هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
استغل الرئيس التونسي قيس سعيّد، الاحتقان الاقتصادي كسلاح رئيسي لتبرير انقلابه على المسار الديمقراطي في البلاد، دون تقديم أي رؤى أو حلول لمعالجة هذا الاحتقان.
وتصدرت الأوضاع الاقتصادية ومحاربة الفساد تصريحات الرئيس التونسي، عقب اتخاذه قرارات مفاجئة خلال وقت سابق من الأسبوع الجاري، شملت تجميد عمل البرلمان وإقالة رئيس الحكومة، وتوليه بنفسه الإدارة التنفيذية.
سوء الأوضاع المعيشية والاقتصادية والفساد، ظهرت أنها سبب رئيس في إقدام الرئيس على قراراته الأخيرة، وهي أزمات حقيقية تعانيها البلاد منذ اندلاع ثورة الياسمين عام 2010.
لكن ورقة الاقتصاد قد تتحول في مرحلة ما، من سلاح في يد "سعيّد" إلى ورقة ضغط عليه، تهدد خطواته ضد البرلمان والحكومة، في حال ظهور مؤشرات على تدهور حاد في مؤشرات الاقتصاد.
وتعيش تونس اليوم، إحدى أسوأ فتراتها الاقتصادية منذ ثورة الياسمين، بينما يسجل الدين العام مستويات تقترب من 90 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول نهاية العام الجاري، أو 35 مليار دولار.
يقول سعيّد؛ إن تدابيره الاستثنائية مؤقتة، وإنه اتخذها لـ"إنقاذ الدولة التونسية"، إثر احتجاجات شعبية طالبت بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها، واتهمت المعارضة بالفشل، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.
تدخل خارجي
ولن يجد الرئيس التونسي أي مخرج لأزمات بلاده الاقتصادية سواء الدين العام، أو البطالة أو ضعف الاستثمار الأجنبي، دون مساعدة خارجية.
ويبدو أن تحركات الرئيس التونسي نالت رضى دولا عربية وخليجية التي قد تساهم في تقديم مساعدات نقدية لتونس، تتمثل في ودائع، أو منح مالية، في حال استمرار إجراءات "سعيّد".
لكن هذه المساعدات تأتي ضمن خانة الأموال الساخنة، التي سرعان ما تتخارج مباشرة، في حال ظهور بوادر على مقاومة سياسية أو شعبية أو أجنبية، لتحركات الرئيس.
لكن حاجة تونس للمساعدة الخارجية تتجاوز السيولة النقدية، فهي بحاجة إلى استعادة ثقة المستثمرين الأجانب بالبلاد، التي ارتبكت مؤخرا بفعل القرارات أحادية الجانب من طرف رئيس البلد الأفريقي.
وبينما تبحث الاستثمارات الأجنبية عن موطئ قدم مستقر حول العالم، فإن تونس ليست الخيار المفضل حاليا، بسبب التوترات السياسية الحاصلة، وتوقعات بتأزيم الشارع المحلي خلال الفترة المقبلة.
تخوفات أجنبية
يواجه اقتصاد تونس في الفترة الأخيرة أزمة غير مسبوقة، مع تسجيل انكماش في النمو خلال الربع الأول بنسبة 3 بالمئة وارتفاع البطالة إلى 17.3 بالمئة، وانهيار عائدات السياحة نتيجة الأزمة الوبائية، وتفاقم المديونية.
ولعل إحدى أبرز التحديات الاقتصادية لتونس اليوم، استعادة ثقة صندوق النقد الدولي، الذي كان مترددا خلال الأسابيع الماضية الدخول في مفاوضات برنامج إصلاحي جديد لتونس.
مرد هذا التردد، هو عدم إكمال برنامج إصلاح اقتصادي وقع بين الطرفين في 2016 رافقه قرض بقيمة 2.88 مليار دولار، بسبب التأخر في تنفيذ وصفة الإصلاحات الصادرة عن الصندوق.
ويعني أي قرار قادم للصندوق يرفض فيه التعاون مع تونس، دون أرضية سياسية صلبة، أن البلاد لن تكون قادرة على تغطية فجوتها المالية في موازنة العام الجاري.
وأمام الوضعية الحالية، فإنه من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الصندوق، وهو ما أكدته وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني في بيان لها الاثنين الماضي، حذرت فيه من خفض تصنيف تونس مجددا بعد الخفض الأخير لتصنيفها السيادي إلى "B-".
هذه التطورات الاقتصادية في حال حصلت، فإنها ستضيق معيشة التونسيين، التي طالما كانت سببا في خروج تظاهرات للشوارع مطالبة بالتشغيل ورفضا للفساد.
فالتحدي الأبرز لـ "قيس سعيّد" الحالي، هو تخفيف حالة الاحتقان الاقتصادي الذي تشهده البلاد، من خلال نيل ثقة الصندوق والبنك الدوليين، والمانحين الأجانب، وعودة تدفق الاستثمارات الأجنبية.
دون تحقيق ذلك، فإن الشارع قد يتجه إلى رفض النظام القائم لعدم قدرته على استعادة نسق الاقتصاد المحلي، الذي كانت فاتورته إقالة رئيس الحكومة وتعليق عمل البرلمان، وسط اتهامات محلية ضده بالانقلاب على الديمقراطية.