هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
الدولة في العالم العربي فشلت لكن هناك من يريد استغلال الفشل لخلق الفوضى
هناك قوى خارجية مشبوهة تريد العبث في بلادنا
إما أن نتصدى للمشروع الصهيوني الاستعماري أو نواجه مزيداً من المشاكل
ثورات الربيع العربي كانت صحوات ضد الاستبداد والظلم لكنها تحتاج لبرنامج يحميها
لا تناقض بين القوميين والإسلاميين والدليل أن المقاومة تجمعهم
خلص
المفكر العربي المعروف والرئيس السابق للمؤتمر القومي العربي معن بشور إلى أن
منطقتنا تقف اليوم أمام مفترق طرق وأمامها خياران لا ثالث لهما، إما الانتصار على
القوى الصهيونية والاستعمارية وشل أيديها وبالتالي التحول نحو الأفضل أو الفشل في
مواجهة المشروع الصهيوني وبالتالي الغرق في الخطابات الطائفية والعنصرية التي
ستمزق أمتنا وتفتت منطقتنا ودولنا وتؤدي بنا إلى مستقبل أسوأ مما نحن فيه.
وقال
بشور في حوار شامل أجرته معه "عربي21" في العاصمة اللبنانية بيروت إن
الفشل الذي تواجهه الدولة القطرية في العالم العربي حالياً يُمكن أن يؤدي إلى
الفوضى إذا نجحت القوى الخارجية والأجندات المشبوهة في الاستفادة منه، لكنه أيضاً
يمكن أن يكون دافعاً للقوى الحية أن تعمل على تحقيق الوحدة والتكامل ولو على
المستوى الإقليمي قبل أن يتحقق للأمة العربية بأكملها.
ويشغل
الكاتب والمفكر العربي المعروف معن بشور منصب رئيس المركز الدولي للتواصل
والتضامن، كما أنه عضو الأمانة العامة للمؤتمر القومي العربي والرئيس السابق
للمؤتمر، وهو أحد القائمين على "المشروع النهضوي العربي" الذي أطلقه
مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في العام 2010 والذي جمع عدداً كبيراً من
المثقفين والسياسيين والنشطاء العرب من مختلف التوجهات والتيارات.
ويرى
بشور أن التيار القومي العروبي والتيار الإسلامي يجب أن يتكاملا في دولنا العربية،
رافضاً وجود أي تناقض بينهما معتبراً أن الإسلام هو روح الأمة العربية، كما يؤيد
بشور ثورات الربيع العربي التي كانت "بشرى للتغيير نحو الأفضل"، كما
يقول، لكنه يحذر في الوقت ذاته من الانزلاق نحو الفوضى والتقسيم وخلق مزيد من
الخلافات البينية العربية.
وفيما يلي النص الكامل لحوار بشور مع "عربي21":
* كيف ترى التناقض بين التيار العروبي القومي والتيار الإسلامي في دولنا ومنطقتنا؟
-
نحن من مدرسة تؤمن بتكامل العروبة والإسلام، بل تؤمن بأن العروبة جسدٌ وروحُه
الإسلام، وبالتالي فإن تكامل العروبة والإسلام هو معادلة الوحدة في أمتنا، لأن في
أمتنا عرب من المسلمين وغير المسلمين، فتكامل العروبة والإسلام هو تكامل الوحدة في
أمتنا بين مكونات هذه الأمة.
أما
على الصعيد السياسي فالخلافات التي برزت بين التيارات القومية والإسلامية هي
خلافات سياسية بالدرجة الأولى وفي جزء كبير منها كانت صراعاً على السلطة، وهي لم
تقتصر على الصراع بين التيارين بل كنا نجد داخل كل تيار صراعات أيضاً ذات طابع
سياسي، لا بل نجد داخل الحزب الواحد
صراعات إقصائية بسبب الخلاف على السلطة. لذلك فأنا أعتقد أن أي مشروع لنهضة الأمة
لا يُمكن أن ينجح إلا إذا حملته كل تيارات الأمة، وهذا كان دأبنا في المشروع
النهضوي العربي الذي طرحه مركز دراسات الوحدة العربية سنة 2010 وساهم على مدى
سنوات في إعداده مثقفون ومفكرون ومناضلون من كل التيارات. وهذا الأمر يتطلب من كل
التيارات أن تفتش على نقاط اللقاء فيما بينها لا نقاط الاختلاف.
