سياسة عربية

اصطفافات وتدخلات أجنبية تعمق الأزمة في تونس

جيتي
جيتي

لا يتوقف الحديث والجدل في تونس عن التدخل الأجنبي في القرار السيادي، وأساسا بعد قرارات الخامس والعشرين من يوليو المنقضي، ولكن الغريب في الأمر أن أنصار الرئيس سعيد يتهمون خصومهم ومن يعتبرون ما حدث انقلابا بأنهم يصطفون وراء التدخل الأمريكي ويحرضون على انتهاك السيادة الوطنية، في حين أنهم في اصطفاف مفضوح وراء التدخل الفرنسي ويرفضون الإقرار بأنه هو الآخر تدخل أجنبي.

ينعت أنصار الرئيس من يخالفهم الرأي بالعملاء للأمريكيين ويطلقون أبشع النعوت لمخالفيهم ولكنهم حين يتعلق الأمر بفرنسا تختلف الرؤية وتصبح في خانة التشاور وتبادل الآراء.

وبين الوقوف مع طرف أجنبي ورفض آخر يغيب الوعي بأن الدولة في كل الحالات باتت منهكة ومخترقة كيف لا والحوار الداخلي ميت فالرئيس يرفضه والأحزاب والمنظمات تضع الشروط التعجيزية والإقصائية لحدوثه.

نفاق

يعتبر الباحث في العلوم السياسية حمزة المؤدب، في قراءة خاصة لـ"عربي21" أن اصطفاف وتمييز أنصار سعيد بين التدخل الأجنبي وأساسا فرنسا وأمريكا إجابته هو أن "الموقف الفرنسي يدعم توجه وتمشي الرئيس وما يدفع له أنصاره، فيما الموقف الأمريكي يدعو إلى كل ما هو دستوري والعودة للديمقراطية وهو مرفوض من أنصار الرئيس بالتالي الاحتفاء بالموقف الفرنسي يقوم أساسا لكونه يدعم قرارات الرئيس ونحن لم نلاحظ فرنسا تدعو للعودة للديمقراطية".

وأكد الباحث وفق تصوره أن الاصطفاف الحاصل وراء فرنسا وخاصة إذا كان الأمر يتعلق بمنظمات وأحزاب ومن بينها اتحاد الشغل الذي رفض لقاء الوفد الأمريكي والحال أنه التقى في مناسبات عديدة وفودا فرنسية يعود إلى حسابات يتحرك وفقها الاتحاد تموقع ضد النهضة في مقابل دعم للرئيس وفرنسا".

 

اقرأ أيضا: سعيّد يتحدث عن محاولات "تسلل" إلى الأجهزة الأمنية

ولفت الباحث إلى أن "جزءا من النخب بما فيها الاتحاد والأحزاب السياسية تتعامل بكثير من الانتقائية وهي في الحقيقة معضلة فالسيادة الوطنية مبدأ لا يمكن أن تمسه الانتقائية إذ لا مبدأ حقيقيا في الدفاع عنها، هناك مزايدة وكثير من النفاق في الدفاع عن السيادة الوطنية".

ويبرر الباحث الدفاع عن فكرته التي تتحدث عن نفاق بعض النخب في الاصطفاف وراء التدخل الأجنبي قائلا: "ألا يعلم الجميع أن نسبة 90 بالمائة من المديونية للخارج؟ فالبلاد في ارتهان شبه تام، مقابل طلب زيادات وترفيع في الأجور وإضرابات هذا معنى النفاق هناك مزايدة وانتقائية واضحة".

وشدد الباحث المؤدب: "المفروض أن يقترن الدفاع عن السيادة الوطنية بالدفاع عن الحد من المديونية مثلا. إلا أننا لم نلحظ هذا، الاتحاد ليس مهتما بمسألة المديونية في حين أنها مرتبطة بالسيادة، الأولى أن تقترن الأفعال بالأقوال".

لعبة محاور

بدوره يرى الأستاذ الجامعي والمحلل والكاتب سفيان علوي في قراءة تحليلية خاصة لـ"عربي21" أن "الموقف من التدخلات الخارجية في الشأن التونسي له أبعاد جيوسياسية وهو محكوم بثلاثة سياقات زمنية متلازمة، أولها اندلاع الثورات العربية من تونس والمنعرج السوري وحدث 25 يوليو في تونس، فقد أفرز الحدث الأول عداوة مباشرة للثورة وتداعياتها (الموقف الإماراتي والسعودي والفرنسي)، وقاد الحدث الثاني إلى انقسام حاد داخل الصف الثوري وانحراف الثورة نحو الحروب الأهلية وارتسمت لعبة محاور جديدة أخرجت الثورة المضادة من عزلتها وأقحمت قوى جديدة في لعبة دولية للتموقع في المتوسط ومنها روسيا".

وأضاف الباحث موضحا: "انتقل مسرح اللعبة الدولية من سوريا إلى ليبيا، لم تغفر أمريكا لفرنسا فتح الباب لروسيا والتساهل مع الوجود الصيني في أفريقيا والمتوسط ولهذا تظهر ملامح فجوة بين القوتين في الموقف الحالي من حدث 25 يوليو في تونس، هناك تقابل استراتيجيات مختلفة في تونس وهناك انخراط مبكر في لعبة المحاور، وهذا ما يفسر ازدواجية الموقف لدى بعض الأحزاب والمنظمات الوطنية بالتنديد بطرف والسكوت عن الطرف الآخر".

