تنظيم أنفسهم في عام 1861 باسم "الألمان الهيكليين"، وشرعوا في إقامة المستعمرات الاستيطانية في فلسطين. وقد تأسست المستعمرة الأولى عام 1866 بالقرب من الناصرة، وفي عام 1869 أقاموا مستعمرة في مدينة حيفا. تبعت ذلك ثلاث مستعمرات أخرى، بما في ذلك ريفاييم بالقرب من البلدة القديمة في القدس عام 1873 (لا يزال الحي يعرف اليوم باسم "المستعمرة الألمانية").
وخلال الحرب العثمانية- الروسية 1877-1878، وصلت السفن الحربية الألمانية إلى شواطئ فلسطين للدفاع عن المستعمرين الألمان في حال تعرضهم للهجوم، في حين قام القنصل الألماني بإجبار العثمانيين على الاعتراف بمستعمرات الهيكليين، وهو ما كان العثمانيون قد رفضوا القيام به قبل ذلك.
في الواقع، كان الهيكليون يأملون في تحويل فلسطين إلى دولة بروتستانتية، وكانوا يحسبون أنها ستُمنح لألمانيا في نهاية حرب 1877-1878. وعندما اندلعت انتفاضة عام 1908 لحركة "تركيا الفتاة" في الأستانة، هاجم الفلاحون الفلسطينيون المستعمرات الألمانية وكذلك المستعمرات اليهودية
الصهيونية، وهو ما دفع الألمان لإرسال سفينة حربية أخرى إلى حيفا.
وقد كان القيصر فيلهلم قد زار فلسطين عام 1898. وقرر أحد أفراد حاشيته، الكولونيل جوزيف فرايهر فون إلريتشهاوزن، أثناء الزيارة تشكيل "جمعية لتقدم المستعمرات الألمانية في فلسطين" ومنحها قروضا. وقد استخدم هذا التمويل لإقامة مستعمرات ألمانية جديدة للهيكليين هي فيلهلميا (١٩٠٢)، وفالهالا (١٩٠٣)، وبيت لحم- الجليل (١٩٠٦)، وفالدهايم (١٩٠٧).
وقد بلغ عدد المستعمرين المسيحيين الألمان في فلسطين عشية الحرب العالمية الأولى 2000 شخص، 1800 منهم من الهيكليين. وفي الثلاثينيات من القرن الماضي، دعم العديد من المستعمرين النظام النازي ما أدى إلى مطاردتهم من قبل البريطانيين والصهاينة، واستولى الأخيرون على مستعمراتهم بعد ترحيلهم من البلاد. وقد انتهى المطاف بالعديد من الهيكليين في أستراليا في أواخر الأربعينيات.
في هذه الأثناء، في عام 1871، كانت ألمانيا الموحدة حديثاً منكبة على التخطيط لاستيطان مقاطعاتها الشرقية، التي كانت تضم أغلبية سكانية من البولنديين. وقد أنشأ بسمارك لجنة الاستعمار البروسية الملكية في مقاطعتي غرب بروسيا وبوزين لإضفاء الطابع الألماني عليهما من خلال الاستيطان وقمع الهوية الوطنية البولندية. وكانت الخطة تقتضي نقل حوالي 40 ألف أسرة ألمانية إلى المنطقتين لتغيير تكوينهما الديموغرافي، على الرغم من أنه بحلول عام 1914، لم تتمكن اللجنة من زرع أكثر من 155 ألف مستعمر في مئات من المستعمرات الاستيطانية الألمانية الصغيرة. لكن مقاومة كبار ملاك الأراضي البولنديين، الذين أسسوا منظمتهم الاستيطانية الخاصة بهم وبنكا لاستيطان البولنديين لزيادة عدد السكان البولنديين في المقاطعات، هي التي هزمت الجهود الألمانية بشكل فعال.