* لكن على أرض الواقع هل استطاع هذا المشروع أن يجمع فعلياً تيارات قومية وإسلامية معاً على كلمة واحدة؟
-
بدون شك في كثير من المراحل نجحت هذه الفكرة، وحدث تكامل. وجميعنا يذكر أنه قبل
العام 2011 كان هناك إطار يجمع كل هذه التيارات اسمه (المؤتمر القومي الإسلامي)،
وحتى في "المؤتمر القومي العربي" كان هناك العديد من الرموز الإسلامية
المعروفة لأنها كانت تدرك أن إسلامها لا يتعارض مع عروبتها، وأن سعيها إلى تحقيق
الوحدة الإسلامية لا يمنع من سعيها إلى تحقيق الوحدة العربية.
رأينا
في كثير من الأقطار أيضاً تظاهرات ومناسبات يشترك فيها أبناء التيارات السياسية
المختلفة، ليس فقط القومي مع الإسلامي، وإنما الليبرالي واليساري والوطني وغيرهم
من التيارات. ووجدنا في بعض الأقطار محامون من أبناء التيار القومي يدافعون عن
معتقلين سياسيين من التيار الإسلامي، والعكس صحيح أيضاً.
كما
برزت الوحدة بين التيارات القومية والإسلامية أيضا في الالتفاف حول المقاومة التي
أخذت شكلاً إسلامياً في لبنان وفلسطين، ومع ذلك فهذا لم يمنع أن يكون القومي
والليبرالي واليساري إلى جانب المقاومة الإسلامية ما دامت تقاتل العدو. إذن في
تاريخنا يوجد الكثير من تجارب اللقاء وتجارب الصراع، وعلينا أن نركز على تجارب
اللقاء ونطورها وأن نتجنب تجارب الصراع.
* لكن البعض يرى وجود تناقض جذري بين التيار القومي والإسلامي، لأن الإسلاميين يريدون بناء دولة إسلامية في نهاية المطاف وهذا ما لا يقبله القوميون والعلمانيون. أليس كذلك؟
-
علينا أن نميز بين القوميين والعلمانيين، فالقومي ليس بالضرورة أنه علماني
بالمفهوم الأوروبي للعلمانية. نحن علمانيتنا هي العروبة، وإذا كانت العلمانية هي
رفض التمييز على أساس الدين أو العرق أو الجنس فالعروبة تحقق هذا الغرض، أما
العلمانية التي أتت وليدة الصراع بين الكنيسة والطبقات السياسية فنحن غير معنيين
بها أصلاً.
أما
فكرة الدولة الإسلامية فمن المبكر التفكير بها لأننا ما زلنا دون الدولة القطرية
أصلاً، وبالتالي فإن النقاش ما يزال مبكراً حول الدولة الوحدوية العربية أو الدولة
الوحدوية الإسلامية. أما لو كان المقصود به الشريعة الإسلامية فأعتقد أن الكثير من
الدول التي حكمها القوميون تعتبر الإسلام مصدراً رئيسياً من مصادر التشريع فيها،
وبالتالي فهذه أمور يمكن حلها وتجاوزها بحوار عميق ومثقف.
الفكرة
الأساسية هي أن القوميين يركزون على الأمة العربية ووحدتها ونهضتها والتي هي جزء
كبير من الأمة الإسلامية، كما أن الإسلاميين يركزون على الأمة الإسلامية دون أن
ينفي بعضهم وجود أمة عربية، ونحن نعلم أن الإمام حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان
المسلمين اعتبر أن الوحدة العربية خطوة في اتجاه بناء الدولة الإسلامية. علينا
التركيز على هذه النقاط في قراءاتنا لبعضنا البعض.
