بلهجة لا تخلو من الدهشة، تداولت جهات إعلامية وحزبية خبر
استبعاد نظام الأسد عن مؤتمر "دول الجوار" الذي سيتم عقده في بغداد في 28 آب/ أغسطس الحالي، واصفة المؤتمر بـ"اللاقيمية والجدوى الاستراتيجية" ما دام بشار
الأسد غير مشارك به.
الذريعة التي تصدرت حجج هؤلاء، أن الجغرافيا أصدق إنباءً من السياسة، فسوريا التي تشترك مع
العراق بحدود يبلغ طولها أكثر من 600 كيلومتر، أولى من غيرها بالحضور في هذا المؤتمر، فضلاً عن العلاقات التاريخية والروابط المشتركة بين الشعبين، بل والأكثر من ذلك الاشتراك في القضايا السياسية والأمنية، من نوع وقوع البلدين تحت نير الاحتلال الأمريكي، ومحاربتهما لداعش، فضلاً عن مشاركتهما أزمة المياه في مواجهة تركيا التي يتهمها الطرفان بتخفيض منسوب تدفق نهر الفرات خلافاً للاتفاقيات الناظمة لمسألة تقاسم مياه الفرات بين الأطراف الثلاثة.
بيد أن ثمّة ما هو أهم في نظر أولئك المندهشين، وهو اشتراك العراق وسوريا في محور واحد، "محور الممانعة" الذي تقوده إيران ويجمع في عقده العراق وسوريا، والذي يفترض بالتالي التنسيق التام بين الطرفين، وخاصة في مجال السياسة الخارجية، بالتوازي مع التنسيق في القضايا الأمنية والعسكرية.
كشفت التحضيرات للمؤتمر المذكور، الانقسام الكبير داخل النخبة العراقية، ما بين أطراف تريد وضع العراق على سكة الاستقلال عن التأثير الإيراني الذي تجاوز الحدود في تغلغله في بنية الدولة العراقية
كشفت التحضيرات للمؤتمر المذكور، الانقسام الكبير داخل النخبة العراقية، ما بين أطراف تريد وضع العراق على سكة الاستقلال عن التأثير الإيراني الذي تجاوز الحدود في تغلغله في بنية الدولة العراقية؛ لدرجة بات يفرض عليها شكل توجهاتها الخارجية وأنماط السياسات التي على العراق اتباعها، وهذا التوجه يقوده رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، بشكل غير موارب.. وبين أطراف تريد جعل خضوع العراق للهيمنة الإيرانية مسلّمة سياسية أو مسألة أصبحت منتهية ولا يجوز الجدال بها، وهو اتجاه يمثله "
الحشد الشعبي" والأحزاب المؤيدة له، أيضاً بشكل صريح ومعلن.
ويكشف، أيضاً، قرار تيار الكاظمي بعدم دعوة بشار الأسد للمؤتمر، عن سياسة عقلانية وجريئة، ومقاربات مختلفة يتم تبنيها في بغداد في سعي لإخراج العراق من نمط الدولة المرتهنة لسياسات الأطراف الخارجية (إيران وأمريكا)، وتحقيق المصالح الوطنية الخالصة لبلاد نكبتها الحروب والأزمات لعقود طويلة.
يكشف قرار تيار الكاظمي بعدم دعوة بشار الأسد للمؤتمر، عن سياسة عقلانية وجريئة، ومقاربات مختلفة يتم تبنيها في بغداد في سعي لإخراج العراق من نمط الدولة المرتهنة لسياسات الأطراف الخارجية
استتباعا لذلك، فإن دعوة الأسد، في تقدير الكاظمي ومن حوله، ستكون بمثابة وصفة لفشل مؤتمر يراهن العراق عليه لتحقيق نتائج اقتصادية وسياسية؛ تساهم في تحسين العراق وصورته الخارجية. ولا مجال هنا للأخطاء السياسية، ولا لسياسة المناكفات والاستعراضات التي تريدها الأطراف الأخرى، والتي لا تهدف سوى إلى تلميع صورة بشار الأسد وتقديمه كطرف أصيل في المساهمة في الاستقرار الإقليمي وحل الأزمات، فيما هو لا يبذل أدنى مجهود لإحداث تغييرات بسيطة طالبه بها العالم، ولو حتى على سبيل تسهيل صياغة دستور جديد لسوريا؛ يساهم في إخراجها من الأزمة ويضعها على سكّة الحل.
ثم لماذا تتم دعوة بشار الأسد أصلاً إذا كان المؤتمر سيناقش قضايا أمنية واقتصادية بالدرجة الأولى، حيث لا يملك الأسد أيا من الأدوات التي قد تدعم هذه القضايا؟ فعلى المستوى الأمني، ليس للأسد دور في العمليات الجارية على الحدود السورية – العراقية، والتي تتولاها مليشيات إيران وروسيا والقوات الأمريكية، والتي تخوض صراعات وتنافساً في العلن، دون أي دور أو تأثير لمليشيات الأسد. وتتعاطى هذه الأطراف مع الوضع في مناطق شرق
سوريا وكأن الأسد غير موجود على خارطة الفاعلين، حتى أن بعض المكونات الصغيرة، كالعشائر في تلك المنطقة، تملك تأثيراً وفعالية أكبر بكثير من تأثير الأسد.
لماذا تتم دعوة بشار الأسد أصلاً إذا كان المؤتمر سيناقش قضايا أمنية واقتصادية بالدرجة الأولى، حيث لا يملك الأسد أيا من الأدوات التي قد تدعم هذه القضايا؟
ولا يختلف الأسد في التقييم العراقي عن قائد مليشيا عاملة في سوريا، كـ"فاطميون" أو "حزب الله"، فهل تتم دعوة هؤلاء لحضور مؤتمر من هذا النوع؟ وليس أكثر من الكاظمي يعرف وزن الأسد في الصراع الحاصل في سوريا، ويعرف خبايا وأسرار سلطته، على الأقل من خلال الأدوار التي تقوم بها مليشيات "الحشد الشعبي" وتعاملها مع الوضع السوري، والسلطة والسيادة التي تتمتع بهما في سوريا، والتي لا تحصل على مثيلهما في العراق نفسه.
أما على المستوى الاقتصادي، فماذا لدى الأسد يقدمه لفائدة مشروع تنشيط الاقتصاد العراقي؟ لا يملك الرجل من أدوات الاقتصاد ما يكفي لإنتاج أضر الضرورات لشعبه (الخبز والماء)، كما أن مصادر الثروة السورية، من نفط وغاز وفوسفات، باتت ملكاً للروس والإيرانيين، وبعقود طويلة الأجل، فلماذا تتم دعوة شخصية فارغة مطعون بشرعيتها وأصبحت مثالاً للتبعية والرضوخ والذل للأطراف التي حمته، تعدت مثال كرزاي الأفغاني بدرجات كبيرة؟!
ولعل الأهم في هذا السياق، أن أكثر زعماء العالم، بمن فيهم أولئك الذين يغضون النظر عن سياساته بل ويدعون إلى عودته للنظام العربي، يأنفون حتى مجرد لفظ اسمه، فما بالك بالاجتماع معه في قاعة واحدة؟ ثم لو أن الكاظمي أخطأ أو خضع للضغوط المطالبة بدعوة الأسد، ترى كم زعيما كان سيحضر المؤتمر؟ الأرجح أن المؤتمر حينها سيتحول إلى اجتماع ثنائي بين الكاظمي والأسد.
twitter.com/ghazidahman1