وقد كان الاستعمار الألماني لبوزين قد أصبح نموذجاً للجهود الصهيونية في أوائل القرن العشرين لاستعمار فلسطين (والأخيرة تقريباً نفس مساحة بوزين). وكان آرثر روبين، اليهودي الألماني المولود في بوزين، هو من رأس المكتب الفلسطيني للمنظمة الصهيونية. وقد شهد روبين "الصراع الدائم بين الأغلبية البولندية التي تعيش على الأرض وبين السكان [المستوطنين] الألمان المسيطرين، وخاصة في المناطق المدينية". وبعد أسبوعين من وصوله إلى فلسطين عام 1907 لاستكشاف إمكانية استعمارها، وهي رحلة مولها الصندوق القومي اليهودي التابع للمنظمة الصهيونية، كتب روبين إلى الصندوق القومي اليهودي قائلاً: "أرى عمل الصندوق القومي اليهودي مشابهاً لعمل لجنة الاستعمار في بوزين وبروسيا الغربية. سيشتري الصندوق القومي اليهودي الأرض متى عرضت من قبل غير اليهود، وسيعرضها للبيع جزئياً أو كاملة ليهود".
وفي عام 1908، أنشأ روبين "شركة تنمية أراضي فلسطين" والتي ستقوم في عملها، وفقاً لوثيقة تأسيسها، باتباع "الأساليب المستخدمة من قبل بنك الأراضي الألماني، وبنك زيمسكي البولندي، ولجنة الاستعمار البروسية، التي تتشارك جميعها في عملية الاستعمار في المقاطعات الشرقية البروسية".
وفي عام 1911، بدأ روبين بتقديم اقتراحاته لطرد الشعب الفلسطيني من البلاد. ورداً على الانتقادات الموجهة إلى أساليب "شركة تنمية أراضي فلسطين"، أوضح أوتو واربورغ، رئيس اللجنة التنفيذية الصهيونية ورئيس مجلس أمناء الشركة: "نحن لا نقترح طرقاً جديدة، وتجارب جديدة غير معروفة طبيعتها. نحن نفترض بدلاً من ذلك طريقة الاستعمار البروسي كما مارستها لجنة الاستعمار في السنوات العشر الماضية". وقد كان واربورغ نفسه عضواً في لجنة الاستعمار البروسية وأصبح رئيساً للمنظمة الصهيونية (التي تغير اسمها في عام ١٩٦٠ وأصبحت "المنظمة الصهيونية العالمية") من عام 1911 حتى عام 1921. أما الخبراء اليهود الصهاينة الذين اختارهم للانضمام إلى شركته الصهيونية فقد كانوا جميعا قد تلقوا تعليمهم في ألمانيا، وجالوا في جميع أنحاء الإمبراطورية الاستعمارية الألمانية وعملوا كمستشارين استعماريين لها. وقد تم كذلك استخدام المستشارين الألمان من قبل الصهاينة للتشاور، بما في ذلك المسؤول الألماني هوبرت آوهاغن، الذي أنشأ العديد من المستعمرات الاستيطانية في المقاطعات البولندية التي تحتلها ألمانيا، والذي تم تعيينه مستشاراً خاصاً لـ"شركة تنمية أراضي فلسطين".
كانت سياسة جمهورية فايمار تجاه الاستعمار اليهودي لفلسطين قد تجلت في وقت مبكر. فبينما عارض غالبية اليهود الألمان الحركة الصهيونية ولم يذهب إلى فلسطين بين عامي 1897 و1933 أكثر من ألفي مستعمر يهودي ألماني، معظمهم من المهاجرين اليهود الروس إلى ألمانيا، سرعان ما دعمت جمهورية فايمار وعد بلفور
في غضون ذلك، كان الاستعمار الاستيطاني الألماني يتقدم على قدم وساق، تصحبه المذابح والإبادة الجماعية دون هوادة في ناميبيا وتنجانيقا. ففي تنجانيقا، بين عامي 1891 و1898، قتل الألمان ما يزيد عن 150 ألفا من شعب "الواهيهي" الذين ثاروا على الاستعمار الألماني، وفي ناميبيا بين عامي 1904 و1907، قتل الألمان ما لا يقل عن 65 ألفا من شعب الهيريرو (حوالي 75- 80 في المائة منهم)، و10 آلاف من شعب الناما (حوالي 35-50 في المائة منهم). أما بعد الحرب العالمية الأولى، وبعد هزيمتها وفقدانها المستعمرات الاستيطانية الألمانية في بولندا، وأفريقيا وجنوب المحيط الهادئ، حاولت جمهورية فايمار الألمانية استعادة السيادة الألمانية عليها في عصبة الأمم لكنها فشلت.
