هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
بخلاف ما يعتقده كثيرون، فإنّ مقاومة الاحتلال الأمريكي تعتبر ربما الجزء الأسهل من مهمّة حركة طالبان. وبالرغم من أنّ هذه المهمّة امتدت لحوالي عقدين من الزمن وتخلّلها عدد كبير من المعارك والقتلى والجرحى والكر والفر، إلاّ أنّ التمرّس على القتال لم يكن بالشيء الاستثنائي بالنسبة إلى حركة طالبان وشريحة واسعة من الشعب الأفغاني.
الجزء الأصعب من مهمّة حركة طالبان سيبدأ باعتقادي بعد اكتمال الانسحاب الأمريكي والأجنبي من أفغانستان نهاية أغسطس الحالي. هناك سلسلة من التحدّيات الداخلية والخارجية التي ستجعل من هذا التقييم أمراً واقعياً ليس أقلّها الفوضى التي نشهدها الآن في المرحلة الانتقالية بين رحيل القوات الأمريكية والتحضير لحكومة أفغانية مقبلة. هذه التحديات المُركّبة لها شقّان على الأقل، شق يتعلّق بالوضع داخل أفغانستان، وشق مرتبط بالتعامل مع المجتمع الدولي.
من التحدّيات الداخلية المنتظرة على سبيل المثال لا الحصر: تحدّي تأليف حكومة جديدة، وإدارة البلاد، وتخفيف معاناة الشعب، والحصول على الشرعة الدولية...الخ. لكل من هذه التحدّيات متطلّباته الخاصة، وما أن تفشل طالبان في إحداها حتى ينعكس ذلك على باقي المعطيات بشكل يؤدي إلى تدهور الوضع في البلاد. علينا أن نتوقع دوماً في هذه الحالة إمكانية حصول معارضة داخلية وإمكانية استثمار مثل هذه المعارضة من قبل الخارج. وفي حال حصول مثل هذا السيناريو، فإنّ الأمور ستزداد تعقيداً، وقد ينتهي الأمر بمعاناة جديدة للشعب الأفغاني.
هناك مؤشرات توحي بأنّ مثل هذا السيناريو لا يمكن استبعاده بشكل مطلق بدليل التصريحات والأعمال التي صدرت عن أحمد مسعود نجل أحمد شاه مسعود المعروف باسم أسد بنجشير الذي كان يقود تحالف الشمال ضد طالبان قبل الغزو الأمريكي، واغتاله تنظيم القاعدة عام ٢٠٠١. وتعدّ بنجشير معقلاً للرافضين لسيطرة حركة طالبان، ويقطنها غالبية من الطاجيك.
ربما يستغرب البعض إدراج تنظيم "داعش" (خراسان) ضمن التحدّيات التي قد تواجهها طالبان خلال المرحلة المقبلة، لكنّ التفجيرات التي تبنّتها "داعش" قبل يومين في محيط مطار كابل وأدّت إلى مقتل عدد من الأمريكيين خير دليل على ذلك. المفارقة أنّ عناصر التنظيم في أفغانستان انخرطوا في معارك سابقاً ضد الحكومة الأفغانية والقوات الأمريكية وحركة طالبان على حدّ سواء. الخطير في هذه المعادلة هو أنّ التنظيم يريد إظهار طالبان بمظهر التنظيم المائع، المهادن، والمفرّط.
ولأنّ "داعش" (خراسان) لا تمتلك أجندة سياسيّة، وليس لديها هدف الوصول إلى السلطة أو الحكم في أفغانستان، فهي تحاول المزايدة على طالبان، ويعتقد البعض أنّها تمتلك الأدوات اللازمة لتجنيد المزيد في الوقت الذي تقع فيه طالبان في موقع محرج نظراً لحساباتها المتعلّقة بموازنة المبادئ والمصالح من جهة، وحاجتها إلى الشرعية الدولية والاعتراف الدولي من جهة أخرى. ولذلك، فإن احتمال أن يخوض الطرفان مواجهات مستقبلية يبقى أمراً قائماً، وهو تحد كبير لأنّ هناك من سيحاول الربط بين طالبان و"داعش" أو افتراض توزيع الأدوار بينهما، وهناك أيضاً من سيشكك بقدرة طالبان على ضبط الوضع الداخلي في ظل الاستنزاف المحلي سواءً من خلال التنافس أو الصراع مع الجهات المختلفة.
هناك الكثير من الدول التي سترغب في التلاعب في الشأن الأفغاني الداخلي من خلال الفروقات المحلّية بين الجماعات المختلفة ومن خلال التنافس ربما بينها. ولعل الدول المتضررة من تغيير الحكومة الأفغانية على رأسها الهند قد يكون من مصلتحها حينها الاستثمار في الخلاف الافغاني ـ الأفغاني خاصّة أنّه ليس من السهل توقّع تلاشي نفوذها بشكل كامل بعد أن قامت بترسيخه بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية بعدما تحوّلت إلى واحدة من أكبر شركاء أفغانستان.
لأنّ "داعش" (خراسان) لا تمتلك أجندة سياسيّة، وليس لديها هدف الوصول إلى السلطة أو الحكم في أفغانستان، فهي تحاول المزايدة على طالبان، ويعتقد البعض أنّها تمتلك الأدوات اللازمة لتجنيد المزيد في الوقت الذي تقع فيه طالبان في موقع محرج نظراً لحساباتها المتعلّقة بموازنة المبادئ والمصالح من جهة، وحاجتها الى الشرعية الدولية والاعتراف الدولي من جهة أخرى.
ربما تدخل إيران على الخط كذلك تحت دعوى محاربة "داعش"، فقد سبق لطهران أنّ لعبت نفس اللعبة لتقوية علاقاتها بواشنطن على حساب المكوّن السنّي في سوريا والعراق، ونجحت حينها في تسويق دورها غربياً بشكل أدى إلى شرعنة نفوذها الإقليمي المتزايد ولمّع من صورتها كدولة تدّعي محاربة الإرهاب. تكرار نفس التجربة في أفغانستان في هذا التوقيت سيكون له عواقب وخيمة على الإقليم.
على المقلب الآخر، فإنّ حصول طالبان على الاعتراف والشرعية الدولية لن يكون بالأمر السهل. هذا الاعتراف سيكون له تكاليف. المجتمع الدولي سيضع شروطه وعلى طالبان أن تنظر مليّاً فيها لأنّ تداعيات الموافقة أو عدم الموافقة عليها سيترتبّ عليه الشيء الكثير للحركة والشعب الأفغاني.
وبالرغم من أنّ اتفاق الدوحة بين أمريكا وطالبان أثبت أنّ الأخيرة منفتحة على التفاهمات السياسية وتفهم لغة المصالح وأنّ الحركة ليست حركة انتحارية، فإن هناك من يحاول أن يقول إن طالبان لا يمكن الاعتماد عليها في أي اتفاق بدليل التفجير الأخير الذي حصل ضد القوات الأمريكية، والذي يتمّ توظيفه للقول إنّ هناك تواطؤاً بين الحركة وتنظيم "داعش".
أيّاً يكن الأمر، فإنّ التحديات والمشاكل الحقيقية التي من المتوقّع أن تواجهها حركة طالبان لم تبدأ بعد، وإنما ستظهر إلى السطح رويداً رويداً مع نهاية التواجد العسكري الغربي في البلاد، وبداية تسلّم الأفغان زمام أمرهم. حينها، سيكون من الممكن تقييم الوضع الأفغاني بشكل أعمق، وحينها فقط من الممكن تحديد الرابحين والخاسرين من التفاعلات الجارية على الساحة الأفغانية بشكل أدق.