عندما كان يهم بشار
الأسد بالدخول إلى قصره
لأداء قسم إعادة انتخابه، كانت طائراته مع حليفه الروسي تدك قريتي احسم وسرجة بالقذائف المدمرة، وترتكب مجزرتين في جبل الزاوية راح ضحيتهما العشرات بين جريح وقتيل جنوبي إدلب، وتستهدف مركزا للدفاع المدني في وتقتل صحفياً فيه، في الوقت الذي كان رئيس فرع جهاز "الأمن العسكري" في محافظة درعا، التابع لقوات النظام، يرسل رسالة تهديد جديدة
لأحياء درعا البلد، يتوعد من خلالها بحملة تصعيد أخرى، وهدم المسجد العمري الذي يحظى برمزية كبيرة لدى أهالي المحافظة، في حال عدم الاستجابة لمطالب النظام بتسليم السلاح الفردي وتفتيش البيوت.
وقبل ذلك بيومين، كان وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو يعيد التذكير بأن العسكريين الروس جربوا خلال العملية العسكرية في
سوريا منذ أيلول/ سبتمبر 2015 أكثر من 320 نوعا من مختلف الأسلحة. بالطبع، كما يتفاخر الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذه مئات الغارات في العمق السوري على مدار أعوام، وكما هو حال الاحتلال الإيراني بفرحه بإضافة دمشق لمناطق سيطرته على أربع عواصم عربية.
في هذه الأجواء، يعيد رأس النظام السوري التأكيد على حالة الانفصام التي أصابته منذ عشرة أعوام، باجتراره ذات الخطاب في كل مناسبة رافقت سياسته الكارثية التدميرية على المجتمع والشعب السوري برمته
في هذه الأجواء، يعيد رأس النظام السوري التأكيد على حالة الانفصام التي أصابته منذ عشرة أعوام، باجتراره ذات الخطاب في كل مناسبة رافقت سياسته الكارثية التدميرية على المجتمع والشعب السوري برمته. ولم يحمل خطاب تأديته "
القسم" بعد تنصيب نفسه لولاية رابعة عقب وراثته الحكم عن أبيه، أي جديد، غير ترتيب مشهد مسرحي وفني بإخراج طريقة استحضاره لنوابه في مجلس الشعب، وإخراج طريقة دخوله وخروجه لقصر
الرئاسة لتأدية طقوس الولاء والمبايعة بنفس الشعارات النافخة لنفسية ديكتاتور سوريا على الطريقة الروسية في الكرملين.. التصفيق والتصفيق مع تبجيل الذات الأسدية لـ"انتصاراتها" المتعددة الجوانب، كما وصفها المصفقون من نوابه والحضور المُختار بعناية أمنية عالية من ممثلين وفنانين وعسكريين.
حضور نواب الأسد لقصره هو الجديد، باستبدال قبة البرلمان لأداء القسم بنفس الاستعلاء والاستحقار الممارس على معظم السوريين وحتى الموالين له وغير العابئين أصلاً بمعايير أخلاقية وإنسانية وقانونية ودستورية. المهم في المشهد بالنسبة لهم أن الظهور "الأنيق" للديكتاتور وزوجته في قصره، يعني أن بإمكانه تنظيف المشهد الدموي في محيط القصر وباقي سوريا، والإيحاء فعلاً بأن انتخابه قد تم وفق أسس ديمقراطية أو وطنية ودستورية، وأن يديه اللتين تقطران بدماء السوريين بمقدوره وضعهما فوق "المصحف" لممارسة قسم الدجل والنفاق في مخاطبة جمهوره عن نصره المؤزر على نصف الشعب السوري، واستعادة حديث القسم عن "رعاية مصالح المواطنين وحمايتهم وصون كرامتهم وحماية الدستور وحدود البلاد".
من المؤكد أن كل الضحايا الذين انتصر عليهم الأسد وعصاباته وفي حسابات انفصامه وهوسه، هم أعداء لسلطته التي مسحت الأرض بكل القوانين الدولية وحروف الدستور الذي يدعي حمايته كما كرر ذلك في أول خطاباته في أيام الثورة الأولى
كما يفعل معظم الطغاة والمستبدين، يكرر الأسد هوسه المريض بالسلطة بالظهور مجدداً أمام مناصريه في قصره الباذخ للحديث عن سيادة سوريا "المخردقة" من جهاتها الأربع بفعل سياساته، وعن صون الكرامة لـ13 مليون سوري شردتهم قوات جيشه المتحولة لمليشيا؛ ناهبة ومدمرة مقدرات السوريين، مع عصاباته المستوردة من موسكو وطهران وأوزبكستان وأفغانستان وغيرها، وعن حماية المواطنين (150 ألف معتقل) في أقبية التعذيب التي تديرها أجهزته الأمنية، فضلاً عن مليون ضحية على يد قواته العسكرية.
من المؤكد أن كل الضحايا الذين انتصر عليهم الأسد وعصاباته وفي حسابات انفصامه وهوسه، هم أعداء لسلطته التي مسحت الأرض بكل القوانين الدولية وحروف الدستور الذي يدعي حمايته كما كرر ذلك في أول خطاباته في أيام الثورة الأولى.
تحميل المؤامرة مسؤولية إذلال السوريين وجوع وإفلاس مؤيديه يبقى أسهل الطرق للاستمرار بالهروب نحو شرنقة الديكتاتور، ونفي المسؤولية عن سياسته وسلوكه الوحشي في ما آلت له أوضاع الجغرافيا السورية وديمغرافيا المجتمع السوري
تحميل المؤامرة مسؤولية إذلال السوريين وجوع وإفلاس مؤيديه يبقى أسهل الطرق للاستمرار بالهروب نحو شرنقة الديكتاتور، ونفي المسؤولية عن سياسته وسلوكه الوحشي في ما آلت له أوضاع الجغرافيا السورية وديمغرافيا المجتمع السوري.. تدمير المدن السورية بطائرات الأسد وحليفيه الروسي والإيراني وتعفيش حياة ملايين السوريين وإقامة المسالخ البشرية في المعتقلات، ونصب الأفران البشرية المستوردة من موسكو، كلها ليست من المؤامرة حسب تهريج الديكتاتور في قصره لإقناع الموالين له بأن "ولايته الرابعة" في التحكم برقاب السوريين سيكون لها شأن عظيم بشعار "الأمل والعمل" لاستمرار السلالة الحاكمة من آل الأسد.
سواء صدّق مشايعو الأسد وعوده أم لا، فهو لا يقدم لهم سوى التهريج بالقسم، كما كان حال ما حمله حكم أبيه من قبل من رايات مماثلة انتهت بثقب قذائفه لجثث مئات الآلاف من السوريين. فهكذا قسم قائم بالأساس على خرق الدستور أتى بوريث متحول لقاتل سيكوباتي، يُقابل بحفاوة التصفيق والتهريج من نواب تزوير الدستور، ومن ممثلي أبواق إعلامه وفنه ومثقفي بلاطه، فلا نصدق إلا البديهيات القائلة: هكذا تضيع الأوطان في زمن الانهيار، وعلو تهريج الديكتاتور يُلخص للسوريين بأن هيئوا أنفسكم لأكمل دورة قهركم.
twitter.com/nizar_sahli