وخلص محدثنا سفيان علوي إلى القول "ربما كان هناك استعجال للحسم السياسي بالإقصاء وقطع كل إمداد خارجي معنوي أو دبلوماسي، ففرنسا لها مصالح قديمة تسعى إلى تأمينها بأي شكل وأمريكا لها رهانات مالية وعسكرية وجيواستراتيجية ومحور تونس-ليبيا حلقة منها".

لماذا فرنسا؟

قال الجامعي والباحث بمركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية، زهير إسماعيل في قراءة تحليلية خاصة لـ"عربي21": "إن تمييز أنصار الانقلاب بين الدور الأمريكي والفرنسي هو حديث يدخل في باب المجاز، لأن هذا الجسم المسمّى بأنصار قيس سعيّد هلامي غير متعيّن يمتدّ من أعضاء تنسيقياته إلى اتجاه عام تبلور في سياق الأزمة التي كان قيس سعيّد أهم عناصرها وصولا إلى ساخطين على منظومة الحكم غير واضحة الحدود ومُسْتائين من عجزها عن الخروج من الأزمة".

ولفت الباحث الانتباه إلى أنّه "إذا كان سعيّد بدوره غامضا ولا رؤية فعلية له إلاّ طرح نفسه بديلا عن الوضع بمجمله وقد كان دخل إليه من باب الديمقراطية شريكا، فإنّ الحديث عن علاقة سعيّد بصراع المحاور الإقليمية والدولية ليس أقلّ غموضا".

ويواصل زهير إسماعيل مفسرا: "لذلك لا قيمة للحديث عن صورة أنصار سعيّد عن أنفسهم على أنهم قوة جديدة تحمل الحلّ السحري والأبدي لمشاكل البلاد خارج كل شروط التاريخ والجغرافيا، أي خارج الصراع الإقليمي والدولي، وتلك خاصية ثابتة في الشعبوية قوامها الاستثمار في الأزمات - وهي جزء منها - وإدعاء أنها خارجها وبديل عنها".

واعتبر محدثنا إسماعيل أن "قيس سعيّد جزء مما اصطلح عليه بالثورة المضادة إقليميًا (إسرائيل، مصر، الإمارات) والمدعومة دوليا من الموقف الفرنسي ومنزلة فرنسا المضطربة في شرق المتوسط وأفريقيا. وقد يتقاطع هذا المحور مع الاستراتيجيتين الإيرانية والروسية التائقتين إلى موقع في المتوسط من جهة الاستفادة من انقلاب سعيّد بتثبيته في مواجهة شروط ديمقراطية قد تجتمع مجدّدا لاستعادة مسار الانتقال".

ويذهب الباحث إلى القول بأن "قيس سعيّد جزء من هذا المحور بقيادة فرنسا يتقاطع مع إيران وروسيا، في مواجهة محور الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا والجزائر وأهمّ دول الاتحاد الأوروبي (إيطاليا وفرنسا وبريطانيا)، مع ما بينها من تباينات مهمة لا تتجاوز كونها اختلافات في الدرجة لا في الاتجاه. تتحدّد علاقة تونس في وضعها قبل 25 وبعده من خلال موقف المحوريْن من مسار بناء الديمقراطية، ففرنسا تربط مصلحتها التاريخية بتونس بنظام مركزي مستبد، في حين تربط الولايات المتحدة مصلحتها بنظام ديمقراطي مستقر في تونس".

ويفصل الباحث بين المساعي الفرنسية والأمريكية قائلا: "إذا كانت فرنسا لا تطمح إلى أكثر من المحافظة على مصالحها ولو بتخريب السياسة في مستعمراتها القديمة (الانقلاب في غينيا)، فإنّ الولايات المتحدة تعيد ترتيب استراتيجيتها من تونس إلى أفغانستان في سياق هدنة مع الجسم العربي الإسلامي الذي كان عندها بالأمس عنوانا للإرهاب لتجعل منه اليوم حليفا في أفضل الاحتمالات أو جارا في أسوئها. ويمكن أن يكون في الحالين عاملا مساعدا على معركة كبرى تستعد لها في مواجهة روسيا والصين، وهي المعركة التي سترسم ملامح النظام العالمي الجديد في مطلع الألفية الثالثة".

وينتهي الباحث إلى اعتبار أن "سعيّد وأنصاره تفصيل صغير وأداة لا تخرج عن الاستراتيجية الفرنسية وظيفتها رعاية مصالح فرنسا التقليدية في الظروف الجديدة ببديل سياسي غامض في تونس أوضح ما فيه مركزيته وفرديته رغم ادعائه الأفقيّة وتبشيره بالديمقراطية المباشرة، مشروع سعيّد هو التعبير الأرقى عن الدرجة الصفر للسيادة، وإن لغط أنصاره بخطاب السيادة والتعبير عن إرادة الشعب".

 

التعليقات (0)