هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
من دولة داخل الدولة، إلى دولة فوق الدولة، هذا هو لسان حال الكثير من خبراء الاقتصاد والمال والمؤسسات والصحف الاقتصادية العالمية، بعد سنوات من هيمنة الجيش المصري على مفاصل الاقتصاد المصري في أعقاب الانقلاب العسكري عام 2013.
عزز هذا الحديث قرار الحكومة المصرية منح إحدى شركات القوات المسلحة، المنشأة حديثا بل قبل أيام، حق تصنيع وتوريد الوجبات المدرسية لنحو 13 مليون طالب في صفقة تناهز قيمتها 8 مليارات جنيه (512 مليون دولار)، دون إجراء أي مناقصة عادلة.
وتفقدت وزيرة الصحة المصرية، قبل أيام، منظومة تصنيع الوجبات المدرسية بشركة "سايلو فودز" للصناعات الغذائية بمدينة السادات الصناعية (شمال غرب القاهرة) رفقة اللواء أركان حرب تيمور موسى، رئيس مجلس إدارة الشركة، والمقرر توفيرها للطلاب بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم.
وكان رئيس سلطة الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، افتتح المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز"، مطلع آب/ أغسطس، ودعا إلى رفع سعر رغيف الخبز البالغ خمسة قروش، من أجل توفير ثمانية مليارات جنيه تكلفة تنفيذ مشروع التغذية المدرسية، الذي قد أعلن عنه في وقت سابق من العام الجاري بعد توقفه.
ومن أجل تجنب الطعون القضائية على التعاقدات الحكومية بالأمر المباشر لصالح شركات القوات المسلحة، أصدر السيسي في تشرين أول/ أكتوبر 2018، قانون "التعاقدات الحكومية" الجديد، الذي ألغى بمقتضاه قانون "المزايدات والمناقصات".
الالتفاف على القانون
ويسمح القانون للمرة الأولى بتعاقد جميع الهيئات والإدارات الحكومية بعضها مع بعض، بالأمر المباشر، دون الحاجة إلى إجراء المناقصات أو المزايدات؛ ما ساعد على استحواذ شركات القوات المسلحة على أغلبية المشروعات أو المشاركة فيها.
كانت صحيفة "يو إس إيه توداي" الأمريكية قد ذكرت في تقرير لها، في آب/ أغسطس 2013، أن الجيش المصري يسهم بنسب تتراوح ما بين 5% إلى 40% في الاقتصاد المصري، ويدخل في شراكات مع مستثمرين أجانب، وأن يديه تصل للعديد من المجالات الاقتصادية بالبلاد، مثل الصناعة والزراعة والتعدين والعقارات، في غياب أي شفافية أو مساءلة حول تلك الأنشطة.
وتبرر الحكومة المصرية قرارها بإسناد المشروعات إلى شركات القوات المسلحة، بسبب ما قالت إنها تتمتع بكفاءة وفاعلية في تنفيذ المشاريع في أسرع وقت، مع ضمان أعلى معايير الجودة وانخفاض التكلفة، على الرغم أن الكثير من تلك المشروعات تسندها مرة أخرى بالباطن إلى مقاولين آخرين أصغر.
نهب خارجي وداخلي
في تعليقه، يقول الخبير الاقتصادي، علاء السيد، إن "القوات المسلحة تفوز بهذه المشروعات بالأمر المباشر، وتحقق أرباحا طائلة بسبب التكلفة المنخفضة للإنتاج، مقارنة بشركات القطاع المدني، حيث لا تقوم بدفع ضرائب أو جمارك، إلى جانب استغلالها المجندين في العمل بأجور زهيدة، وهي مشروعات يديرها عسكر متقاعدون".
وفند في حديثه لـ"عربي21" ما ذهب له السيسي من أن "رفع سعر رغيف الخبز عن 70 مليون مواطن هو من أجل توفير وجبة صحية للتلاميذ لبناء جيل قوي، وأقل ما توصف به تلك الوجبات بأنها "سخيفة"، بسكويت سادة أو محشو بالعجوة وفطيرة صغيرة، وهي قطع لا تغني عن رغيف الخبز".
يشار إلى أن جزءا كبيرا من أموال التغذية هي عبارة عن دعم خارجي من برنامج الغذاء العالمي في مصر الذي رصد عام 2017 قرابة 454 مليون دولار (نحو 10 مليارات جنيه حينها) لمدة خمس سنوات لتمويل برنامج التغذية المدرسية الذي يستفيد منه أكثر من 10 ملايين تلميذ.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن "الأمر برمته يتعلق بتعزيز قبضة الجيش على جميع المشروعات الحكومية، تحت دعاوى وقوانين واهية وتضر بمصلحة البلاد اقتصاديا، ولا تصب إلا في صالح لواءات الجيش"، مشيرا إلى أن "محاولة التلاعب برغيف الخبز وحرمان ملايين المصريين ليس من أجل توفير وجبة مدرسية إنما لسرقة 2.5 مليار دولار هي فرق السعر بين تكلفة دعم الخبز وتوفير الوجبات".
البحث عن الأرباح للجيش
من جهته، قال الوكيل السابق بوزارة الصحة، الدكتور مصطفى جاويش، إن "الوجبة المدرسية كانت تصرف للتلاميذ منذ زمن بعيد، وتشرف عليها وزارات متعددة، من بينها وزارة الصحة والتموين والزراعة، وكنت أحد المشرفين على برنامج مكافحة الأنيميا لدى التلاميذ في مصر لمدة خمس سنوات، بهدف توفير وجبة صحية متكاملة العناصر خاصة للأسر في المناطق الريفية والفقيرة".
واعتبر في حديثه لـ"عربي21": أن "تدخل الجيش من خلال تصنيع الوجبات المدرسية بدعوى قدرته على توفير مستوى عال من الأمن والجودة غير صحيح، فخلال السنوات التي سبقت جائحة كورونا تصدى الجيش لمسألة تصنيع وتوزيع الوجبات المدرسية، بعد تكرار حالات التسمم بسبب سوء التخزين أو التصنيع، لكن المشكلة تكررت أيضا مع الجيش عام 2017 في أكثر من محافظة".
وأعرب عن اعتقاده بأن الهدف الأساسي "من تولي مسؤولية تصنيع وتوزيع الوجبات المدرسية هو حجم الإسناد الكبير (أي حجم الصفقة) نحن نتحدث عن توفير وجبات غذائية لـ 13 مليون تلميذ يوميا، ما يعني دخول إيرادات بمليارات الجنيهات سنويا لجيوب اللواءات والضباط، رغم مشاركة برنامج الغذاء العالمي في تمويل تلك المنظومة".