هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
قال الكاتب البريطاني، بيتر أوبورن، إن ما يحدث في أفغانستان، يعتبر إذلالا للولايات المتحدة، ويشكل نقطة تحول في تاريخ العالم.
وأضاف أوبورن في مقال له على موقع "ميدل إيست آي"، ترجمته "عربي21"، أن إخفاق أمريكا الاستخباراتي في أفغانستان سوف يفزع الأصدقاء ويريح الخصوم.
وشدد على أن أمريكا تعرضت هذا الأسبوع لمصير الاتحاد السوفييتي قبل ثلاثة عقود، حيث اندحر من أفغانستان في حدث مثّل لحظة من الذل الوطني الأسطوري، وتعرضت واشنطن للمصير نفسه أخيرا.
ورأى أنه "في كل حالة تتكرر نفس الحكاية، قوة عالمية عظمى تهزم على يد جيش من الفلاحين في واحدة من أفقر البلدان في العالم"، معتبرا أن "هذه لحظة تاريخية عالمية".
اقرأ أيضا: بايدن: لم نتوقع انهيار الوضع بأفغانستان وأتحمل مسؤولية الانسحاب
وخلال الأسابيع الأخيرة تمكنت طالبان من بسط سيطرتها على كل المنافذ الحدودية، وفي 15 آب/ أغسطس الجاري دخل مسلحو الحركة العاصمة كابول وسيطروا على القصر الرئاسي، بينما غادر الرئيس أشرف غني البلاد ووصل إلى الإمارات، قائلا إنه قام بذلك لـ"منع وقوع مذبحة".
وجاءت هذه السيطرة رغم مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، طوال نحو 20 عاما، لبناء قوات الأمن الأفغانية.
وفي ما يأتي نص المقال:
منذ ثلاثة عقود فقط تقريباً اندحر الاتحاد السوفييتي من أفغانستان في حدث مثل لحظة من الذل الوطني الأسطوري. بعد اثنين وثلاثين عاماً، تعرضت الولايات المتحدة هذا الأسبوع للمصير نفسه تماماً.
وفي كل حالة تتكرر نفس الحكاية: قوة عالمية عظمى تهزم على يد جيش من الفلاحين في واحدة من أفقر البلدان في العالم. هذه لحظة تاريخية عالمية.
وهي لحظة تثير تساؤلين في غاية الأهمية. أما الأول، فهل ستنزلق البلاد نحو حرب أهلية، كما حدث بعد انهيار الحكم السوفييتي فيها؟ وأما الثاني فيتعلق بالولايات المتحدة: هل سينهي انتصار الطالبان الولايات المتحدة كقوة عالمية؟
هناك من الأسباب ما يكفي لافتراض أن الإجابة ستكون بنعم، ولكني أود بادئ ذي بدء التطرق لما هو أكثر إلحاحاً، ألا وهو خطر العودة إلى الحرب الأهلية.
إن الانهيار محتمل، ولكن هناك من الأسباب ما يجعلك ترجو ألا يحصل ذلك.
حركة طالبان مختلفة؟
أولاً، لقد عانت أفغانستان من صراع استمر لما يزيد على الأربعين عاماً منذ الغزو السوفييتي في عام 1979، ومعظم الناس فيها يرنون إلى حياة أهدأ، ولدى الأفغانيين من الأسباب ما يجعلهم يسأمون الحرب أكثر من معظم الناس الآخرين.
ثانياً، إن حركة الطالبان التي استولت على السلطة في كابول في منتصف تسعينيات القرن العشرين، وارتكبت فظائع مريعة، كانت متخلفة وطائفية ومتعصبة ووليدة فقر ومعاناة.
في المقابل، كثير من زعماء الطالبان اليوم غدوا أكثر حنكة، وبعضهم يحملون مؤهلات جامعية، وباتوا أقل طائفية من أي وقت مضى. وهذا يساعد في تفسير لماذا كانت رسالتهم دوماً منذ الفوز بالسلطة قبل أسبوع تقريباً تفيد برغبتهم بالانفتاح والتواصل مع جميع الأطراف.
قبل خمسة وعشرين عاماً ارتكب الطالبان مذبحة بحق الهزارة الشيعة الذين يشكلون ثالث أكبر مجموعة إثنية وأكبر أقلية دينية في البلاد.
خلال عقدين مرا منذ ذلك الحين، طور الطالبان علاقات وثيقة مع إيران الشيعية.
ولسوف تكون الصين أيضاً عاملاً مهماً. فهي تريد الاستثمار في أفغانستان، ويتوقع أن تنضم إلى قوى إقليمية أخرى ضمن منظمة شنغهاي للتعاون بما في ذلك روسيا وقزاخستان. وسوف ترغب الصين في الاستقرار السياسي مقابل استثماراتها.
مما هو جدير بالملاحظة أن حامد كرزاي، المتهم بأنه كان دمية في يد الولايات المتحدة عندما أصبح رئيساً للبلاد قبل عشرين عاماً، يتحدث الآن مع الطالبان.