وكانت سياسة جمهورية فايمار تجاه الاستعمار اليهودي لفلسطين قد تجلت في وقت مبكر. فبينما عارض غالبية اليهود الألمان الحركة الصهيونية ولم يذهب إلى فلسطين بين عامي 1897 و1933 أكثر من ألفي مستعمر يهودي ألماني، معظمهم من المهاجرين اليهود الروس إلى ألمانيا، سرعان ما دعمت جمهورية فايمار وعد بلفور، وبعد انضمامها إلى عصبة الأمم في عام 1926، أصبحت مؤيدة متحمسة للاستعمار اليهودي الأوروبي في فلسطين.
ولم يكن النازيون استثناءً للالتزامات الألمانية التاريخية بالاستعمار الاستيطاني في آسيا وإفريقيا، على الرغم من أن مشروع النازيين الاستعماري الاستيطاني استهدف أوروبا الشرقية بشكل أساسي. بل في الواقع، كانت السياسات النازية المعادية للسامية في الثلاثينيات عاملاً رئيساً في زيادة وتيرة الاستعمار الصهيوني في فلسطين. فخلال الأشهر القليلة الأولى للنظام النازي الذي صعد إلى السلطة في عام 1933، وقّعت الحركة الصهيونية اتفاقية معه لتحويل أموال اليهود الذين يغادرون البلاد إلى فلسطين، وهي الاتفاقية التي ظلت سارية المفعول حتى عام 1939.
وقد قام البنك الأنجلو- فلسطيني (الذي تأسس عام 1899 باعتباره الذراع المالية للمنظمة الصهيونية تحت اسم "الصندوق اليهودي الاستعماري وأصبح اسمه في عام 1950 "بنك ليؤمي"، وهو اليوم من أكبر بنوك إسرائيل التي تمول المستوطنات في الأراضي المحتلة) بتوقيع الاتفاقية. وقد سهلت الاتفاقية نقل حوالي 40.5 مليون دولار أمريكي من ثروة اليهود الألمان إلى فلسطين بحلول عام 1939، وهو مبلغ كبير للحركة الصهيونية في حينها، والتي استخدمت الأموال لتعزيز استعمار فلسطين وسلب أراضي سكانها الأصليين. وبالفعل، فإن 60 في المائة من رأس المال المستثمر في فلسطين بين عامي 1933 وأيلول/ سبتمبر 1939 جاء نتيجة للاتفاقية.
وقد واصل ممثل ألمانيا في عصبة الأمم جوليوس روبيل دعم الانتداب البريطاني والاستعمار الاستيطاني اليهودي، لدرجة أنه طمأن العصبة في أوائل تشرين الأول/ أكتوبر 1933 (قبل أيام من انسحاب ألمانيا النازية من العصبة) بأن حكومته "كانت تبذل قصارى جهدها لضمان الهجرة السلسة لليهود من ألمانيا إلى فلسطين". وقد تم دعم هذه الجهود من قبل القنصل العام الألماني في القدس (خدم فترة تشرين الثاني/ نوفمبر 1932 وحتى أيلول/ سبتمبر 1935)، هاينريش وولف، الذي أمّن في صيف عام 1934 قرضاً بقيمة مائة ألف جنيه فلسطيني من المصرفين الألمانيين فاسرمان وفاربوغ لمستعمرة نتانيا اليهودية، لشراء ماكينات زراعية ألمانية الصنع.
أما البارون ليوبولد فون ميلدنشتاين، والذي كان يرأس الدائرة اليهودية في وكالة الاستخبارات التابعة لـ"سرب الحماية" (اسم مليشيات الحزب النازي)، فقد كان من غلاة الصهاينة. وحين عاد من زيارة لفلسطين لمدة ستة أشهر في عام 1934، حيث حل ضيفاً على المنظمة الصهيونية، لم ينفك يشيد ويمدح المستوطنات الاستعمارية اليهودية. وكان فون ميلدنشتاين قد بدأ دراسة اللغة العبرية وجمع تسجيلات الأغاني العبرية الصهيونية التي كان يستمع إليها في مكتبه. وقام بنشر تقرير من 12 جزءاً في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر 1934 في جريدة "دير أنغريف" التابعة لجوزيف غوبلز وجهاز الدعاية للحزب النازي، في مديح المستعمرات اليهودية: "لقد أصلح التراب [اليهود] ونوعهم في أقل من عقد من الزمن. وسيكوّن هذا اليهودي الجديد شعبا جديدا".