وحين
التقينا في المؤتمر القومي الإسلامي، كإسلاميين وقوميين وليبراليين ويساريين، كنا
ندرك أن هناك فروقاً بين هذه التيارات، لكننا كنا ندرك أن ما يجمع هذه التيارات
أكبر بكثير مما يفرقها.
* لكن في تجارب بعض دولنا التي وصل فيها الإسلاميون إلى الحكم، كنا نرى أن القوميين في مقدمة المعارضين، ما تفسير ذلك؟
-
القوميون الذين عارضوا وصول إسلاميين إلى السلطة في هذا البلد أو ذاك يقولون إنه
بمجرد وصول الإسلاميين إلى السلطة تم إقصاء الآخرين ومن ضمنهم القوميون، ولذلك
عارضوهم.
لكن
موضوع السياسة يجب أن لا ننقله إلى ميدان الفكر والسياسة، فالصراعات السياسية لا
لون عقائدي ولا فكري لها، وهي موجودة داخل كل تيار أيضاً كما هي بين التيارات،
وبالتالي نجد قوميين حكموا فأقصوا قوميين آخرين وإسلاميين حكموا فأقصوا إسلاميين
آخرين، ويساريين حكموا فأقصوا يساريين آخرين، والخلاصة أن فكرة الإقصاء في السياسة
لا علاقة لها بالخلفية الفكرية وإنما هي بالدرجة الأولى جزء من لعبة الصراع على
السلطة.
* خلال السنوات العشر الأخيرة بدأت منطقتنا العربية تشهد تحولات كبيرة، في تقديركم ما هو مستقبل الدولة القطرية في العالم العربي؟ وهل نحن أمام رسم خارطة جديدة للمنطقة؟
-
الدولة القطرية العربية لم تنجح في تأمين الشروط الأساسية لبناء مجتمعات ناهضة
تسودها العدالة وتتسم بالوحدة. الدولة القطرية فشلت في حماية الأمن القومي لكثير
من الأقطار، وفشلت في حماية الأمن الوطني، ولم تستطع تحقيق تنمية اقتصادية ناجحة،
ولم تستطع تأمين ديمقراطية ناجحة أيضاً، ولذلك لو أخذنا عناصر المشروع النهضوي
العربي الذي اتفقنا عليه قوميين وإسلاميين ويساريين، وهي ستة عناصر: الوحدة،
الاستقلال، الديمقراطية، العدالة الاجتماعية، التنمية المستقلة، التجدد الحضاري،
سنجد أن الدولة القطرية فشلت في تحقيق كل هذه العناصر، لكن هناك من يستخدم فشل
الدولة القطرية ليدعو إلى سقوط الدولة الوطنية تماماً، وهذا أمر خاطئ وخطير جداً
لأنه يُدخل بلادنا في فوضى لا نهاية لها. ونحن نلاحظ أنه حيث تضعف الدولة يضعف
المجتمع ويضعف البلد وحتى تضعف الأمة من خلال هذا المكون.
لكن
في نفس الوقت هناك من يسعى للاستفادة من فشل الدولة القطرية من أجل الدعوة لدولة
أكبر قادرة على صون الأمن القومي وتحقيق التنمية وتوفير الديمقراطية وتحقيق التجدد
الحضاري والعدالة الاجتماعية.
اهتزاز
الدولة في بلادنا يمكن أن يقود إلى مسارين، والأمر يتعلق بكيفية تعامل قوى
النهوض والتحرر مع هذا الاهتزاز، فإما أن تدفع باتجاه الفوضى أو باتجاه الوحدة
والتحرر وصيانة مصالح الأمة.
