استعرضت صحيفة "
وول ستريت جورنال" جانبا
من الحرب المخفية بين
طالبان وما يعرف بولاية خراسان، التابعة لتنظيم الدولة.
وأشارت الصحيفة في تقرير ترجمته
"عربي21" إلى أن زعيم التنظيم أبو عمر الخراساني كان قبل يومين من مقتله
ينتظر في زنزانة قذرة بسجن أفغاني جلاديه. واعتبر تقدم طالبان العسكري نذيرا
للتغيير. فقد تعهد التنظيمان وعلى مدى السنين بتخليص أفغانستان من "الكفرة".
وكان قال للصحيفة، "سيفرجون عني لو كانوا
مسلمين جيدين". وعندما سيطر مقاتلو طالبان على كابول الأسبوع الماضي دخلوا
السجن وأفرجوا عن المعتقلين وقتلوا الخراساني وثمانية أفراد من التنظيم.
ففي الوقت الذي كانت طالبان تخوض فيه حربا ضد
التحالف الذي تقوده أمريكا في أفغانستان كانت تشن حربا منفصلة وموازية ضد التنظيم المنافس.
فعلى
جانب كانت هناك طالبان التي ضمت بقايا القاعدة وعلى الجانب الآخر، الذراع الأفغاني
لتنظيم الدولة والمعروف باسم
تنظيم الدولة-
ولاية خراسان الراغب بضم أفغانستان إلى
رؤيتها عن الخلافة الإسلامية العالمية.
وقال المسؤولون الدفاعيون إن طالبان التي حصلت
على مساعدات من دول أخرى وقوات التحالف الذي قادته أمريكا كانت المنتصرة في تلك
الجهود. وتمت هزيمة تنظيم الدولة- ولاية خراسان وأجبرت على ترك جيوبها وتفرق
مقاتلوها واختبأوا.
ولم تلق طالبان أية مقاومة في طريقها إلى كابول
في ضوء الإنسحاب الأمريكي. وكان تفجيرا الخميس تذكيرا بأن المعركة بين التنظيمين
لا تزال دموية. وقتل أكثر من 90 أفغانيا و13 جنديا أمريكيا في الهجوم الذي أعلن
تنظيم الدولة من خلال وكالة أنبائه "أعماق" مسؤوليته عنه.
وترى الصحيفة أن وجود تنظيم الدولة في
أفغانستان قد يكون واحدا من الأسباب التي قد تدفع المجتمع الدولي وبخاصة أمريكا
لدعم طالبان. وترى الصين وروسيا أن طالبان هي دعامة للإستقرار ولهذا ستبقيان على
سفارتيهما مفتوحتين في كابول بعد الإنسحاب الأمريكي.
وفي مؤتمره الصحافي يوم الخميس قال القائد
للقيادة المركزية في الشرق الأوسط الجنرال كينث فرانك ماكينزي إن الولايات المتحدة
تعتمد على طالبان في فحص الأفغان عندما يقتربون من المطار. وقال "نستخدم
طالبان كأداة لحمايتنا قدر الإمكان". وعندما غزت الولايات المتحدة أفغانستان
في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر لم يكن لدى طالبان سوى عدد من الحلفاء. فقد مقتها
الغرب لتحالفها مع تنظيم القاعدة وعارضتها القوى الإقليمية مثل إيران وروسيا.
وكان خلف التضامن مع القاعدة علاقة غير مريحة،
حيث عبر الكثير من قادة طالبان عن سخطهم لاستخدام أسامة بن لادن البلد كقاعدة
لتنفيذ هجمات منذ نهاية التسعينات من القرن الماضي.
وكشف جهاز كمبيوتر تم العثور عليه بعد سقوط
كابول ونهاية طالبان عام 2001 كيف كان ينظر عناصر القاعدة بدونية لمقاتلي طالبان
باعتبارهم أميين وغير قادرين على فهم القرآن.
وفي المقابل حملت عناصر طالبان القاعدة مسؤولية
عزلة بلادهم ومفاقمتها المشاكل مع الغرب. وحدث صدع بعد هجمات 9/11 حيث أجبر قادة
المنظمتين على الهروب. وتقول آن ستينرسن، المتخصصة بالحركات الإسلامية ومؤلفة كتاب
"القاعدة في أفغانستان" إن زعيم طالبان، ملا محمد عمر لم يكن يعرف مقدما
بالهجمات مما أدى لبرود العلاقة مع بن لادن الذي اختبأ في باكستان. وبعد مقتل
أسامة بن لادن في 2001، أظهرت الوثائق التي أخذت من بيته في آبوت أباد أن زعيم
القاعدة لم يتصل مع زعيم طالبان إلا نادرا.
وقالت الصحيفة: "ثم وطدت طالبان العلاقات
مع القاعدة في ساحة المعركة حيث قاتلا
القوات الأجنبية. ففي الوقت الذي قضت فيه طالبان وقتا طويلا في إعادة تنظيم نفسها بعد
2001 إلا أن تنظيم القاعدة بدأ بشن هجمات في إقليم غزني، شرق أفغانستان في عام
2004".
وقال قائد في طالبان قاتل الأمريكيين والحكومة
إن القاعدة استخدمت المتفجرات والقنابل البدائية. وبحلول عام 2009 دمج التنظيمان القيادة
حيث تم إرفاق القاعدة في صفوف مقاتلي طالبان، كما قال القائد السابق. وقاما بشن
حرب ضد القوات الأمريكية وقوات الحكومة. لكن دينامية التعاون، تغيرت في وقت حاولت
فيه القاعدة تخفيض حضورها مع صعود تنظيم الدولة الذي سيطر على مناطق في العراق
وسوريا ودعا المقاتلين في أفغانستان لإنشاء ولاية خراسان.