وفي أيار/ مايو 1935، كتب راينهارد هايدريش نفسه، رئيس مليشيات الحزب النازي، مقالاً في جريدة المليشيات الرسمية "داس شفارتسي كور" أوضح فيه كيف يمكن للآريين "استعادة مكانتنا القديمة". ولتحقيق هذا الهدف "يجب أن نقسم اليهود إلى فئتين.. الصهاينة وأولئك الذين يفضلون الاندماج. أما الصهاينة فهم ملتزمون [مثلنا] بموقف عرقي صارم، ومن خلال الهجرة إلى فلسطين، فإنهم يساعدون في بناء دولتهم اليهودية الخاصة بهم.. نتمنى لهم الخير ومعه حسن نيتنا الرسمية".
وفي شباط/ فبراير ١٩٣٧، أرسلت المليشيات الصهيونية "الهاغاناه" عميلها فايفل بولكس إلى برلين للتفاوض مع مساعد فون ميلدنشتاين، أدولف آيخمان. وكان آيخمان قد تعلم العبرية وقرأ هرتزل، وكان الخبير الرسمي في الشؤون اليهودية في هيئة الاستخبارات التابعة للميليشيات النازية. وأثناء لقائهما، شكر بولكس آيخمان على مسدسات وذخيرة ماوزر التي تلقتها الهاغاناه من ألمانيا بين عامي 1933 و1935، والتي "قدمت خدمة قيّمة" للمليشيات الصهيونية عندما استخدمتها لقتل الفلسطينيين خلال الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939).
عد تأسيس ألمانيا الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واصلت كل حكومة منذ ذلك الحين (وكل حكومة ألمانية منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990) السياسات الاستعمارية الألمانية المؤيدة للاستيطان، والتي لم تتراجع أبداً منذ توحيد البلاد في 1870-1871
وقد دعا الصهاينة آيخمان وهيربرت هاغن لزيارة مستعمراتهم في فلسطين، حيث وصلا في 2 تشرين الأول/ أكتوبر 1937 متنكرين بزي صحفيين. وعند وصولهما، اصطحبهما بولكس إلى حيفا وجبل الكرمل ولزيارة كيبوتس. وسيتذكر آيخمان في مخبئه في الأرجنتين بعد عقود أنه "أعجب بالطريقة التي كان المستعمرون اليهود يبنون بها وطنهم". وأكد أنه بعد زيارته كان يقول لليهود "لو كنت يهودياً.. لكنت من غلاة الصهاينة". ونتيجة الاتفاق الصهيوني- النازي، غادر 50 ألفا من حوالي نصف مليون يهودي ألماني إلى فلسطين بين عامي 1933 و1939.
وبعد تأسيس ألمانيا الغربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية، واصلت كل حكومة منذ ذلك الحين (وكل حكومة ألمانية منذ إعادة توحيد ألمانيا في عام 1990) السياسات الاستعمارية الألمانية المؤيدة للاستيطان، والتي لم تتراجع أبداً منذ توحيد البلاد في 1870-1871، بغض النظر عن نوع النظام الذي حكم ألمانيا (باستثناء دولة ألمانيا الشرقية). وشأنها شأن شتاينماير، بررت ألمانيا الغربية تحالفها مع الصهيونية وإسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية كشكل من أشكال التعويض عن الإبادة الجماعية التي ساعد الشعب الألماني النظام النازي على ارتكابها.