* كيف يمكن تغيير الدولة العربية الفاشلة دون الوقوع بالفوضى؟
-
كثير من شعوب العالم حققت انتقالاً من مرحلة إلى أخرى دون الوقوع في الفوضى. حين
يكون هناك تفاهم بين القوى الرئيسية الراغبة في التغيير على برنامج للتغيير تستطيع
الانتقال دون الوقوع بالفوضى، أما التغيير دون برنامج فبالتأكيد سنجد أنفسنا أمام
فوضى لا قعر لها.
* هل تعتقد أن ثورات الربيع العربي كانت وصفة للفوضى؟
-
منذ بداية هذه الأحداث تفاءلنا بها لأننا نعتبرها صحوات شعبية في وجه مظالم
واستبداد وتبعية، ولكننا قلنا منذ البداية إن هذه المطالب مشروعة ولكن حذارِ من
الأجندات المشبوهة، لأن هذا الحراك كان يُمكن أن يأخذ بلادنا إلى مراحل أفضل لو
كان محصناً ببرنامج وقوى منظمة تمنع التلاعب به، أما وإن الأمر لم يكن كذلك فقد
كان بمقدور قوى مشبوهة أن تتسلل إلى هذا الحراك وتوجهه نحو الفوضى، بل أيضاً نحو
الانقسام بين المجتمع الواحد وتكريس فكرة الإقصاء وبالتالي إشعال حروب لا تنتهي.
* إذن هل تعتقد أن هناك قوى خارجية استغلت ثورات الربيع العربي لإحداث فوضى في بلادنا؟
-
بالتأكيد.. بالتأكيد.. لذلك تحدثت عن الأجندات المشبوهة، فهذه القوى الخارجية لها
أدوات محلية وهي التي تقوم بالعبث. وإلا فماذا كان يفعل بيرنارد ليفي في ساحات
الربيع العربي غير التدخل والتآمر من أجل حرف مسار هذه الثورات وتحويلها من حركات
تغيير إلى مشاريع فوضى وفتنة.
* هل نحن أمام تشكل خارطة جديدة في المنطقة.. هل تعتقد أننا سنشهد تفكك دول عربية وتشكل أخرى في المستقبل القريب؟
-
نحن أمام كل الاحتمالات في منطقتنا، لأن الأمر ليس مسألة توقعات، وإنما نحن نقرأ
الواقع، فحيثما نرى إرادة شعبية قوية تريد أن تصل في التغيير إلى شيء أفضل ندرك
تماماً أن الأمور لا تسير بالضرورة نحو تشكل خارطة جديدة وإنما تسير نحو تكامل بين
أقطار عربية من أجل صون أمنها القومي والغذائي والمائي ومن أجل العدالة الاجتماعية
والتنمية وغيرها. ولكن إذا لم يكن هناك من يقوم بتوجيه هذه القوى التغييرية
بالاتجاه السليم فبالتأكيد سنجد أنفسنا أمام تفككات مرعبة في كياناتنا العربية.
ونحن نلاحظ أن بذور هذه التفككات موجودة أصلاً، ورأيناها في السودان مثلاً قبل
الربيع العربي، ثم وجدناها في مشاريع عدة تم طرحها بالتزامن مع ثورات الربيع
العربي مثل المناداة بانفصال منطقة أو أخرى عن الدولة القطرية.
والخلاصة
أننا اليوم أمام مفترقي طرق، فإذا نجحنا في شل يد القوى الصهيونية والاستعمارية
وتأثيراتها في بلادنا فإنني أؤكد أن الخارطة الجيوسياسية ستتطور نحو الأفضل ونحو
التكامل ولو على مستوى إقليمي وليس على مستوى الأمة بأكملها. أما إذا غابت القوى
الحية واستفحل نفوذ القوى المعادية فبالتأكيد سنكون أمام مشروع واضح وهو تفتيت هذه
المنطقة وتقسيمها إلى دويلات طائفية، وهنا فمن المهم الإشارة إلى أن بعض القوى
التي تنساق وراء بعض الخطابات الطائفية أو العنصرية تخدم هذا المشروع المعادي
للأمة بغض النظر عن نوايا أصحاب هذه الخطابات، لذلك فنحن نتمسك بالوحدة التي هي
ليست هدفاً وإنما هي سلوك يومي يجب أن يتجسد في علاقاتنا مع الآخر وسلوكنا
وإدراكنا لكل مناحي الحياة التي نعيشها كعرب.