وعثرت الجماعة على مقاتلين حانقين من طالبان
ومتشددين من وسط وجنوب آسيا. ثم أقامت مركزين لها في نانغرهار وجوزجان. وكان وصول
تنظيم الدولة عام 2015 معضلة لطالبان التي لم ترحب به. فقد تعاملت معه على أنه
عقبة أمام رؤيتها للبلاد. وخلافا لرغبة طالبان بتطبيق رؤيتها على أفغانستان وعدم
اهتمامها بمساعدة الحركات الأخرى، يقوم طموح تنظيم الدولة على ضم أفغانستان
للخلافة العالمية، حسبما قال خراساني في مقابلات قبل مقتله. وقال: "قيادة داعش
مستقلة وأهدافها مستقلة" و"لدينا أجندة عالمية وعندما يسأل الناس فنحن
نمثل الإسلام وكل المجتمع الإسلامي ونحن أكثر جذبا".
وأشارت الصحيفة إلى أنه لهذا بدأت بعض الدول
تنظر لطالبان كحاجز ضد تنظيم الدولة. ويقول بروس هوفمان، مدير دراسات الأمن بجامعة
جورج تاون: "كان هناك قلق كبير حولها وفجأة ظهرت رغبة لبناء أرضية مشتركة مع
طالبان". و"بدأ البعض يقول: قد تكون هناك جماعة يمكن التحاور
معها". وفتحت روسيا التي لا تزال تصنف طالبان كحركة إرهابية الحوار معها قبل
أكثر من خمسة أعوام، حسب إيفان صفرانشاك، الخبير في وسط آسيا بجامعة موسكو. وكان
ظهور تنظيم الدولة "دافعا لتوسيع الاتصالات" كما يقول. واتهمت الولايات
المتحدة روسيا بتقديم السلاح لطالبان وهو ما تنفيه موسكو. كما وقدمت إيران السلاح
لها، أما الصين فقد استقبلت وفدا لطالبان على مستوى عال هذا العام.
وقال الخراساني إنه انضم إلى تنظيم الدولة بعد
فتح فرعها في أفغانستان وتقدم في صفوفها حتى أصبح الحاكم الإقليمي يشرف على وسط
آسيا والشرق الأقصى. وانتشرت سمعة تنظيم الدولة السيئة إلى أفغانستان، فالقتل
والذبح وترويع المدنيين بات سمة التنظيم الجديد. في نانغرهار، حيث عمل الخراساني
كحاكم، وأعدم التنظيم شيوخا في القرى وسكانا محليين من خلال تعصيب أعينهم وإجلاسهم
على كوم متفجرات وضعت على تلة. وقام التنظيم بتوزيع فيديو عن الإعدام. وزعم
الخراساني أن هذه العمليات هي إعدام للمجرمين.
وقال إن هجمات التنظيم نفعت طالبان رغم العداوة
المستحكمة بينهما. وقال إن هجوما على سجن في جلال أباد نفذه عدد من الانتحاريين
و11 مسلحا أدى لخروج عدد من معتقلي التنظيم وطالبان. وذكر الخراساني أن معركة
فاصلة بين تنظيم الدولة وطالبان حدثت في جوزجان في 2017 بعد أن قدم قائد في طالبان
وعدد من مقاتليه الولاء لزعيم الدولة أبي بكر البغدادي وانضم إليه مقاتلون أوزبك
في الحركة الإسلامية لأوزبكستان. وقاموا جميعا بالسيطرة على واديين وولاية ورفعوا
علم التنظيم.
وتتوافق رواية الخراساني مع الروايات الأمريكية
حول المعارك التي لعبت فيها القوات الأمريكية وقوات الحكومة وطالبان دورا في سحق
مقاتلي التنظيم. وبعد عام استسلم مئات من مقاتليه لقوات الحكومة في كابول. وفي
نانغرهار، هزم تنظيم الدولة من خلال هجمات شنتها قوات الحكومة والقوات
الأمريكية وطالبان، كما قال الخراساني.
وأسقطت أمريكا أضخم قنبلة "أم
القنابل" في ترسانتها ودمرت مجمعا بني في الصخر في أثناء الغزو السوفييتي
وكان يسيطر عليه تنظيم الدولة. وعلق الخراساني "كل واحد دعم طالبان بطريقة أو
بأخرى ضدنا" و"ليس سرا أنهم بدأوا بالانتصار". وناقض الخراساني
رواية الولايات المتحدة عن تدمير المجمع وأنها قتلت 90 من عناصر وقادة تنظيم
الدولة، قائلا إنه تم إفراغه قبل الهجوم.
وكان ظهور تنظيم الدولة كعدو دولي جديد دافعا
لتقوية طالبان جهودها الدبلوماسية العالمية، مما عزز من موقع الحركة التي حاولت
محو سمة الإرهاب عن نفسها، كما قال مسؤولون سابقون في الحكومة التي دعمتها أمريكا
بأفغانستان. ومنحت الولايات المتحدة الحركة اعترافا دوليا من خلال فتح المفاوضات
معها في الدوحة وأدت للإفراج عن 5.000 سجين من الحركة، وانطلق معظم هؤلاء إلى
ساحات المعارك مما عزز من موقف الحركة ضد قوات الحكومة.
ووعدت الحركة كجزء من الاتفاق مع أمريكا بمنع
تحول أفغانستان كقاعدة للجماعات الراغبة بضرب أمريكا. وقال الخراساني إنه غادر
نانغرهار في العام الماضي بعد تفرق عناصر التنظيم واعتقل في بيت بكابول في
أيار/مايو 2020. وأصدر قاض حكم الإعدام عليه وسجن مدة 800 عام لكن حركة طالبان
وصلت إليه أولا.