كنت قد لاحظت أن بعض أعضاء البرلمان في بريطانيا أعربوا عن تخوفهم من أن ترعى المجموعة إرهابيين، ولكن كان من أوائل ما أقدمت عليه الطالبان منذ استيلائها على كابول هو إعدام زعيم تنظيم الدولة الإسلامية أبي عمر الخراساني، الذي اعتقل في العام الماضي من قبل قوات الأمن الأفغانية.
مثل هذه الحركة من شأنها أن تبعث برسالة إلى القوى الإقليمية مفادها أن الطالبان لا يرغبون في إثارة الفوضى.
كما أنه يوجد قلق عميق بشأن حقوق النساء، وهذا مبرر تماماً بالنظر إلى تاريخ الطالبان الطويل الحافل بالتمييز ضد المرأة وبانتهاك حقوقها. ولكن، هنا أيضاً، صدرت عن الطالبان تصريحات مرحب بها حول تعليم البنات، ولكن كثيراً من الناس لا يصدقونهم، وسنبقى نحن متشككين.
مشكلة عامة
بإمكاننا استلهام شيء من التاريخ الحديث. ما لبث الطالبان منذ سنين يحكمون مساحات واسعة من أرياف أفغانستان، فنحن إذن على معرفة بنمط حكمهم.
طبقاً لدراسة مبهرة تحت عنوان "الحياة في ظل حكم الطالبان"، أعدتها آشلي جاكسون بتمويل من الدنمارك، فقد سعى الطالبان إلى "تصحيح كثير من الأخطاء وأوجه القصور التي قوضت حكمهم في تسعينيات القرن العشرين، فرفعوا الحظر الذي كان مفروضاً على حضور النساء والبنات إلى المدارس، رغم أن معظم مسؤولي الطالبان يصرون على أن مثل ذلك الحظر لم يكن موجوداً أصلاً، وأعلن الطالبان على الملأ أن جميع النساء ينبغي أن يكون التعليم متاحاً لهن".
ولكن في الواقع العملي، يعترف التقرير بأن "هذا البحث لم يتمكن من التعرف على مدرسة بنات ثانوية واحدة مفتوحة في منطقة يتواجد فيها الطالبان بكثافة أو يمارسون فيها النفوذ أو السيطرة". إلا أن جاكسون تشير إلى كون هذه الظاهرة مشكلة عامة في أرياف أفغانستان وليست مقتصرة على مناطق الطالبان.
أفترض أننا لن نرى الطالبان يغلقون المدارس والجامعات المخصصة للفتيات والنساء في المدن – ولئن كانت ستغدو أكثر محافظة وأكثر تقييداً، ولكن قد أكون مخطئاً.
هناك الكثير من فصائل الطالبان، وسوف تجد القيادة أن من الصعب السيطرة عليها جميعاً. ومن المحتمل أن يعود سفك الدماء الذي شهدناه في التسعينيات، ولكنني أرجو، بل وأعتقد، أن المؤشرات جيدة إلى حد ما.
مستقبل الإمبراطورية
والآن أعود إلى الحديث عن مستقبل إمبراطورية الولايات المتحدة. فمنذ عام 1945، وقد يقول البعض حتى منذ قبل ذلك، والولايات المتحدة هي القوة العالمية المهيمنة. إلا أن الإذلال الذي تعرضت له الأسبوع الفائت يضع علامة استفهام كبيرة على وضعها، وقد تغدو هذه اللحظة نقطة تحول في تاريخ العالم.
هناك الكثير من الأسباب التي تدفع إلى هذا التفكير. فالإخفاق في استشراف السرعة التي بها دخلت حركة الطالبان إلى كابول، تثبت (تارة أخرى) عجز الأمريكيين الفطري عن فهم بلد احتلوها لعشرين عاماً.
سوف يفزع هذا الفشل الاستخباراتي الهائل أصدقاء الولايات المتحدة – وسوف يريح خصومها. ولكن يعلم الرئيس الأمريكي جو بايدن أن البلد الذي يقوده قد فقد طعم التشابك الخارجي والحرب. قد يُسخر منه في العواصم الأجنبية وداخل وزارة الخارجية، ولكن بايدن محق في الظن بأن الناخبين الأمريكيين قد سئموا الحرب.
ما هي الرسالة التي يبعث بها ذلك إلى حلفاء الولايات المتحدة!
كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب قد قال لعاهل المملكة العربية السعودية الملك سلمان بكل فظاظة إنه ما كان ليبقى في الحكم أسبوعين بدون دعم من الولايات المتحدة. ولقد أثبتت أحداث الأسبوع الماضي أن الولايات المتحدة سوف لن تجد حرجاً في التخلي عن حلفائها.
لن يكون نظام آل سعود هو النظام الوحيد الذي سوف يتطلع إلى إقامة مجموعة من العلاقات الجديدة بينما تتخلى الولايات المتحدة. وحتى أوروبا تحتاج لأن تعيد التفكير في كيانها الأمني. في هذه الأثناء يتحول الشرق الأوسط ببطء نحو غرب آسيا.
وقال هنري كيسنجر ذات مرة إنه "قد يكون خطراً أن يكون المرء عدواً لأمريكا، ولكن أن يكون صديقاً لأمريكا فهو أمر قاتل".
لم تكن مثل تلك العبارة أكثر صدقاً مما تبدو عليه اليوم.