* كيف تقرؤون موجة التطبيع العربي الأخيرة مع إسرائيل.. هل هذا يصب في إطار خلق منطقة جديدة؟
-
هذا يأتي في سياق المشروع الصهيوني الاستعماري لوضع اليد على المنطقة كلها، لكن
التطبيع ليس جديداً وهذا ما حرصنا أن نقوله منذ الأيام الأولى لتوقيع
"اتفاقات أبراهام"، فالتطبيع بين بعض الدول والاحتلال قديم، وهناك موجة
أولى نسميها "موجة كامب ديفيد" في أوائل الثمانينات وكان مركزها مصر وقد
أفشلها الشعب المصري. وهناك موجة ثانية في منتصف التسعينيات مرتبطة باتفاق أوسلو
واتفاق وادي عربة، وأيضاً أفشله الشعب الفلسطيني بانتفاضته وأفشله الشعب الأردني
بمقاطعته، ثم شهدنا موجة أخرى في منتصف التسعينيات بتطبيع بعض الدول والذي وصل إلى
حد أن تتبادل موريتانيا السفارات مع دولة الاحتلال وهي موجة تم إفشالها أيضاً.
واليوم هناك موجة جديدة وهذه الموجة لا تأتي في أجواء انتصارات يحققها الأمريكيون
والإسرائيليون وإنما تأتي في ظل تراجع المشروع الأمريكي والصهيوني ولذلك فهي لا
تستند إلى قوة حقيقية وإنما أطلقت من أجل إيجاد حل لمأزق ترامب الانتخابي ومأزق
نتنياهو السياسي، والاثنان سقطا ولم تنفعهم موجات التطبيع هذه.
هذا
التطبيع بين العرب والاحتلال مخالف للطبيعة ومخالف لإرادة شعوبنا وإذا لم تسقط على
الورق فهي بدون شك ساقطة على المستوى
الشعبي، وبعد أكثر من 42 سنة لا يستطيع سفير الكيان الصهيوني أن يتجول بحرية في
القاهرة، ولا يستطيع ممثل الكيان الصهيوني في المغرب أن يجد مقراً لسفارته، وكذلك
الأمر في البحرين والإمارات هناك موجات مضادة ومعارضة للتطبيع، ولذلك أعتقد بأن
هذا التطبيع تم الإجهاز عليه في هبة رمضان المقدسية وفي معركة "سيف
القدس" لأن ما حدث أكد أن التطبيع لا يجلب سلاما ولا ازدهاراً للمنطقة، وإنما
لا يجلب إلا الحروب، فتطبيع كامب ديفيد جلب الحرب للبنان، وتطبيع أوسلو جلب حرباً
ثانية على لبنان وحرباً على العراق فيما بعد، وهذا التطبيع جلب حرباً في فلسطين
ولكن هذه المرة لم تكن الحرب لصالح الإسرائيليين.
* ما هي أسباب هذه الموجة الجديدة من التطبيع؟
-
الحكام العرب هم الذين وقعوا، وهؤلاء همهم الأول هو البقاء في السلطة، وهم يعتقدون
أن هذا لا يتحقق إلا بالدعم الأمريكي، وهذا الدعم يعتقدون أنه لا يمكن الحصول عليه
إلا عبر البوابة الإسرائيلية. ثانياً علينا أن لا ننسى أنه على مدى 30 عاماً حاولت
أجهزة الإعلام المرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل أن تصور أن للعرب عدواً آخر
غير العدو الصهيوني وهو إيران، وتحت شعار التخويف من إيران تم تمرير إقامة علاقات
طبيعية مع الكيان الصهيوني. وأيضاً مع انسحاب الولايات المتحدة من هذه المنطقة
بدأت بعض الدول العربية تعتقد أنه لا حل لها إلا بإقامة تحالف مع الكيان الصهيوني
لحمايتها. ولذلك فما جرى مؤخراً لم يكن تطبيعاً بقدر ما كان تحالفا بين حكام في
المنطقة وبين الكيان الصهيوني.
