تختلف الأساليب الجماهيريّة في بيان الرفض والاعتراض ضدّ الحكومات على كوكبنا المضطرب، وهي تتضمّن كافّة الأدوات، السلميّة وغير السلميّة، التي عرفتها التجارب الإنسانيّة، والهادفة لمحاربة الظلم ونشر العدل والرفاهية، ومن بين هذه الأساليب "
العصيان المدنيّ".
يقصد بالعصيان المدنيّ تلك الفعاليات الشعبيّة الهادفة لرفض وتغيير حالة سلبيّة قائمة بطرق سلميّة وحضاريّة بعيدة عن لغة العنف، بهدف الوصول لمرحلة آمنة خالية من العابثين بأمن الناس ومستقبل الوطن!
وقد استخدم العصيان المدنيّ في العديد من دول العالم، ومنها الهند على يد المهاتما غاندي، وجنوب أفريقيا، وأمريكا، والجزائر، ومصر، وفنلندا وفلسطين، وغيرها من الدول، وغالبيّة هذه الفعّاليات حقّقت أهدافها التي خرجت من أجل تحقيقها.
وفي
العراق طالما تحدّثنا عن أهمّيّة العصيان المدنيّ، ودوره في تخليص الوطن من الحالة غير الواضحة القائمة الآن بعد أن فشلت كلّ محاولات الإصلاح المزعوم، وأعطيت القوى السياسيّة الوقت الكافي لترتيب البلاد منذ العام 2003 وحتّى اليوم. لكن يبدو أنّ الحالة العراقيّة بحاجة إلى عملية جراحيّة دقيقة وعاجلة لإنقاذ ما تبقى من الحياة في بلاد تعاني من مشاكل سياسيّة وأمنيّة واقتصاديّة ومعاشيّة واجتماعيّة وثقافيّة ورياضيّة!
وخطوة العصيان المدنيّ ضروريّة جدّا ومنعشة، وبالذات في هذه المرحلة المواكبة لمظاهرات تشرين، لكنّها خطوة ليست سهلة التنفيذ، وهنالك العديد من العقبات الهدّامة في مسارها، وأبرزها الهجمات الإعلاميّة والتشويهيّة المتوقّعة من الجيوش الالكترونيّة التابعة للقوى الفاعلة، والتهديدات المباشرة، والملاحقات "القانونيّة" والأمنيّة ضدّ بعض دعاة العصيان المدنيّ، وربّما يصل الأمر إلى التصفيات الجسديّة أو التغييب أو الاعتقال، وغيرها من الأدوات الترهيبيّة والتسقيطيّة.
ويمكن أن ينفّذ العصيان المدنيّ عبر العديد من الفعاليات السلميّة، ومن بينها:
- عدم ذهاب الموظفين إلى الدوائر الحكوميّة عدا الدوائر الخدمية.
- الانقطاع عن المدارس والجامعات والمعاهد.
- إيقاف النقل العامّ، وإقناع أصحاب محطات الوقود بالتوقّف عن العمل.
- قطع الطرق الرئيسة والجسور بالحشود البشريّة بعيدا عن ظاهرة حرق الإطارات أو غيرها من سبل القطع!
- عدم دفع الضرائب وفواتير الماء والكهرباء.
- عدم الاحتكاك أو المواجهة مع رجال الشرطة.
- إضراب السجناء عن الطعام.
- الدعوة للتفاعل مع العصيان، وتفعيل البثّ المباشر للفعاليات عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ.
- العزوف عن المشاركة في الانتخابات المرتقبة.
- الاتّفاق على فترة محدّدة لهذه الفعالية كأن تكون عشرة أيّام.
ويهدف العصيان إلى تغيير الأوضاع السائدة بطريقة سلميّة من خلال انتخابات مبكّرة وتقديم القتلة والمجرمين إلى القضاء، وبناء دولة المواطنة، ونشر العدالة الاجتماعيّة.
إن العصيان المدني الناجح والمثمر ينبغي أن يقوم على ضبط النفس، والصبر، والمطاولة، وهو طريق سالك لخلاص العراقيّين من القمع المحلّيّ والخارجيّ.
الحلم الأبرز أن ينضم غالبيّة رجال الأمن والقوّات المسلّحة للعصيان المدنيّ، وبخطوتهم القائمة على حبّ الوطن يمكنهم أن يحموا الجماهير، ويرهبوا المخرّبين ويجهضوا المؤامرات الداخليّة والخارجية الهادفة لتضييع هويّة العراق وتمزيق نسيجه الاجتماعيّ.
وهذه الفعّالية ستبعث رسالة لكلّ العالم بأنّ النظام القائم في العراق لا يمثّل الشعب، وعلى الجميع العمل أو المساعدة لترتيب مرحلة جديدة مليئة بالأمل.
يبدو أنّ محاولات زرع اليأس والقنوط من
التغيير السلميّ في العراق تدفع باتّجاهها القوى السياسيّة لأنّها تريد أن تقتل روح الأمل لدى المواطنين، وتجعل الاستسلام للواقع والخنوع والقبول بالخراب كأمر محسوم، من أجل دوام انتفاعها من التغول على المناصب الرسميّة وثروات البلاد.
إنّ سلطة الحكومة نابعة بالمقام الأوّل من تخويل الجماهير، وإن سحبت الجماهير هذا التخويل عبر العصيان المدنيّ ساعتها لا يمكن لأيّ نظام أن يستمرّ في إدارة المؤسّسات العامّة.
ولا يمكن تصوّر نجاح أيّ عصيان مدنيّ دون مساهمة غالبيّة أفراد الشعب، لأنّ الجماهير هم أساس التغيير وجوهره، ولهذا ينبغي على كلّ عراقيّ أنّ يعمل من موقعه، ويساهم في مسيرة الحرّيّة والتغيير التي تبدأ بالعصيان، بعيدا عن نظريّات السعي للحفاظ على المكاسب الآنية، وحالة اللامبالاة، وأن يدرك العراقيون بأنّ العصيان المدنيّ هو السبيل الأقرب لبناء العراق ونهضته، ولنهاية الأوضاع الشاذّة ولتحصيل الحقوق المهدورة، ومكافحة التشتّت الوطنيّ والوقوف السلميّ ضدّ جميع الساعين لتمزيق البلاد وتدميرها، وتضييعها.
الحقيقة الثابتة أن الأوطان لا تبنى بالخنوع والجلوس على الجبال والتلال!
فمتى ندرك هذه الحقيقة؟
twitter.com/dr_jasemj67