زودت ألمانيا الغربية إسرائيل بمساعدات اقتصادية ضخمة في الخمسينيات من القرن الماضي ومساعدات اقتصادية وعسكرية منذ أوائل الستينيات، بما في ذلك الدبابات التي استخدمتها إسرائيل لقتل الفلسطينيين وغيرهم من العرب. وفي الستينيات، قامت ألمانيا الغربية بتدريب الجنود الإسرائيليين، ومنذ السبعينيات زودت إسرائيل بغواصات ألمانية الصنع مجهزة لحمل أسلحة نووية تأمل إسرائيل من خلالها في قتل المزيد من العرب والمسلمين. وقد قامت إسرائيل في السنوات الأخيرة بتسليح الغواصات الألمانية بصواريخ كروز ذات الرؤوس النووية.
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق إيهود باراك، لصحيفة دير شبيغل في عام 2012، إنه يجب على الألمان أن "يفتخروا" بأنهم ضمنوا وجود دولة إسرائيل "لسنوات عديدة".
حقيقة أن هذا يجعل من ألمانيا ما بعد عام 1990 شريكاً في تجريد الفلسطينيين من أراضيهم ووطنهم فلا تشكل مصدر قلق أكبر في برلين اليوم أكبر مما شكلته في الستينيات من القرن الماضي لدى مستشار ألمانيا الغربية كونراد أديناور، الذي أكد حينها أن "الجمهورية الفيدرالية ليس لها الحق ولا المسؤولية في اتخاذ موقف تجاه اللاجئين الفلسطينيين"
أما حقيقة أن هذا يجعل من ألمانيا ما بعد عام 1990 شريكاً في تجريد الفلسطينيين من أراضيهم ووطنهم فلا تشكل مصدر قلق أكبر في برلين اليوم أكبر مما شكلته في الستينيات من القرن الماضي لدى مستشار ألمانيا الغربية كونراد أديناور، الذي أكد حينها أن "الجمهورية الفيدرالية ليس لها الحق ولا المسؤولية في اتخاذ موقف تجاه اللاجئين الفلسطينيين". وتضاف إلى هذه المساعدات الملياراتُ التي دفعتها ألمانيا للحكومة الإسرائيلية كتعويض عن المحرقة، وكأن إسرائيل والصهيونية كانوا من ضحايا النازية، في حين أن يهود أوروبا الذين رفضوا استعمار فلسطين هم من قام النازيون بقتلهم.
منذ أواخر الستينيات، شجبت حكومات ألمانيا الغربية المقاومة الفلسطينية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني ووصفتها بأنها "إجرامية" و"إرهابية". وقامت الحكومة الألمانية بحظر منظمات التضامن مع الفلسطينيين بما في ذلك الاتحاد العام لطلبة فلسطين. وبعد هجوم منظمة "أيلول الأسود" على فريق المصارعة الإسرائيلي في أولمبياد ميونيخ عام 1972، قام الألمان الغربيون بتفعيل "قانون الأجانب" العنصري للترحيل الجماعي للعمال والطلاب الفلسطينيين من البلاد، بناءً على الادعاء الكاذب بأنهم دعموا عملية ميونيخ، وهو ما لم يفعلوه. وبعد عام 1990، استمر عداء ألمانيا الموحدة تجاه الفلسطينيين باطراد.
ومن المفارقة أن تصريحات شتاينماير الأخيرة المؤيدة للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي جاءت بعد أيام من اعتراف ألمانيا أخيراً بالإبادة الجماعية التي ارتكبها الألمان في ناميبيا (ولكن ليس في تنجانيقا). ولكن وبالنظر إلى الدعم الألماني التاريخي للاستعمار الاستيطاني في جميع أنحاء العالم، فإن دعم ألمانيا طويل الأمد لإسرائيل والاستعمار الاستيطاني الصهيوني ولمجرم يفتخر بقتل العرب مثل نفتالي بينيت، لا ينبع فقط من إحساسها المعلن بالذنب نتيجة ارتكاب النازيين الإبادة الجماعية بحق يهود أوروبا، بل هو أيضاً، وهذا أكثر أهمية، نتيجة العنصرية الاستعمارية الألمانية تجاه الشعوب المستعمرة غير البيضاء في جميع أنحاء العالم، والتي، بحسب ألمانيا، يمكن التفريط بحقوقهم ومصالحهم دائماً لمصلحة الاستعمار الاستيطاني لبيض أوروبا.