* بالانتقال إلى القضية الفلسطينية، خلال معركة "سيف القدس" ظهرت أصوات تعارض السلطة الفلسطينية برمتها.. كيف تقيم هذه التجربة؟
-
ما يهمني أنه في هبة رمضان المقدسية كان الشعب الفلسطيني بكل قواه موحداً،
وأعتقد أن مصلحة فلسطين تقتضي التركيز على ما يوحد لا ما يُفرق، مع الإقرار بأن من
حق كل فلسطيني أن يكون له رأيه في سلطته وحكومته، لكن كمواطن عربي أعتقد بأن مهمتي
أن أكون جسراً بين الفلسطينيين فيما بينهم، وأنتقد ولكن بشكل هادئ كل طرف أعتقد
بأن سياسته لا تخدم القضية الفلسطينية.
بدون
شك أنا من معارضي "اتفاق أوسلو" كشخص مؤمن بالقضية الفلسطينية، وأعتقد
أنه كان يهدف لتحقيق أمرين، الأول انتزاع اعتراف فلسطيني بالكيان الصهيوني والثاني
إيجاد أجواء انقسام دائمة بين الفلسطينيين من أجل تحقيق الحلم الصهيوني. ولذلك
فأنا أرى أن مقاومة أوسلو تتم عبر المقاومة وعبر الوحدة. أنا أقول إن التحرير عربة
بجوادين: المقاومة والوحدة.
* كيف ترى نتائج معركة "سيف القدس" الأخيرة؟ هل فعلاً حققت انتصاراً كما يقول الفلسطينيون؟
-
بدون شك فإن هبة القدس الرمضانية على المستوى الشعبي، ومعركة "سيف
القدس" على المستوى العسكري، كانت انتصاراً كبيراً للشعب الفلسطيني، ولكنني
منذ اللحظة الأولى قلت: انتصرنا اليوم ولكن علينا أن نبدأ معركة تحصين الانتصار.
كنا نخشى وما زلنا على هذا الانتصار. نحن عرفنا الكثير من الانتصارات لكن كان يتم
تفريغها من مضمونها.
اليوم
علينا أن نحصن هذا الانتصار، وهذا ما نقوله للإخوة في فتح وحماس وكل فصائل العمل
الوطني الفلسطيني. ما اتحد الفلسطينيون يوماً إلا وانتصروا، وما اختلفوا إلا وتعرضوا
للخذلان.
* هناك دور مصري بارز في القضية الفلسطينية والتوصل إلى اتفاقات التهدئة، لكن هناك تساؤلات عن الدبلوماسية المصرية على المستوى العربي.. ألا ترى أن هذه الدبلوماسية تراجعت وهذا الدور اختفى؟
-
مصر دائماً كان لها دور في كافة قضايانا العربية، ويجب أن نتذكر بأن الدعم الرئيس
للثورة الجزائرية كان من مصر، كما كان لها دور أيضاً في الانتصار لسوريا، ولها دور
في لبنان، وفي سنة 1960 وفرت الحماية للكويت، ولذلك كان أحد أهداف "كامب
ديفيد" هو إخراج مصر من دورها العربي، ولكنني أعتقد أن الظروف الموضوعية
بالإضافة إلى إرادة الشعب المصري سوف يدفع مصر إلى إعادة تحمل دورها القومي. ربما
يحتاج الأمر إلى سنوات وربما يكون بداية هذا الدور في فلسطين لأن أمن مصر مرتبط
بأمن فلسطين ومصر تدرك تماماً أنها مهددة في نيلها وفي قناة السويس، وما دامت
مهددة من قبل الكيان الصهيوني ستجد نفسها جنباً إلى جنب متمسكة بالقضية الفلسطينية
والشعب الفلسطيني.